د/ رؤوفة حسن -
أيام من المتعة الخالصة والسعادة، للجمهور اليمني العاشق للرياضة والراغب في استراحات السلام والأمان. مضى عهد طويل والناس في هذه البلاد يحدقون في شاشات التلفزيون لمتابعة أحداث العالم، ومباريات الفرق الصديقة والفرق المتميزة، مع إحساس بقليل من الغيرة من المقاعد المليئة لجمهور لديه الفرصة والامكانية أن يحضر ويرى بأم عينيه الأحداث، ويختار ما يتابع ومن يتابع طبقا لمشاعره وأهوائه.
وفي الماضي، كان المهرجان الخليجي يمر وعدد قليل من جمهور اليمن يتابع، فالشعور بالإقصاء قائم، والإحساس انه ناد مغلق على اصحابه مسيطر، والاهتمام لجماهير اللعبة الجميلة محصور على هواة يتابعون لنسيان ملل لحظاتهم، ولتداعبهم أحلام اليقظة.
هذه المرة، يملأون المقاعد، ويحضرون رجالا ونساء، ويتابعون في كل بيت، من كل الأعمار للحدث اليومي الجميل الذي يشاركون في صنعه ويثبتون أنفسهم بنجاحه، ويتمكنون مباشرة وبسهولة أن يحضروا وقائعه. متعة ليس لها حد، وانفعالات فرح وغضب وتوجس وتوقعات وإثارة وحماس، خالصة للعبة، كما تكون أرقى المشاعر الرياضية شهرة.
وفي الأيام التى مضت قامت التوقعات على لعب الفرق المخطط والجماعي، وتكامل الادوار من اللاعب والمدرب والإدارة وشحنة الحماس وإرادة الفوز. قليل من التباين في القراءات فالجمهور لا يخطئ في رصد جوانب القوة والضعف ونجوم المجد وصناع التاريخ.
المتابعة الرياضية الخالصة الحرة لأيدي وحناجر تركت لمشاعرها العنان فانطلقت فرحة مبتهجة باللعبة والحركة الحلوة والهدف النظيف. كان المعلقون الرياضيون من قناة ابو ظبي الرياضية يعيدون ويؤكدون ان خليجي عشرين هو انجح من كل ماسبق لأنه تميز بالجماهير المشجعة وهو مالم تعتد عليه دول الخليج في الدورات السابقة. وقالوا ان الجمهور ايمني تميز ايضا بالحضور النسائي القوي الذي لا تخطئه عين.
والآن يختتم اللقاء، فتشعر الجماهير الغفيرة المحبة المتحمسة بالحزن، لأن لكل حدث نهاية، ولكل قصة تفاصيلها الخاصة، وتشعر جماهير الكويت والسعودية بالتوجس والانتظار كي ينطلقوا بالفرح المكتوم في الصدور للاحتفال بنصر مأمول.
ومثل عنايتنا بتفاصيل الاستقبال صار علينا العمل الدقيق والمثابر من اجل ان يكون الختام مسكا وأن يتم كل شيء إن شاء الله بكل خير، وبنفس الروح التي قالت عنها الوفود الضيفة أن لجنة النظام كانت فائقة التميز.
عطر الذكريات:
يقفلون الدفاتر ويعيدون حزم الأمتعة التي هجعت قليلا، ويزورون مودعين الأصدقاء الجدد الذين أحبوهم، أو الأصدقاء الذين جددوا معهم ذكريات الماضي، ويتضمخون بعطر المكان واللحظات التي وقعوا فيها أسماءهم لجمهور عشقهم فعشقوه، ولمسهم بمحبة عن قرب، فأحبوه.
خليجي عشرين في اليمن في العام العشريني للدولة الفتية، حمل لآهل اليمن بهجة خالصة افتقدوها، وترك في قلوبهم وقلوب ضيوفهم رائحة بخور عدني، وفُل لحجي وتهامي، وانبثاقات ذكريات كالمحيط حولهم يزبد بالموج ويتكسر بالشجى في أمواج حدقت منذ الأزل في الوجوه المحيطة على الشطآن والمرافئ .
اكليل النصر اعتلى الفريق الذي استحق الفوز واستعد حتى العظم له والأيدي والقلوب والابصار تابعته خطوة منذ البداية.
دفاتر الحسابات المنتظرة
نقول مجاملة أن فريق اليمن كان قد مهد الطريق للترحيب بالضيوف بخسارته وخروجه الأول، بعد ان كانت اليمن قاطبة قد وضعت فيه أملها بأحلام الفوز، والمجد.
لكن الفريق كان صادقا عكس الواقع كما هو وليس الحلم، ودخل بجدية للمرة الأولى منذ عشرين عاما، في مضمار قائمة حساب أهل البصر والبصيرة، وجمهور الرياضة اليمني الذي أهمله من زمان وفقد الحماس به والاستغراب لنتائجه، واعتاد على تقبل من يبث رسائل الإحباط وجلد الذات حتى أيقنوا بالنقص دون معالجة وبالعيب دون تصحيح، واعتادوا مع فريقهم كما مع انفسهم على الهزائم المتكررة وقصص الفساد الشهيرة.
هذه المرة الوضع تغير، فبعد وداع الضيوف سيكون الفريق موقع المراجعة الصادقة والنقد البناء لكل دوائره، لاعبين وأماكن وإدارة ومدربين وخبرات وإمكانيات متاحة. القصة اكبر من مجرد لاعبين في الميدان بل التفاصيل التي يكمن الشيطان فيها، السابقة واللاحقة لوصول هذا اللاعب إلى الميدان لاغيره.. وغير ذلك من العمليات المرتبطة بهذا الواقع.
الآن، اليمنيون بشكل عملي يستكملون الملف، ويعانقون الضيوف الراحلين حاملين عطر ذكريات وبخورا وابتهاجا بمكاننا الجميل الذي كانوا قد نسوه. ونحن الذين تابعنا رجالا ونساء وأطفالا، من كل الشرائح والطبقات وليس فقط مشجعو الرياضة السابقون، الآن نحن نفكرمع فريقنا في الآتي.
[email protected]