موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


مجيديع يعزي الدكتور قاسم الداودي بوفاة والدته - حصيلة شهداء غزة ترتفع إلى 47518 - العثور على مقابر جماعية في مخيم جباليا - المبادرات التنموية البديل الذي كشف عورة الدولة - صنعاء تحذّر من سياسة العقاب الجماعي - إعلام العدو: 42 مليار دولار تكلفة الحرب على غزة - صنعاء: افتتاح معرض "من أرض البن إلى أرض الزيتون" - كسرت هيمنة الشركات الامريكية .. "ديبسيك" الصينية تهز الاسواق - مشافي غزة تستقبل 48 شهيدًا في 48 ساعة - الخارجية تُدين محاولات امريكا تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة -
مقالات
الجمعة, 09-فبراير-2007
هشام‮ ‬علي‮ ‬بن‮ ‬علي -
إن إثارة موضوع الآثار اليمنية يفتح أمامنا زوايا متعددة للنظر، تختلف وتتعدد باختلاف القضايا التي تحملها هذه النقوش والتماثيل والنصب وبقايا الأواني والعملات والأسلحة وغيرها من الآثار التي تمتلئ بها المتاحف، أو تلك الكنوز العظيمة التي مازالت مختفية تحت الأرض‮ ‬في‮ ‬مناطق‮ ‬عدة‮ ‬من‮ ‬اليمن‮.‬
هذه الزوايا تتنوع وتتعدد بتعدد اتجاهات النظر، فالمسألة الآثارية لاتتعلق بعمليات البحث والتنقيب وحسب، وهي لاتنتمي للتاريخ القديم ولاتكشف أسراره فقط، إنها مسألة في صلب الحاضر وفي صميم اهتماماتنا الراهنة، وهي جزء من التحديات التي تواجهنا.
مسألة الآثار تتعلق بالسياسة والهوية الوطنية، كما أنها تفتح أمامنا اتجاهاً للتفكير في الهوية السردية، بالمعنى الذي يجعلنا نقصّ هذه الهوية خلال مراحل تاريخنا، منذ أزمان قديمة.. الآثار تتعلق أيضاً بالتجارة والتهريب، بقضايا العولمة الراهنة مثل القرصنة والاستنساخ، وما يتم قرصنته واستنساخه في هذه الحالة ليس برنامجاً الكترونياً أو شريطاً مدمجاً، بل قطعاً أثرية تحمل في نقوشها وخطوطها شفرة تاريخنا ومعالم هندستنا الوراثية التي خطها الإنسان ليعلن وجوده على هذه الأرض ويؤكد انتماءه لها.. لقد حفر حروفه على الصخور، وكتب توقيعه على تماثيل الرخام التي قدمها للآلهة، قام بخربشات وخطوط داخل الكهوف ليسجل عملية صيد أو قنص، نقش على ألواح حجرية رسوماً لرجال يعزفون بآلات موسيقية ونساء يرقصن.. كتب عند بوابات المعابد وقائع وأحداثاً تؤرخ لوجوده.. كما نقش على مسلاَّت هائلة القوانين المنظمة‮ ‬للتجارة‮ ‬والحياة‮.‬
