عبده بورجي - قبل فترة وجيزة طلب مني زملاء جدد في مهنة “التعب اللذيذ” أن أكتب لهم مقالاً افتتاحياً في مطبوعة كانوا ينوون إصدارها بمناسبة تخرجهم من كلية الإعلام جامعة عدن ووجدت أنه من المناسب توجيه رسالة تحية لهم أخاطبهم من خلالها من موقع الزميل القديم الجديد وهم يبدأون أولى خطوات رحلتهم نحو حياتهم العملية بعد أن احتضنتهم الجامعة على مدى 4 سنوات هي بحسابات الزمن الاستثنائي تساوي العمر كله لشباب ظلت تعتمل في أعماقهم أحلام وتطلعات كبيرة نحو مستقبل يدلفون إلى دروبه بأولى خطواتهم وقد حمل كل منهم شهادة البكالوريوس في الإعلام وآمالاً عريضة لا حدود لها في تحقيق الذات في واقع الحياة وساحة العمل الإعلامي الذي اختاره كل واحد منهم مهنة له .. وهو الموقف ذاته الذي وقفته مثلهم ذات يوم بعيد قبل 27 عام تقريباً وخالجتني المشاعر ذاتها والأحاسيس والآمال التي اعتملت في نفوسهم.
ومما قلته لهم في رسالتي إليهم “ لا أدري هل من المناسب من زميل لكم علمته الحياة الكثير من تجاربها واستلهم من ممارسة المهنة الإعلامية التي اخترتموها لأنفسكم مستقبلاً الكثير من الدروس أن يسدي لكم النصح بعد التهنئة لكم طبعاً على ما ظفرتم به من نجاح مستحق في تحصيلكم العلمي في قاعات الدراسة وبين ثنايا الكتب وملازم المحاضرات .. ربما الواجب يفرض علي أن أقول لكم شيئاً في هذه المناسبة الاستثنائية التي ستظل محفورة في وجدانكم ستذكرونها بمزيد من السعادة والإعجاب والدهشة ولن أتقمص معكم ثوب الناصح المجرب بل سأحدثكم بما ينبغي أن تدركوه وقد اخترتم هذه المهنة التي عليكم الاعتزاز بالانتماء إليها مهما أساء لها بعض الدخلاء والمتطفلين عليها فتلك حالة طارئة ستزول حتماً مع تنامي الوعي بتلك الرسالة النبيلة التي نؤديها وبقدرتها على التأثير والتغيير وصنع التحولات الإيجابية في المجتمع .. لاتفرطوا أبداً بهذه القناعة وذلك الإيمان الذي ينبغي أن يترسخ عميقاً في عقل ووجدان كل واحد منكم بأنكم أصحاب رسالة وطنية وإنسانية سامية تسدون من خلالها الجميل لوطن عظيم أسمه “اليمن” .. عليكم ان تشعروا دوماً بالاعتزاز والفخر في الانتماء إليه وهو يستحق حبكم ووفاءكم له على الدوام.. لا تصغوا أبداً لأي صوت ناعق بالخراب أو مملوء بالأحقاد والضغائن ليسلبكم روحكم المتوقدة بالأمل أو يزرع في نفوسكم الشابة النقية مشاعر الإحباط واليأس .. فالحياة الجميلة هي تلك التي تزرعونها في أعماقكم وتجسدونها في واقعكم وترسمونها على شفاه ووجوه كل أبناء وطنكم وفي كل رقعة من أرض اليمن الغالي الذي هو وطنكم العظيم بتاريخه المشرق وحضارته العريقة وأمجاده الغابرة الزاهية وجغرافيته الفريدة وعطاءات إنسانه المجد المكافح .. انه اليمن بثورته ووحدته المباركة وبدوره ومكانته ومواقفه المنتصرة لأمته وقضاياها العادلة، وعليكم وقد سميتم دفعتكم الرائعة بمسمى “اليمن اولاً” أن تجعلوا اليمن أولاً في نهجكم وسلوككم وقناعاتكم وفي ممارستكم لمهنتكم الإعلامية خدمة للحقيقة وللوطن وأهله ولكل فعل إنساني نبيل أينما كان.
محطة أخيرة
قرأت مؤخراً معزوفة وطنية رائعة أعجبتني كثيراً تتغنى باليمن وتعلي من شأنه في النفوس والقلوب ووجدت أنه ربما من المفيد أن يشاركني القارئ الكريم التأمل في معانيها ومفرداتها البليغة.
«أنا يمني .. واليمن ملاذي وظلالي .. شمسي وقمري، هو غايتي على الأرض ولا هدف لي في الأرض سواه .. من أجله بدمي أضحي .. وإليه تهفو روحي ومهجتي».
أنا يمني .. وأول الوطنية والانتماء لليمن الأرض والإنسان والتأريخ والحضارة هو تجربة وأوسطها تنزه وآخرها عفاف .. وطني هو المرآة التي أراني عبرها كبيراً وهو المعيار والأول والمبتدأ والمنتهى وهو الدليل والمرشد والبوصلة.
أنا يمني .. وخلافي مع غيري خلاف من أجل اليمن لا خلاف عليه ولنختلف ما شاء لنا الهوى حتى إذا وصل الخلاف إلى حدود الوطن فعلينا أن نتوقف تحت سقف “اليمن أولاً” لأن نجاحه نجاح لنا وإذا فشل فشلنا معه، وطني هو قلبي وقالبي وهو الفكرة الأصل والفلسفة الأدق وأنا مجرد وجهة نظر.
أنا يمني .. وما يحتاجه وطني اليمن مني هو أن أجعله نموذجاً وصورة مشرقة مشعة في كل الأرجاء وحديقة غناء أستأنس بكل ما فيها .. فيها الورد وفيها الشوك وفيها ما يعلو كالشجر وفيها ما يبقى قريباً من الأرض كالحشائش وكله ضروري وكله مفيد .. وكله كالضد يظهر حسنه الضد.
أنا يمني .. واليمن ليس مجرد حزب أو فكر أنتمي إليه أو أي شي من مغريات هذه الحياة الفانية .. فكل شي زائل فيما هو باق حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
أنا يمني وأفتخر بذلك وأعتز .. فوطني اليمن هو ضميري وراحتي وخوفي وعشقي .. إنه كينونتي ووجودي ومستقبل أولادي وأحفادي .. خلقني الله له قبل أن يخلقه لي .. ما يتركه وطني باق وما يأخذه زائل .. ما يأخذه رخيص وما يتركه غنى .. ومن الوفاء له جعله “أولا” ووضعه فوق كل حسابات أو اعتبار !..
عن/ مجلة (محطات) |