فيصل جلول -
لم يتوافر لليمن من قبل اجماع خارجي غربي على دعم وحدته واستقراره وتنميته كما توافر في مؤتمر لندن. ولم يتوافر لليمن ما يشبه الاجماع العربي على مواكبة الاجماع الدولي وتزويده بالوسائل الاقتصادية المقدرة بمليارات الدولارات.ينطوي هذا الاجماع على رسالة يحسن بكل القوى السياسية اليمنية ان تقرأ معانيها بمنهج واقعي وليس عبر التمني الفئوي او تحت تاثير المزاج المتعكر. الرسالة مفادها ببساطة أن احداً خارج حدود اليمن لا يريد او ربما لا يستطيع لهذا السبب او ذاك العبث بوحدة الاراضي اليمنية وبالاستقرار السياسي في هذا البلد ولو اردنا المبالغة لقلنا أن احدا لا يريد او لايستطيع صب الزيت على النار اليمنية خشية أن ينفجر البركان اليمني بوجه الجميع.
بالطبع لم يتحول الفضاء الخارجي الى فضاء عامر بملائكة السياسة الذين يريدون الخير لكل بني البشر لم يحدث هذا بين ليلة وضحاها ولن يحدث ذات يوم. بيد ان حسابات وتطورات يمنية وخارجية جعلت كبار هذا العالم والقيمين على اموره يحسبون ان من الافضل لهم ولليمن ان يبقى موحداً ومستقراً وقرروا ان يستثمروا في المشاريع التنموية في هذا البلد.
لا تستطيع القوى السياسية اليمنية أن تتجاهل هذه الحقيقة وان كانت قاهرة بالنسبة للبعض ولا يمكن لهذا البعض أن يرد على منعطف من هذا النوع بتفسيرات خادعة للنفس قبل الغيراو بمزاج متعكر او بمواقف مستندة الى الكبرياء حصرا.فلا تعكر المزاج ولا الكبرياء ولا التمنيات ولا التفسير الخادع يجدي شيئا يذكر في الحسابات السياسية وفي قراءة المنعطفات التي تحدد مستقبل البلدان ومصيرها.
ثمة من يعتقد محقاً أن الاجماع الخارجي على وحدة واستقرار وتنمية اليمن لا يملي على المعارضة ان تقفل مكاتبها وان تؤرشف مشاريعها السياسية وتنضم الى الحزب الحاكم . وثمة من يعتقد محقاً ايضاً ان الاجماع الخارجي لا يعني ان يقفل الحزب الحاكم ابوابه وان يضع اوراقه ومشاريعه في دائرة المحفوظات اليمنية وأن يذوب في احزاب المعارضة . والحق في الحالة الاولى يشهد على الحق في الحالة الثانية ولا يناقضه.وهذا يعني ان المطلوب استخلاص الحق العام من حاصل جمع الحقين المذكورين وبالتالي التحاور تحت سقف ثلاثية الوحدة والاستقرار التنمية على ان تختصر حصيلة التحاور في وثيقة وطنية مجدولة زمنيا يتحدد من خلالها دور كل طرف مع تحديد واضح لحقوقه وواجباته.
في هذه اللحظات ربما يحسن بالقوى السياسية اليمنية ان تدرك ان فرصة ذهبية نادرة مفتوحة امامها للانتقال باليمن من واقع راهن مدجج بالشكاوى ومشوب بالاضطراب والقلق الى حال افضل بما لايقاس. حال عامر بالامل ووعود الازدهار والمصير المختلف. في هذه اللحظات ربما يجدر باليمنيين ان يراهنوا على المستقبل وان يكفوا عن فتح صفحات الماضي المؤلمة فالماضي الاليم يجب ان يمضي الى غير رجعة.في هذه اللحظات يمكن القول بثقة كبيرة ان المصير اليمني الافضل هو بايدي اليمنيين وحدهم ولعل التاريخ لن يرحمهم ان هم بددوا هذه الفرصة التاريخية.
كم طفلاً فلسطينياً قتلتم اليوم؟
" كم طفلا فلسطينيا قتلتم اليوم ؟ " هذا السؤال طرحه تلامذة اسبان في مئات الرسائل التي وصلت الى عنوان السفارة الاسرائيلية في مدريد ومن غير المستبعد أن تكون عائلات هؤلاء الاطفال او معلماتهم قد شاهدن عبر الشبكة العنكبوتية اطفالا اسرائيليين يوقعون صواريخ كانت االطائرات الحربية الصهيونية تطلقها على منازل اللبنانيين خلال حرب تموز يوليو عام 2006 وتؤدي فيما تؤدي اليه الى سقوط اطفال في قانا الجنوبية وغيرها.
تزامنت هذه الرسائل وهي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الاوروبية الاسرائيلية مع ما بات يعرف بفضيحة " دبي غيت" التي يستهجنها شطر واسع من الرأي العام الاوروبي خصوصا اولئك الذين يزورون العالم العربي ويخشون من ان تصبح جوازات سفرهم موضع شبهة وتزداد علاقتهم تعقيدا مع العرب ولعل هؤلاء وغيرهم لم يعد بوسعهم التسامح مع البلطجة الاسرائيلية وآخرها استخدام باسبورات اوروبية لارتكاب جريمة قتل في وضح النهار.
