فيصل جلول - يكاد موضوع "الانفصال" أن يتحول إلى سلاح سياسي يستخدمه أقوياء هذا العالم للتدخل في شؤون البلدان الضعيفة أو القابلة لتلقي ضغوط خارجية ملحة؟ منطق هؤلاء الأقوياء يقول: نحن صنعنا حدود الدول الحديثة ونحن نغيرها." وهو منطق لا يخلو من المنطق ذلك أن الدول الإفريقية اتخذت قرارا شهيرا في "منظمة الوحدة الإفريقية" التي صارت من بعد "الاتحاد الإفريقي" ينص هذا القرار على وجوب عدم المس بالحدود الموروثة من الاستعمار بين الدول الإفريقية حتى لا يتسبب بحروب وصراعات بين البلدان المرسومة معالمها على حدود اثنية وقبلية متضاربة.
وبما أن الاستعمار هو المرجع في رسم حدود الدول فالمرجع كان يطالب بعدم المس بتلك الحدود ويرى مصلحة له في ذلك وهو اليوم يرى مصلحته بالتعرض للحدود وتغييرها كما في حالة جنوب السودان حيث يبدو أن انفصاله أفضل للغرب من بقائه تحت السقف الوطني السوداني وإن نجح الغرب في هذه الخطوة فسيصبح من السهل أن يعاد النظر بالحدود بين الدول المستهدفة وفق ما يتناسب مع مصالح ونظرة زعماء هذا العالم الذين فرضوا استقلال "كوسوفو" وأصموا آذاننا بالحديث عن "إنصاف المسلمين" في الإقليم الألباني ليبرروا اليوم انفصال جنوب السودان وليغطوا هذا الانفصال بمباركة الدولة السودانية الشرعية التي كان عليها أن تختار بين انفصال الجنوب ودارفور معا أو انفصال احد الإقليمين أولا.. على أن ينظر في مصير الثاني لاحقا .
لا يضير الدول العظمى التي تدير شؤون هذا العالم أن يكون عدد الدول 300 أو 400 أو حتى ألف دولة في حين يضيرنا نحن العرب كثيرا أن ننتقل من حال القبول المؤقت بالتشطير بانتظار الاتحاد الطوعي أو السوق المشتركة الطوعية أو التعاون الوثيق الطوعي أن ننتقل من هذه الحال إلى حال تفتيت المفتت ومعه اضمحلالنا ونهايتنا المحتومة. وللإشارة فقط نلفت الانتباه الى آخر برقيات ويكليكيس التي تقول أن دبلوماسيا إيرانيا أسر لنظيره الأوروبي قائلا: "نحن نشعر بسعادة لا توصف عندما تأتينا برقيات من 22 بلد عربي" ولا نحتاج إلى ويكيليكس للاستنتاج بأن مصير إسرائيل رهن ببقاء أو اختفاء التشطير العربي ولا يخفي مبغضو العرب ارتياحهم لحالنا ولحال المسلمين معا فقد أكد السيد جان ماري لوبن ذات يوم لصحيفة إسرائيلية".. إنهم مليار مسلم فهل تتخيل لو أنهم موحدون. من حس الحظ أنهم منقسمون ويقاتلون بعضهم البعض "
إن وقف السيرورة الانفصالية القاتلة للعالم العربي تستدعي اقل القليل من الدول العربية الراهنة المعرضة كلها للانفصال والتفتت بأغنيائها وفقرائها وهو إصدار فتوة شرعية من مجالس الإفتاء تناهض التفتيت والانفصال. وإصدار قرار حاسم من الجامعة العربية بالتشهير بكل دولة عربية ترعى أو تناصر أو تدعو أو تمول أو تنشر عبر وسائل إعلامها دعوات انفصالية ضد دولة أخرى .
ربما علينا أن نبذل جهودا جبارة لإقناع المسؤولين العرب أن دعم المشروع الانفصالي في جنوب السودان ودعم المشروع الانفصالي الكردي في شمال العراق هو بمثابة إطلاق النار على النفس فعندما ينفصل الكردي ويتبعه الأرميني ويتبعه الوثني وتتبعه قبيلة ماء العينين ويتبعه الشركسي والبربري وغيره فمن الطبيعي أن يتواصل الانشطار ليمتد إلى عدنان وقحطان والى أفخاذ عدنان وأفخاذ قحطان والى الطوائف وفروعها والمذاهب وفروعها ومع هذا الانفصال الشبيه باللعبة الروسية يحل الاضمحلال والعدم .... ومن بعده صمت القبور.
لا ليست الوحدة شعارا إيديولوجيا يطلق للتغني وللحنين إلى عهد مضى بل شرط للبقاء وضمان للمستقبل فنحن إن واصلنا العمل ضد بعضنا البعض وان رفضنا التبادل التجاري وان واصلنا المواجهة والتحدي كل دولة ضد جارتها فهذا يعني أننا سنصل إلى خاتمة منطقية مفادها أن لا فضاء اقتصادي واحد يحمينا رغم فروقاتنا وتعددنا ويوفر العيش اللائق لأجيالنا المقبلة ومن التفتت الاقتصادي يزداد التفتت السياسي ومن التفتت السياسي يصبح الانفصال تحصيل حاصل كما وقع في جنوب السودان وكما سيقع في وقت قريب في شمال العراق.
وإذا كانت الوحدة شرط للبقاء العربي فإنها بلا شك شرط لبقاء العرب كل في دولته. هل يمكن لنا أن نتخيل مصير السودان إذا ما انفصل جنوبه ؟ وهل لنا أن نتخيل مصير العراق إذا ما انفصل شماله؟ وهل لنا أن نتخيل مصير عدد من الدول العربية عندما تلجأ معارضاتها للغرب وتطالب بانفصال على أساس جهوي أو قبلي أو مذهبي ّأو حقوق إنسان أومطالب اقتصادية؟
ثمة من يعترض على هذا الكلام بالحديث عن الاستبداد والقمع والنهب والمواطنة غير المتساوية والاستئثار بالوظائف والوزارات والتمييز بين أبناء البلد الواحد من طرف السلطات الحاكمة هنا وهناك وهنالك؟ وهذا الكلام يصح بهذا القدر أو ذاك في هذا البلد أو ذاك والحل لا يكون بالانفصال لان الاستئثار ببقعة ارض وفصلها عن الوطن ليس جوابا على المشكلات المذكورة بل جواب على رغبة فئة بالحصول على دولة ضد فئة أخرى ونكاية بها ليبدأ من بعد ظهور المشاكل نفسها في الدولة الانفصالية. وإذ نقول أن المشاكل المطروحة أعلاه من طبيعة اقتصادية أو حقوقية فهذا يعني أن حلها يتم بوسائل اقتصادية وحقوقية وليس انفصالية وفي الخلاصة نقول الانفصال ليس حلا .. انه وسيلة وسائل الانتحار الوطني والقومي لذا يجدر بنا ألا نصغي للانتحاريين بل أن ندعوهم للانتحار في مناطق أخرى.. نعم نحن نحتاج في هذه المرحلة لشعار.... الوحدة أو الموت. وكل عام وانتم بالف خير.
|