عبدالملك الفهيدي - لم يكن أحد يتوقع أن يصل الحال بأحزاب اللقاء المشترك إلى ما وصلت إليه اليوم حيث باتت هذه الأحزاب تخرب بيوتها بأيديها وتسعى بقصد أو بدون قصد إلى إلغاء مشروعيتها لصالح مشاريع أخرى لا تملك أية مشروعية ولا تستند إلى أي قوانين .
ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بأن المؤتمر الشعبي العام عندما كان يوقع الاتفاقات السياسية مع أحزاب المشترك (الممثلة في البرلمان) وآخرها اتفاق فبراير 2009م والذي مضى عليه عام ونيف إنما كان ينطلق في قبوله بتلك الاتفاقات من حرصه على المصالح الوطنية وإيمانه بأهمية رعاية وترسيخ وتجذير التجربة الديمقراطية ،ورؤيته للمعارضة كوجه آخر للحكم ،وفوق ذلك من قناعته بأن تلك الأحزاب –رغم المآخذ الكثيرة عليها- لا تزال في حكم الأحزاب المستمدة مشروعية وجودها ونشاطها من نصوص الدستور والقوانين النافذة القاضية بالأخذ بالنظام الديمقراطي التعددي كنظام حكم اختاره ووافق عليه الشعب اليمني .
وانطلاقاً من ذلك كان على أحزاب المشترك ان تستوعب تلك الحقائق وتسعى إلى استغلال المرونة السياسية التي تعاطى بها الحزب الحاكم معها وآخرها قبوله بتأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في ابريل 2009م لترسيخ النهج الديمقراطي ،والعمل مع السلطة لتحقيق إصلاحات سياسية تخدم التعددية السياسية ،والسعي لترسيخ مشروعيتها الدستورية ،وتقوية وجودها الجماهيري المهترىء أصلاً وصولاً إلى تقديم نفسها إلى الناخب كبديل للحزب الحاكم ،وكأحزاب تمتلك رؤية برامجية قادرة على خدمة قضايا المواطنين وحل مشاكلهم ،إلا انه وللأسف لم يحدث شيء من ذلك .
ولم تكتف أحزاب المشترك بتحريف نصوص ومضامين بنود اتفاق فبراير والتنصل عن تنفيذه بل العجب العجاب أنها سعت إلى إلغاء كيانها الاعتباري كموقعة على الاتفاق لصالح كيانات ومشاريع قبلية وشخصية لا علاقة لها بقضايا الوطن ،ولا مشروعية لها في الحديث عن مشاكله ،ولا مبرر لوجودها أصلاً ،وأقصد هنا بالتحديد ما سمي بلجنة التشاور الوطني لصاحبها الشيخ والتاجر حميد الأحمر .
ويبدو مسلسل تناقضات المشترك شبيهاً بالدراما الصابونية التي يظل المشاهد يتابع حلقاتها لأشهر ليكتشف في الأخير انه لم يفهم شيئاً ،فهذه الأحزاب التي تغنت ودندنت بالدستور ونصوصه طويلاً وظلت تردد على مسامع الناس ليل نهار بأنها تستمد مشروعيتها منه ،وتزعم أن نضالها لا هدف له سوى تطبيق نصوص الدستور والقوانين ،تتعمد في كل مرة أن تركل ذلك الدستور وراء ظهرها كلما وجدت نفسها محاصرة بالحديث عنه ..
وإذا كان من المقبول أن تسعى تلك الأحزاب لاحتواء الشخوص القبلية والتجار تحت أجنحتها باعتبارهم مواطنين لهم حق الانخراط في العمل السياسي ،إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن تسمح تلك الأحزاب وقياداتها لأي كان أن يلغي كياناتها لصالحه ،وبعبارة أوضح كيف يتقبل المرء من قيادات ناضلت كما تقول من أجل إنهاء سلطة القبيلة وإحلال سلطة الدولة مكانها ،ومن سياسيين يصمون آذان الناس نواحاً عن هيمنة الشيخ ونفوذه على سلطة القانون أن يتحولوا إلى مجرد أدوات تهدر وقتها وعمرها من أجل تكريس وترسيخ هيمنة السلطة القبلية إلى الدرجة التي باتوا فيها يلغون تاريخهم النضالي ،وكياناتهم الاعتبارية السياسية لصالح سلطة الشيخ ،وإلى الدرجة التي يلغي فيها المشترك وجوده ويصر على إحلال لجنة حميد الأحمر –التي ما انزل الله بها من سلطان- بديلاً لتلك الأحزاب التي وصل بها الأمر إلى ان ترهن موضوع تنفيذ اتفاق فبراير التي وقعت عليه بقبول المؤتمر أن تكون لجنة الشيخ بديلاً لأحزاب سياسية معترف بها .
