ناصر العطار -
في العصر الحديث برزت الانتخابات بأبهى صورها وأصبحت جزءاً من حياة الناس والشعوب نظراً لأهميتها كونها الأداة الوحيدة التي من خلالها تطبق الديمقراطية وتمكن الشعوب وأفرادها من حكم أنفسهم بأنفسهم وممارسة حقوقهم الأساسية في الاعراب عن الرأي والانتخاب والترشيح لمختلف الفعاليات ذات المصلحة بالتداول السلمي للسلطة وتشكيل سلطات الدولة، وبالمثل منظمات المجتمع المدني- أحزاباً واتحادات ونقابات مهنية وإبداعية.. الخ، ونتيجة للممارسات الفعلية للانتخابات قولاً وعملاً، فقد زاد من اهتمام المجتمعات المدنية الحديثة التي تحررت من الأنظمة البائدة والدكتاتورية فأظهرت الانتخابات كنظريات وأنظمة تبلورت في ثلاث عائلات هي: »نظم الاغلبية العددية، النظم النسبية والنظام المختلط« وكانت تلك التفرعات وفقاً وخصوصيات الشعوب وما يتلاءم مع ثقافة ونسيج كل شعب.. ولم يقتصر الاهتمام عند هذا الحد بل تعمق الدارسون والباحثون والمهتمون بالديمقراطية والمشرعون، فقننت ضمن القواعد الدستورية والقانونية ومورست كسلوك في حياة الدول والشعوب وبدرجة أساسية الشعوب التي تنهج الديمقراطية.. ويعتبر الشعب اليمني من الشعوب الرائدة والسباقة في هذا المجال كونه قد أخذ بأفضل الانظمة الانتخابية والاكثر شيوعاً والمتناسب مع خصوصية تركيبته ونسيجه المتلاحم اجتماعياً وثقافياً والمتمثل في نظام الفائز الأول أحد مكونات نظم الاغلبية العددية والمعمول به في أكثر من 60٪ من الدول الديمقراطية كونه يعتمد على حكم الاغلبية ويؤدي الى تعزيز التلاحم الوطني وينتج حكومات قوية وأحزاباً فاعلة.. الخ.
واستطاع شعبنا- بفضل الله وبعزيمة وإصرار أبنائه المخلصين وفي مقدمتهم القائد الرمز فخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية- تحقيق العديد من المنجزات شملت ظهور اليمن بصورة مرموقة وحديثة بين شعوب العالم، اما على مستوى أنشطته الداخلية فقد تكون رأي عام وثقافة لدى عامة الشعب تمثلت في هجر الموروث البائد في الاحتكام للصراعات والتي كانت سائدة لتداول السلطة وحل محلها ثقافة الاحتكام للشعب وعبر الانتخابات وصناديق الاقتراع.. ومن فعالية لأخرى في الانتخابات النيابية والرئاسية والمحلية وغيرها نمت وترعرعت الثقافة الحديثة المدنية وساهمت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في ترسيخ تلك الثقافة.. ويعتبر المؤتمر الشعبي العام الحزب والتنظيم الرائد الذي سجل أروع الملاحم والانتصارات التي شكلت انتصاراً للديمقراطية وللشعب في القضاء على التخلف وأشكال الوصاية والهيمنة التي خضع لها الشعب ردحاً من الزمن لأنه اعتمد وتمسك بالديمقراطية في كافة أنشطته.
وبدأ بنفسه أولاً، فجميع فعالياته وشغل مناصبه العليا والوسطى والدنيا بدءاً بالجماعة التنظيمية نواة التنظيم وانتهاءً برئاسة المؤتمر تتم بالانتخابات الحرة والنزيهة والمباشرة والمتساوية لجميع الاعضاء ونفذ ذلك في دورات انتخابية عادية في فترات زمنية تواكبت مع فترات مجلس النواب والمجالس المحلية.. اما على مستوى أنشطته العامة، فقد عمل جاهداً على التهيئة والتنفيذ لإجراء الاستحقاقات الدستورية للشعب ولم يرضخ أو يتهاون في إجرائها في مواعيدها والاحتكام لنتائجها.. وعلى العكس من ذلك مارست أحزاب اللقاء المشترك منفردة أو مجتمعة ومن يسير على نهجها- أنشطة وصفت تارة بأنها محمومة تزامنت مع الفعاليات الانتخابية وأخرى بأنها انعكاسات للثقافة المنتهجة في فكر وأنشطة تلك الاحزاب ورموزها والتي اعتمدت أسساً مخالفة للاعراف والسلوكيات الديمقراطية، لأنها تؤمن بتملك فئة أو أشخاص بعينهم حق الوصاية والتسلط على من سواهم من أبناء الشعب أو رفقائهم في التنظيم أو من تجمعهم مصالح أو منافع شخصية تعلو على مصالح الشعب.. والاسوأ من هذا أن الأمر قد آل بسبب الضجيج وخلط الأوراق واستغلال الظروف التي مر بها الوطن من قبل تلك الاحزاب وذلك بإجبار أطراف العمل السياسي الموافقة على تأجيل الانتخابات النيابية لمدة عامين حتى أبريل 2011، ولأسباب ربما كانت مقنعة وتؤدي الى تجنيب الوطن ويلات الفرقة والشتات.. هذا لو نفذت الاتفاقات وبنودها التي على ضوئها أجلت الانتخابات وفقاً لاتفاق فبراير 2009م والذي صادق عليه مجلس النواب.
