حسن عبد الوارث -
جاءت من أكثر الفئات احتقاراً وازدراءً من قبل المجتمع - الريفي آنذاك - ومن أدنى درك مراتب الطبقات في السلم الاجتماعي ، في النصف الأول من القرن التاسع عشر ..غير أنها غيَّرت هذا الواقع ، إذ وضعت لنفسها مكانة مرموقة في جنباته .. وقد نجحت في تحقيق ذلك ، باستخدام سلاح خطير للغاية ..لم يكن سلاح المال ، ولا سلاح حديد القبيلة أو نار العشيرة .. إنما سلاح الشعر وحده ..
إنها غزال احمد علوان ، الشهيرة بغزال المقدشية.
ففي الوقت الذي استكان فيه الرجال لكل تلك الفوارق الاجتماعية الخطيرة والأمراض المجتمعية الأخطر التي كانت سائدة آنذاك .. انبرت بنت المقادشة لمكافحة هذه الفوارق وتلك الأمراض بكل شجاعة وبكل وعي أيضاً:
( سوا سوا يا عباد الله متساويه
ما حد ولد حُره والثاني ولد جاريه
عيال تسعه وقالوا بعضنا بيت ناس
وبعضنا بيت ثاني ، عيّنه ثانيه)!
حدث هذا ، من قِبل هذه المرأة الاستثنائية ، في ظل مجتمع غارق في ظلال الجهل وظلمات التخلف ، بل وفي ظل واقع لم يكن يعرف البتة ظاهرة تعليم المرأة ، ناهيك عن تصدّيها لأكثر القضايا حيوية وحساسية في المجتمع: ( قالوا قد الغيد بتقرا ياعماد .. ما قد سمعنا بحُرْمَه قاريه )!
والحق أن "غزالاً " لم تكن قد أخذت أي قسط من الأبجدية ، فهي ظلت تجهل القراءة والكتابة ، غير أن فطرتها الشعرية كانت مارداً جباراً استطاع ان يحطم حواجز الألف باء وجدران الوباء ، بل ويتجاوز ذلك الى محذور خطير هو مكنون قلوب الأحباء :
( ياناس ما كان ودّي غير ناصر قراع
ذي كان رفيقي من أيام كان ثوبي ذراع)!!
ولم يبرز في المقادشة ، وفي عنس حينها ، شاعر بمكانة وموهبة وجرأة "غزال ".. بل كانت بحق أرفع الشعراء صوتاً وصيتاً في ذمار كلها على الإطلاق !!
رحم الله "غزالاً " وطيَّب ثراها .. فقد كانت صاحبة موقف طليعي ، منذ زمان مبكر جداً ، في مضمار تحرير المرأة من قيود التخلف والجور والجهالة .. بل كانت صاحبة دور متقدم بعقود عدة في ميدان النضال من أجل إزالة الفوارق بين الطبقات التي غدت أحد أهداف الثورة السبتمبرية الخالدة.{
وضعفاً.{