دعونا من الحديث عن تناقضات أحزاب المشترك فيما يتعلق بقضية فتنة صعدة فالجميع يعرف ان الإصلاح كان ولايزال يريد القضاء على الحوثيين ليس باعتبارهم متمردين خرجوا عن سلطة الدولة وأشهروا السلاح بوجهها بل باعتبارهم خصوماً سياسيين ،فيما كان موقف الاشتراكي المساند للمتمردين رداً لجميل وقوف الأخيرين معه إبان حرب الانفصال ،وتلك حقائق لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها بتصريحات تقال لمجرد الاستهلاك الإعلامي ،إلا أن تلك التناقضات امتدت إلى موقف اللقاء المشترك كتكتل، ففي الوقت الذي ظل المشترك يرعد بالبيانات والتصريحات نواحاً على صعدة وأبنائها مطالباً بإيقاف العمليات العسكرية ضد المتمردين الحوثيين،وجدناه بعد ان توقفت الحرب يعبر عن استغرابه لغموضها وغموض توقفها ،وراح إعلامه يصور ما انتهت اليه الحرب وكأنها هزيمة للدولة في تعبير فاضح عن موقف مناقض لمزاعم أحزابه في الدعوة إلى ايقاف الحرب،وبشكل يؤكد ان قضية صعدة لم تكن سوى مجرد ورقة سياسية بالنسبة للمشترك حاول ان يدغدغ بها مشاعر الجماهير ..
مشهد التناقضات داخل أحزاب المشترك بالنسبة للموقف من فتنة التمرد في صعدة تكررت بالنسبة لموقفها من قضية الدعوات الانفصالية وأعمال التخريب والقتل والنهب والسطو ورفع الأعلام الشطرية والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وخصوصاً بين حزبي الإصلاح والاشتراكي ،وصولاً إلى تناقض مواقف المشترك الداعمة والمساندة والمؤيدة لتلك الأعمال مع مواقفه في تحميل الحكومة مسؤولية حفظ أمن واستقرار المواطن والبلد،والمطالبة بتطبيق القانون على الجميع ..
ومن الغريب أن نجد المشترك يحاول شرعنة المسيرات والمظاهرات غير المرخصة قانوناً والتي تتحول إلى أعمال عنف وقتل وتخريب ورفع أعلام شطرية ودعوات انفصال ،في حين يدين ما يزعمه قمعاً للحريات ..بل إن المشترك لا يجد حرجاً في إدانة مقتل او جرح بعض عناصر التخريب الانفصالية بغض النظر عن سبب مقتلها أو إصابتها في حين يغض الطرف عن إدانة قتل المواطنين الأبرياء ورجال الأمن برصاص تلك العناصر الانفصالية التخريبية ..
وثالثة الأثافي حين يشجب المشترك ويندد ويستنكر العمليات الأمنية الاستباقية التي تنفذها أجهزة الأمن ضد عناصر الإرهاب من تنظيم القاعدة،ويدعي انها خارج اطار القانون في حين انه يتحاشى إدانة العمليات الإرهابية التي نفذتها تلك العناصر وراح ضحيتها الأبرياء ناهيك عما ألحقته من أضرار باقتصاد وسمعة اليمن ..بل إن المشترك حتى الآن لم يحدد موقفاً واضحاً من الارهاب فمختلف وثائقه وما يدعيه من مشاريع للإصلاح السياسي لا تتضمن إدانة لإرهاب تنظيم القاعدة بل والمضحك المبكي ان تلك الأحزاب تعبر عن رفضها للتعاون الأمني بين اليمن ودول المنطقة والعالم وعلى رأسها الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب ،في حين يتوالى ذهاب وتوافد قياداتها على مبأني السفارات الأجنبية وفي مقدمتها سفارة واشنطن لا لشيء الا للشكوى والتحريض الذي وصل حد مطالبة المانحين بقطع الدعم عن اليمن .
وليس من المبالغة أن المواطن قبل السياسي والمثقف بات على قناعة بأن المشترك لا يدري ماذا يريد فهو يدعو للحوار وكلما فتحت أبوابه أغلقها ،وهو يدعو لتطبيق النظام والقانون ،وكلما شرعت الدولة في تطبيقها حولها المشترك إلى موضوع للمكايدة السياسية ،وهويدعّي رفضه للعنف والتطرف والتزامه بالنضال السلمي ،لكنه يشرعن اعمال القتل والارهاب والنهب والسطو والتخريب بل ويعتبرها نوعاً من الحرية ،وهو يطالب بحفظ امن المواطن وحماية حريته وممتلكاته لكنه لا يدين قتله ونهبه من قبل عناصر التخريب ودعاة الانفصال...وهكذا هلم جراً ...
والخلاصة إن كل خطايا المشترك قد تغتفر إلا أنه لا يمكن لأحد أن يغفر له تحوله إلى مطية وأداة لترسيخ هيمنة سلطة ونفوذ القبيلة حتى وإن اختلفت مسمياتها ..ولا يمكن لأحد ان يغفر لدعاة التقدم والحرية حين يتحولون إلى مجرد ممثلين لسلطة الشيخ ،وناطقين باسمها ...والتاريخ هو الكفيل بأن يسجل للأجيال اللاحقة هذه البقعة السوداء من تاريخ الديمقراطية الناصع في اليمن،وبلا شك سيكون أبطالها هم قادة المشترك وسلاطينهم ومشائخهم .
|