بعبارة أخرى كان الإنسان اليمني القديم، وهو يبني تلك الحضارات الكبرى، وينشئ السدود ويعمر المدن، يحرص على الكتابة ينقش ويسجل كل ما يحدث في ذلك الحين.. كان حريصاً على تسجيل اسمه في كتاب التاريخ، ليخلد آثاره وحضارته، ليس بمستغرب ان تكون معظم النقوش اليمنية تحمل اسم الكاتب، الشخص الذي قام بالنقش، كما تحمل اسم صاحب التمثال أو النصب الذي قدم التمثال قرباناً للآلهة، ربما ظل هذا الحرص على توقيع الأسماء محفوظاً في جيناتنا الوراثية، فنحن نخط أسماءنا على الجدران أو في أعمدة النور وكراسي المركبات وغيرها، مع فارق حضاري بطبيعة‮ ‬الحال،‮ ‬حيث‮ ‬كان‮ ‬أسلافنا‮ ‬يخلدون‮ ‬مآثرهم‮ ‬بحفر‮ ‬أسمائهم‮ ‬بينما‮ ‬نقوم‮ ‬نحن‮ ‬بتشويه‮ ‬محيطنا‮ ‬وتلويث‮ ‬الجدران‮ ‬والأعمدة‮ ‬بذكريات‮ ‬فلان‮ ‬وفلان،‮ ‬ودون‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬هناك‮ ‬أي‮ ‬ذكرى‮.‬
الآثار وما تمثله من ذاكرة تاريخية وهوية ثقافية تحتاج منا إلى وقفة تأمل عميقة وجادة، أو لنقل إننا نحتاج إلى وقفة أمامها تشبه قول الشاعر »وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه«.. والاستشهاد بهذا المقطع من البيت الشعري مقصود، فآثارنا ضائعة في الرمال وما أحوجنا إلى وقفة‮ ‬ذلك‮ ‬الشحيح‮ ‬الذي‮ ‬يرفض‮ ‬التسليم‮ ‬بالضياع،‮ ‬فنحن‮ ‬في‮ ‬الغالب‮ ‬نسلّم‮ ‬بضياع‮ ‬هذه‮ ‬الآثار،‮ ‬كأن‮ ‬الأمر‮ ‬لايهمنا‮.‬
وما يجري من أعمال بحث وتنقيب إنما يتم من قبل البعثات الآثارية الأجنبية ومراكز البحث الأركيولوجي والأنثوبولوجي في العواصم الغربية، ومن المؤسف القول انه لايوجد فريق آثاري يمني يقوم بعمليات التنقيب، إلاَّ في حالات نادرة ومحدودة، كذلك لايوجد أي فريق عربي يقوم ببعض‮ ‬ما‮ ‬يقوم‮ ‬به‮ ‬الغربيون،‮ ‬وهذا‮ ‬من‮ ‬علامات‮ ‬الوحدة‮ ‬الثقافية‮ ‬العربية‮ ‬التي‮ ‬نص‮ ‬عليها‮ ‬ميثاق‮ ‬عربي‮ ‬كُتب‮ ‬قبل‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬ستين‮ ‬عاماً‮.‬
وقد كانت اليمن وآثارها في الماضي القريب، محظوظة بعزلتها عن العالم، وعلى الرغم من تلك العزلة، لم تسلم آثار وكنوز ملكة سبأ من مغامرات الاكتشاف كتلك التي قام بها وندر فيليبس ومن سبقه ومن لحقه من الباحثين والمستشرقين، الذين اكتشفوا كثيراً من الآثار والنقوش، وحملوا معهم إلى بلدانهم عدداً من تلك الآثار.. ونحن نقول نهبوها، بينما يقولون هم إنهم احتفظوا بها وحفظوها من الضياع.. هذا ما قاله لي ذات مرة، باحث فرنسي ونحن نقف أمام المسلّة الفرعونية الشهيرة المنتصبة في قلب باريس..