والجدير ذكره ان قسماً مهماً من الرأي العام الأوروبي كان قبل سنوات قد اعتبر في استفتاء شهير أن سياسة الكيان الصهيوني هي الاكثر تهديدا للامن والاستقرار في العالم وتلك سابقة أخرى ما كانت معروفة من قبل.وتجدر ايضا الى "تقرير غولدستون" وهو من بين أواخر حلقات هذه السلسلة هذا اذا اردنا اهمال محاولات توقيف ضباط وقادة اسرائيليين في عواصم اوروبية ممن تلوثت اياديهم بدماء الفلسطينيين والعرب الابرياء. اضف الى ذلك أن احزابا وجماعات اوروبية عديدة باتت تجهر خلال التظاهرات والتجمعات التضامنية بأوصاف من نوع: اسرائيل دولة قاتلة. ناهيك عن الانتقادات العلنية للغطرسة الصهيونية التي ترد احيانا كثيرة على لسان مثقفين وفنانين ومعلقين اوروبيين كانوا قبل الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة يرددون مفردات الدعاية الاسرائيلية حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .والملفت أن مجمل هذه التحولات وغيرها يمكن ان نجد صداها في وسائل الاعلام المحلية الجدية والتي تصنع الرأي العام حيث كفت عن الانحياز التام للقراءة الاسرائيلية لوقائع الصراع.
والحال ان ردود الفعل الاسرائيلية على هذا التحول تسهم في توسيعه وتزيد اصحابه جرأة وتصميما.فالدولة العبرية تبرر قتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين وبينهم اطفال ونساء بالحديث عن "لا سامية" العرب الساميين؟! أو انها تقتل وتدمر كي لا تتكرر "المحرقة" النازية وانها توسع الاستيطان لاسباب توراتية غير عابئة بالقانون الدولي الذي يحترمه الاوروبيون ليس فقط جراء ثقافتهم الحقوقية وانما ايضاً لانه صيغ اصلا في بلدانهم ومن طرف حكوماتهم وبالاشتراك مع الولايات المتحدة الامريكية. وترد على تدمير بنى تحتية هنا وهناك بالتظلم المنافق من انها دولة صغيرة " ديموقراطية " تعيش في وسط " استبدادي "...الخ..وإذ يقع هذا التحول المتواصل في اوساط الرأي العام الاوروبي يزداد حرج اللوبيات اليهودية في الغرب فتبدو عاجزة عن ضبط هذه الظاهرة ويضطر بعض عناصرها لالتزام الصمت وبعضهم الاخر لا تعوزه المهارة فتراه منشغلاً في نشاطه الذهني بمواضيع أخرى بعيدة الى هذا الحد او ذاك عن الصراع العربي الاسرائيلي.
ما من شك في أن هذا التحول ليس ناجما عن جهد عربي مدروس لتوضيح حقائق الصراع العربي مع الكيان الصهيوني وليس حصيلة يقظة اوروبية حقوقية مفاجئة وانما عن محطات مفصيلة اولها ضعف الكيان الصهيوني في مجابهة حركات المقاومة والممانعة العربية وثانيها تخلي الفلسطينيين عن العمليات الارهابية في اوروبا وفي العالم عموما وانتفاضاتهم السلمية المتكررة في الاراضي المحتلة وثالثها يكمن في الحماقات الصهيونية المتكررة شأن بناء الجدار العازل في عصر انهيار الجدران التاريخية ورفض التخلي عن الاراضي العربية المحتلة رغم المفاوضات الماراثونية ناهيك عن الاستيطان ومحاصرة كنيسة القيامة لشهور طويلة والاعتداءات الدورية على المسجد الاقصى وصولا الى تصعيد اليمين الصهيوني المتطرف الى سدة الحكم في مناسبات عديدة ورابعها اكتشاف الاوروبيين لمحدودية القوة العسكرية في اخضاع العراق وافغانستان وبالتالي في اخضاع الفلسطينيين والعرب واخيرا شعور الاوروبيين الضمني او العلني بعد انهيار الحرب الباردة بان الكيان الصهيوني ما عاد قادرا على اداء كل الوظائف التي كان يؤديها كموقع امامي للدفاع عن المصالح الغربية في الشرق الاوسط بل صار يحتاج لبقائه الى حماية الغرب ورعايته المتزايدة الكلفة يوما بعد يوم ولعل اخر مظاهر هذه الكلفة يتمثل في الحشود الاوروبية على حدود لبنان الجنوبية بعد حرب تموز عام 2006 .
" كم طفلا فلسطينيا قتلتم اليوم ؟" وكم ستقتلون غدا؟ سؤال تجرأ اطفال اسبان على ارساله الى السفارة الاسرائيلية في مدريد فمتى يتجرأ الامين العام للامم المتحدة على طرح السؤال؟ وهل يعقل ان يكون اطفال مدريد أكثر شجاعة منه ومن منظمته؟ بل متى يتجرأ الامين العام للجامعة العربية على تبني سؤال التلامذة الاسبان؟ متى يا "عم حمزة"؟ على حد وصف الشيخ امام.
|