افتتاحية صحيفة الثورة -
يعاب كثيراً على بعض القوى السياسية والحزبية في المعارضة أنها كرست كل جهودها في البحث عن المبررات والحجج الواهية، التي تسعى من خلالها للتغطية على المسلك المكابر والخاطئ الذي تتبعه في تعاملها مع الشأن العام واستحقاقات العملية الديمقراطية، والمسؤوليات المرتبطة بهذه الاستحقاقات، إلى درجة صارت فيها قيادات هذه القوى الحزبية ترتدي كل يوم لباساً فتُنَصِّبُ نفسها حيناً وصية على المؤسسات الدستورية، وحيناً آخر متحدثة باسم الشعب، وثالثاً متدثرة برداء الناصح فيما هي أحوج ما تكون إلى من ينصحها ويدلها على حقيقة أنها ليست وصية على هذا الشعب، وأنها ليست مفوضة للحديث باسمه، وأن من يحق له الحديث باسم الشعب هم ممثلوه في البرلمان والمجالس المحلية، الذين انتخبهم ومنحهم الثقة في صناديق الاقتراع، كما أن هذا الشعب ليس قاصراً حتى يظهر عليه مثل هؤلاء للحديث باسمه من دون مشروعية أو حق. وكان الأحرى بهم نصح أنفسهم وتقييم مواقفهم والاستماع إلى قواعدهم التي يفرضون أنفسهم عليها، ويطوقونها بشموليتهم وثقافتهم الديكتاتورية، لتصبح تلك القواعد لا رأي لها ولا موقف داخل أحزابها.
وبفعل هذه الديماغوجية، نجد مثل هذه القيادات الحزبية التي أفرغت أحزابها من أي محتوى ديمقراطي، تحاول تطبيق هذا النمط من الهيمنة على الوطن والشعب، دون إدراك أن هذا المنطق يتصادم مع قيم العصر ونهج الديمقراطية، وأن هذا الشعب قد شب عن الطوق وصار مالك السلطة، ولديه من الوعي والفهم والاستيعاب ما يجعله يميز بين الغث والسمين، وبين من يحترم إرادته ومن يسعى إلى مصادرة هذه الإرادة.
ولعل أبرز شواهد هذه الديماغوجية في ما نراه من تناقضات في مواقف هذه القوى الحزبية، التي صارت تتعامل مع الاستحقاقات الديمقراطية والدستورية، التي تمثل حقاً من حقوق الشعب، باستهتار غريب لا ينم عن أي رشد سياسي أو نضج فكري أو رؤية سديدة وصائبة، إذ كيف لمن يقف في المكان الخطأ ويعمل جاهداً على عرقلة هذه الاستحقاقات الدستورية أن يسبغ على نفسه قدسية الناصح، أو يحيط نفسه بهالة الحرص على حقوق هذا الشعب، وهو من لايدخر وسيلة في استخدام هذه الحقوق ورقة للمساومة من أجل الحصول على بعض المكاسب والمنافع الذاتية على حساب مصلحة الشعب ومصلحة الوطن العليا؟.
بل وكيف لمن يكرس كل طاقاته لعرقلة الخطوات الهادفة إلى إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها كاستحقاق شعبي ووطني ودستوري وقانوني، أن يقنع أحداً بأنه حريص على الشعب أو أنه جاد في ما يطرحه عن الحوار، وهو الذي لم يتورع عن زرع الأشواك في طريق هذا الحوار وإعاقة مساراته، على الرغم من كل المبادرات والتنازلات التي قدمها الطرف الآخر، بغية إنجاح هذا الحوار، الذي تحول في نظر تلك القوى السياسية إلى أداة للابتزاز والتكسب والتمصلح، لتؤكد بهذا المسلك أن ما ترمي إليه ليس حواراً جاداً وناضجاً يسهم في تطوير النظام الانتخابي والعمل الديمقراطي، ومعالجة القضايا الوطنية، وإنما حوار يفضي إلى اتفاقات وتسويات تلغي إرادة الشعب في صناديق الاقتراع، وتقود إلى الارتداد عن الديمقراطية في مغامرة خطيرة ستكون وبالاً على هذا الوطن وشعبه.
وحين تنكشف مثل هذه النوايا، فلابد من التوقف عند هذا الانكشاف، كونه يعيد إلى الأذهان ذلك الدور الذي لعبته بعض القوى السياسية، في إطار مسلسل التحريض على الأعمال الغوغائية والتخريب وقطع الطرق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، والخروج على الدستور والنظام والقانون.
إننا لا نتجنى حين نقول أن هذه القوى مع الأسف الشديد، قد راهنت على إسقاط خيار الديمقراطية، وإشاعة الفوضى فتلك هي الحقيقة لأنها ظنت أنه إذا ما انتشرت الفوضى فإنها ستكون البديل وأن ذلك سيمكنها من اعتلاء كراسي السلطة.
وقد انكشفت مرامي هؤلاء، واتضحت حقيقتهم أمام الشعب الذي لا شك وأنه لن يسمح لهؤلاء وأمثالهم بالانقلاب على خياراته الديمقراطية والوطنية ودفع البلاد إلى مهاوي الفراغ الدستوري.
وهيهات هيهات أن يتحقق لهؤلاء ما يريدون، حيث وأن زمن الانقلابات قد ولى ولم يعد ثمة طريق للوصول إلى السلطة سوى التسليم بإرادة الشعب في صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة وشفافة، يمارس فيها أبناء الشعب اليمني حقوقهم السياسية والديمقراطية بكل حرية ودون إملاء أو وصاية.
وليفهم كل من لا يريد أن يفهم أن الانتخابات قادمة وستجرى في موعدها، ومن أراد المشاركة فليشارك ومن أراد أن يقاطع فلن يقاطع إلاّ نفسه.