فيصل الصوفي -
فضلت جماعة »الاخوان المسلمون« في مصر مقاطعة الجولة الثانية للانتخابات التشريعية بسبب عدم فوز أيٍّ من مرشحيها في الجولة الأولى التي أجريت الاسبوع الماضي.. تقدمت الجماعة بأكثر من مائة وثلاثين مرشحاً يرفعون شعارها »الإسلام هو الحل« لم يفز واحد منهم بينما كانت تحتل (88) مقعداً في المجلس السابق، وقد كانت تلك مفاجأة بالنسبة لكثير من المراقبين الذين أغفلوا من حسابهم مقدمات تلك الهزيمة.
لقد ادّعت الجماعة وبعض أحزاب المعارضة في مصر أن الانتخابات لم تكن نزيهة وأن الحزب الوطني الحاكم استخدم نفوذه للقيام بالتزوير، ورغم أن هذا الادعاء قد يكون صحيحاً الى حد معين، إلا أنه الادعاء المعتاد الذي نسمعه من الخاسرين في الانتخابات العربية دائماً بما في ذلك الانتخابات التي تنظم في ظل أجواء حرة وشفافة.
تراجُع الجماعة الأم سبقه تراجُع في فروعها في بلدان عربية، ففي انتخابات البحرين التي أجريت في اكتوبر الماضي لم يحصل الاخوان المسلمون الذين تمثلهم »جمعية المنبر الوطني الاسلامي« إلا على ثلاثة مقاعد في المجلس التشريعي بينما كان لهم في المجلس السابق (8) مقاعد، كذلك الحركة الدستورية في الكويت تعرضت لنفس النكسة، وقبل هذه تراجع اخوان الاردن الى (6) مقاعد، بينما كانوا يشغلون (17) مقعداً نيابياً.. وباستثناء مصر فإن تراجع الاخوان لم يكن إلا لصالح جماعات أكثر تخلفاً وتصلباً.. سلفية وقبلية عادةً.. وقد كان تراجع الاخوان في مصر نتاج التغيير الذي حدث في قيادتهم بما في ذلك المرشد العام وميل الجماعة في الفترة الاخيرة الى العنف والاصرار على تحدي القوانين، وهذا السلوك هو نتيجة لما حدث في القيادة المعروفة بتشددها وعودتها الى »القطبية« بعد أن كانت قبل ذلك قد أحرزت خطوات متقدمة على طريق التحول نحو السياسة والمجتمع المدني.. يقال إن ظاهرة الارهاب التي شهدتها الدول التي تراجع فيها الاخوان هي عامل أساسي في ذلك التراجع، بوصف جماعة الاخوان الأب الشرعي للجماعات الدينية الارهابية، لكن مثل هذا التحليل الذي يتضمن قدراً من الصحة، يصطدم مع ما يلحظه المرء من تصاعد للسلفية في بعض تلك المجتمعات، في حين أن السلفية هي أب وأم الجماعات الإرهابية من الناحية الفكرية.
وفي اعتقادي أن تراجع اخوان مصر له علاقة بالتحولات الاخيرة التي طرأت على القيادة ومحاولة استعادة تراث فكري وسياسي كانت تحاول قبل ذلك التخفيف منه، وهذه التحولات عبرت عنه صنوف شتى من الممارسات التي تثير قلق السلطة والمجتمع في مصر.. مثل إحياء النزعات العسكرية و»النظام الخاص« والإصرار على استخدام الشعارات الدينية وتحدي الدستور والقانون وتأييد جماعات داخل مصر وخارجها تتصرف كخصم بالنسبة للمصريين.. وكل تلك الممارسات هي في الحقيقة تتعارض مع نظام المجتمع، وعندما تكون سلوكاً لحزب يفترض أنه سياسي ومدني، فمن الطبيعي أن يتعرض للمقاومة وبالتالي الخسران.