إلا أنه وبسبب الانشطة المغايرة لذلك والمعيقة لإجراء الاستحقاقات الدستورية في الموعد المؤجل، فقد زاد الطين بلة وعقد الموضوع كلياً وعمل على توطيد ثقافة مغلوطة ربما ونتيجة للتدليس والتعتيم الذي تمارسه تلك الاحزاب قد يصل بعض المواطنين الى التسليم والاذعان لأهوائها ورغباتها في مصادرة حق الشعب والاحتكام لقسمة ضيزى بين الاحزاب وتداركاً للوقوع في مثل ذلك فقد آن الأوان والساعة واليوم وقبل الغد أن ينهض الجميع وفي المقدمة المؤتمر الشعبي العام المسؤول والمعول عليه في المضي قدماً نحو تعزيز الديمقراطية وبناء مجتمع ديمقراطي مدني حديث باعتباره من عود الشعب صنع المستقبل والتضحيات الوطنية ومن جانب آخر من نال ثقة الشعب في التصويت على برامجه الانتخابية ومرشحيه للانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية، والقول بغير هذا يعد مجازفة وهروباً من الحقائق، وما يجب أن يكون خاصة وأنه لا يمكن مواصلة السير في الديمقراطية المبتغاة والمنطبقة في كافة شعوب العالم بغير الانتخابات والأكثر من ذلك عدم إمكانية التأجيل مرة أخرى أو القفز على الواقع الذي لا يمكن تخطيه وإجراء الانتخابات في ابريل 2011م دون تنفيذ المهام الاساسية التي تحكمها إجراءات وفترات زمنية دستورية وقانونية وأبرزها مراجعة وتصحيح جداول الناخبين قبل إجراء الانتخابات بستة أشهر لإضافة من توافرت فيهم الشروط القانونية لممارسة الحقوق الانتخابية وحذف المتوفين ومن فقدوا أي شرط من شروط ممارسة الانتخابات، وتلك العملية تتم عبر ثلاث مراحل ودرجة من درجات التقاضي لكسب الحقوق أو اسقاطها للجان الأساسية ثم المحاكم الابتدائية والاستئنافية.. ولا يمكن أن تتم العملية بخلاف ذلك أو أن تجري الانتخابات دون تصويب جداول الناخبين وكل ذلك يجب أن يسبقه الإعداد والتحضير من قبل اللجنة العليا للانتخابات الجهة المعنية دستوراً وفقاً لنص المادة (159) من الدستور وأحكام قانون الانتخابات والتي يجب أن تقوم بإعداد نسخ السجلات الانتخابية الحالية وتوفير متطلبات ومستلزمات العمل وتشكيل اللجان الانتخابية لإجراء وتصحيح جداول الناخبين.. الخ.
والأسئلة تطرح نفسها على المؤتمر ومن يهمه الشأن اليمني .. لماذا استهلال الوقت وماذا نفع مثل هذا الكسب أحزاب المشترك وحملها على التجاوب مع الوطن والتنازل عن مصالحها من أجل الوطن؟
- ألا يدرك المبصرون خطورة المضي في استهلال الوقت وانه بغير احترام المواعيد الدستورية سيصل الجميع الى النتائج الحتمية في القضاء على الديمقراطية والمؤسسات الدستورية التي ناضل الشعب في بنائها وسيكون البديل في تشكيلات أشبه ما نراه في الصومال أو في الماضي البغيض؟!.
والله الموفق
رئيس الدائرة القانونية