اقبال علي عبدالله -
لم أكن أتوقع أبداً أن يسألني أحد الاشقاء المصريين ممن كان نزيلاً بجانبي في مستشفى القصر العيني بالعاصمة المصرية القاهرة في بداية شهر يونيو الماضي بعد أن عرف أنني يمني وتحديداً من عدن، يسألني: »هل ستنجحون في الانفصال عن الشمال؟!« الصعيدي واسمه الحاج محمد ياسين احمد ويعمل في الصوت والضوء بالكرنك بالأقصر، مطَّلع على الاوضاع في اليمن من خلال متابعته للفضائيات خاصة قناة »الجزيرة« ولذلك وكما قال وجدها فرصة -بعد أن عرف أنني صحفي ومن أبناء المحافظات الجنوبية- أن يسألني عن حقيقة ما يسمعه ويشاهده من اخبار في الفضائيات.
حقيقة أدهشني السؤال ولكنه أشعرني بالسعادة أن السائل من أقصى الجنوب المصري، بمعنى أن هناك من يتابع أخبار اليمن.. قُلت له سائلاً: »ما رأيك أنت يا حاج محمد؟!« أجابني بحسرة »والله خسارة، الانفصال كارثة ليس عليكم اليمنيين بل على العرب جيمعاً.. نعم خسارة لأن الوحدة اليمنية رفعت رؤوسنا نحن العرب وتحققت في زمن عربي رديئ.. وأنا -والكلام مازال للحاج محمد »الصعيدي«- بحكم عملي في السياحة وأستقبل يومياً في معبد الصوت والضوء بالكرنك، الآلاف من السياح الغربيين وأحدثهم عن تاريخنا العربي القديم والحديث وتأتي الوحدة اليمنية كأهم منجز عربي في عصرنا الحديث«.. ثم يضيف الحاج محمد بالقول: »ليش الانفصال بعد أن توحدتم وبنيتوا دولة حديثة وكبرتم بوحدتكم في عيون العالم.. ليش الرئيس علي صالح مش كويس معكم؟!«.
بعد أن استمعت منه كل ما في صدره وعقله من أسئلة وأحاديث قلت له: »اسمع يا عم محمد.. عندنا في اليمن مثال يقول (الجنان يشتي له عقل) وهذا يعني أن الذي تسمعه من أخبار عن اليمن في بعض الفضائيات التي لا همَّ لها إلاّ بث روح الكراهية وخلق الفتن بين الشعوب، هي أخبار مبالغ فيها.. صحيح هناك مشكلة سياسية مفتعلة من قبل احزاب تدَّعي أنها (معارضة) ولكنها في الواقع غير ذلك، بل هي أحزاب لا جماهيرية لها وقادتها -وأقصد بعضهم- لا يجيدون فن المعارضة بل فن خلق الأزمات والفتن، ولا تملك هذه الأحزاب أي برامج إصلاحية.. ولهذا تجدها في كل الانتخابات التي جرت منذ تحقيق الوحدة -انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية - بعيدة عن المواطنين، وتزداد رقعة انعزالها.. فالمشكلة أن الحكومة بعد حرب صيف 1994م »شارحاً له تلك الحرب« ورثت أعباء ثقيلة من مشاكل وسلوكيات خاطئة ناتجة عن الحكم الشمولي للحزب الاشتراكي للمحافظات الجنوبية قبل الوحدة.. مشاكل تحملتها السلطة وعملت وفقاً للامكانات المادية المتواضعة نتيجة ما دمرته الحرب الانفصالية الفاشلة من بنى اقتصادية وخلقت دماراً في النفوس.. عملت على حلها، وهو أمر أغاظ ما تسمى أحزاب المعارضة المريضة واستغلت الموقف الاقتصادي الصعب للبلاد لخلق الفتن وزرع ثقافة الكراهية في صفوف بعض المواطنين البسطاء والأميين في المناطق الريفية والنائية.. مما دفع هؤلاء المواطنين الى القيام بأعمال تخريب وفوضى ووصل الأمر الى استخدام السلاح ضد النظام والقانون والدستور.. وأمر كهذا لابد من مواجهته بالقوة.. لأن أمن المواطن والوطن ووحدته من الثوابت التي لا تقبل التفريط.. لكن ثق يا عم محمد ان اليمن بخير وما تشهده ما هو إلاّ فقاقيع صابون.. اليمن لن يتقزم بعد أن عانق السماء في الثاني والعشرين من مايو 1990م«..