- لم تلتق تصريحات قيادات أحزاب اللقاء المشترك على شيء مثلما التقت للأسف على موقفها العدائي من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والتي تمثل استحقاقاً دستورياً وشعبياً وديمقراطياً غير قابل للتسويف أو المساومة أو أي شكل من أشكال الابتزاز أو المماطلة أو التأجيل، أو أي نوع من أنواع المغامرة أو المقامرة السياسية.
والمؤسف حقاً أن تأتي ردود فعل هذه القيادات الحزبية متسرعة وشديدة الانفعال، على إدراج مجلس النواب مشروع تعديل قانون الانتخابات ضمن جدول أعماله للفترة الحالية، وبتلك الصورة غير المبررة والمتشنجة خاصة وأن المشروع الآنف الذكر سبق وأن نوقش وأقر مادةً مادة بمشاركة الكتل البرلمانية لأحزاب اللقاء المشترك، ناهيك عن أن معظم مواد هذا المشروع اقترحت من قبل هذه الأحزاب، وتم فيها استيعاب ملاحظات وتوصيات بعثة الاتحاد الأوروبي التي شاركت في الرقابة على الانتخابات الرئاسية والمحلية 2006م. مما يدل على أن ما يبحث عنه المشترك ليس انتخابات حرة ونزيهة أو ضمانات قانونية أو إصلاحات تفضي إلى تطوير النظام الانتخابي والارتقاء بالعملية الديمقراطية وإنما الارتداد على الديمقراطية والتعددية والانقلاب على المؤسسات الدستورية، وإحداث فراغ دستوري في البلاد، يضعها على كف عفريت، وأمام خطر ماحق.
ومثل هذه النوايا صارت مكشوفة وواضحة بل أن قيادات المشترك لم تعد تخفي هذا الأمر، وقد تأكد ذلك في اعترافها مؤخراً بأن الانتخابات لا تمثل أولوية بالنسبة للمشترك بل أنها تأتي في آخر اهتماماته.
وفي مضمار مراجعة هذا الخطاب الحزبي الضيق نخلص إلى أنه خطاب لا يفهم منه إلاّ ذلك المعنى السلبي، الذي يجعل من الديمقراطية رديفاً للهدم والخراب، خاصة وأنهم لم يفصحوا عن أولوياتهم، فإذا كان إجراء الانتخابات في نظرهم أمراً جللاً وفاجعة، كما أشار أحد قيادات أحزاب اللقاء المشترك إلى ذلك مؤخراً، فماذا تعني الديمقراطية لهم، خاصة إذا ما علمنا أن الانتخابات هي جوهر الديمقراطية وأنه لا ديمقراطية بدون انتخابات؟.
ونجد أن الشيء الذي أغفلته هذه الأحزاب، أنها بذلك الطرح تتصادم كلياً مع تمسك أبناء الشعب اليمني بحقوقهم الدستورية والديمقراطية ومن ذلك إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها، كأولوية أساسية لن يسمح لأحد بالقفز عليها، مما يعني أن أولويات هذه الأحزاب تتنافر مع أولويات الشعب، وأن حساباتها غير حسابات المجتمع، وأجندتها تتعارض مع أجندة المواطنين وليس هناك صلة بين ما تطرحه هذه الأحزاب وبين ما يتطلع إليه أبناء الشعب اليمني، إلاّ إذا كانت أحزاب المشترك تبني توجهاتها وفقاً لأجندات خاصة ببعض قياداتها أو أجندة تلك الشرذمة من الخارجين على النظام والقانون، أو من يدعمونهم في الداخل والخارج، ويدفعون بهم إلى قطع الطرق والتخريب وإثارة الفتن، فذلك شيء آخر.
وحتى مثل هذا الرهان الخاسر فإن أحزاب المشترك تخطئ خطأ فادحاً وجسيماً إذا ما اعتقدت أنها بتحالفاتها المشبوهة مع هذه الشراذم من المأزومين والحاقدين والموتورين والفاشلين والخارجين على النظام والقانون، ستتمكن من الاستقواء على الديمقراطية والإرادة الحرة لأبناء الشعب اليمني، أو أنها ستفلح في القبض على الماء والهواء واصطناع معطيات افتراضية وفرضها على هذا الشعب، الذي يسعون إلى الانتقام منه، لابتعاده عنهم ومقاطعته لهم وعزوفه عن الاصطفاف إلى جانبهم، بعد أن اكتشف حقيقتهم ومراميهم، والعدمية التي تغلب عليهم والآيديولوجيا المتطرفة التي تحكم مواقف بعضهم، والاحتقان الذي يسيطر على بعض عقول قياداتهم.
وتتضاعف درجات الخطأ لدى هؤلاء إذا ما ظنوا أنهم بهذا المسلك الفج سيعملون على خلط الأوراق من خلال تحريض من يتحالفون معهم من الغوغائيين على إثارة الفوضى وإعاقة إجراء الاستحقاق الديمقراطي القادم كما لوحوا مؤخراً، لأنهم سيكونون في مواجهة مع هذا الشعب الذي لن يسامحهم أو يتركهم يتطاولون على تجربته الديمقراطية وحقوقه الدستورية.
وعلى هؤلاء أن يدركوا من الآن أنهم إذا كانوا قد دخلوا في حالة من الإضراب المفتوح عن التفكير القويم والحصيف، وسيطر عليهم التصحر العقلي والتبلد الذهني، فإن من مصلحتهم إعادة النظر في الطريقة التي يفكرون بها للخروج من شرنقتهم، وذلك بفهم أنهم لن يستطيعوا ولو تحالف معهم كل شياطين الأرض وأباليسها إعاقة إجراء الانتخابات النيابية القادمة أو رهنها لمشيئتهم، حيث وأن شعبنا قادر على حماية منجزاته واستحقاقاته وثوابته الوطنية، وسيرد عليهم في الوقت المناسب، إذا ما تجرأوا على التعالي عليه. وهناك من الشواهد التاريخية ما يجعلهم يتعظون بدروسها وعبرها. ولا قيمة لإنسان أو حزب في حساب التاريخ إن لم يميز بين الحقيقة والوهم وبين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ، وبين اليقين والزيف. ولا عبرة لمن لا يعتبر ويتعظ، ولا مسوغ لعقل لا يرشد صاحبه إلى سواء السبيل، واستيعاب حقائق الواقع، ومن ذلك احترام استحقاقات الشعب الديمقراطية والدستورية، التي امتلكها بإرادته وشق الصخر من أجل الوصول إليها، ولم تكن يوماً هبة من أحد.
وفي إطار الحق الديمقراطي الذي يكفله الدستور للجميع، فإن مِنْ حق مَنْ يريد أن يقاطع ولا يشارك في خوض الاستحقاق الديمقراطي، أن يفعل ذلك دون عناء أو ضجيج، فالديمقراطية تعني في مضمونها الحرية وممارستها بنعم ولا، وفي الإطار السلمي واحترام الدستور والقوانين النافذة، المظلة التي يستظل بها الجميع اليوم في وطن الـ22 من مايو العظيم.
-كلمة الثورة
|