أتذكر هذا القول، وأتذكر كذلك مسلَّة يمنية تم العثور عليها في إحدى المناطق الأثرية، وكان منقوشاً عليها القانون التجاري لدولة قتبان، كانت المسلَّة موضوعة في بوابة المدينة التاريخية الواقعة على طريق قوافل اللبان الشهير، كان القانون هو بوابة الدخول إلى المدينة، هكذا تأسست حضارة اليمن في ذلك الزمان، وسط صحراء صهيد والرملتين والربع الخالي، هذه البيئة الطاردة حسب قولنا اليوم، لكنها لم تكن كذلك في ذلك الحين، لأن هذه الصحراء كانت تحكمها قوانين الدولة اليمنية القديمة التي تحمي طرق القوافل والتجارة من أعمال النهب والاختطاف‮ ‬والقتل،‮ ‬كم‮ ‬نبدو‮ ‬غرباء‮ ‬عن‮ ‬ماضينا‮!.‬
أعود لهذه المسلّة التي طمرتها رمال الصحراء لمئات السنين، وحين عثرنا عليها بواسطة إحدى البعثات الأثرية، كان الرأي ان نرفعها ونعيد نصبها أمام الآثار الباقية لتلك المدينة القديمة ولكن لم يمضِ عام حتى كانت النقوش الأثرية لقانون دولة قتبان قد تناثرت بسبب رصاص القناصة‮ ‬الذين‮ ‬كانوا‮ ‬يتبارون‮ ‬أيهم‮ ‬أقدر‮ ‬على‮ ‬الإطاحة‮ ‬بتلك‮ ‬الحروف‮ ‬التي‮ ‬تؤسس‮ ‬القانون‮ ‬وتشرّع‮ ‬له‮.‬
هذه الحكاية تبيّن مقدار الفجوة بين الماضي والحاضر، بين الأسلاف والأحفاد، فنحن نعبث بذلك الميراث العظيم، قاصدين أو بدون قصد، وفي الحالتين المصيبة عظيمة، وما نشهده اليوم من أعمال تهريب للآثار اليمنية وما يصحبها من تدمير وإتلاف للمواقع الأثرية والتاريخية بلغ درجة‮ ‬من‮ ‬العبث‮ ‬واللامبالاة،‮ ‬حين‮ ‬تستخدم‮ ‬المواد‮ ‬المتفجرة‮ ‬في‮ ‬عمليات‮ ‬البحث‮ ‬العشوائىة،‮ ‬التي‮ ‬تدمر‮ ‬ما‮ ‬بقي‮ ‬تحت‮ ‬الأرض‮ ‬من‮ ‬تلك‮ ‬الآثار‮.‬
وكثيراً ما تبرز الدعوات للحماية وحراسة المواقع الأثرية وإصدار القوانين المجرّمة لمثل هذه الأفعال، أو لتشديد الرقابة على المنافذ الجمركية إلى آخر الإجراءات المشابهة، وهي إجراءات مفيدة بدون شك، ولعلّنا لانقدر عليها بصورة تامة، فما يتم تهريبه من آثارنا ربما يكون‮ ‬أكثر‮ ‬مما‮ ‬يضبط‮ ‬ويحفظ،‮ ‬وتلك‮ ‬هي‮ ‬المشكلة‮..‬
فالمواقع الأثرية واسعة الامتداد، وربما نجد تحت كل صخرة أثراً، أو في بطن كل وادٍ بقايا مدينة مندثرة.. وهذه هي مشكلات المجتمعات التاريخية القديمة، حيث لانستطيع تحصين كل موقع أو بناء سور حول البلاد كلها.
إلاَّ أن الخيار الأمثل هو تحصين العقول وتنويرها بالقيمة التاريخية لهذه الآثار التي خلّفها الأجداد، والتي تمثل هويتنا الثقافية وتملأ الفراغات في كتاب تاريخنا الحضاري، بما تحتويه من نقوش وعلامات، لايمكن أن تتحول علاقتنا بآثارنا إلى لعبة عسكر وحرامية، كما لايجوز‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬ورثة‮ ‬تلك‮ ‬الحضارات‮ ‬العظيمة‮ ‬لصوصاً‮ ‬ومهربين‮ ‬أو‮ ‬مخربين‮ ‬ومدمرين‮ ‬لتلك‮ ‬الآثار،‮ ‬هذه‮ ‬الفكرة‮ ‬هي‮ ‬محور‮ ‬أو‮ ‬موضوع‮ ‬الفيلم‮ ‬المصري‮ ‬الشهير‮ »‬المومياء‮« ‬للمخرج‮ ‬الراحل‮ ‬شادي‮ ‬عبدالسلام‮.‬
فيلم »المومياء« الذي ظهر في عام 1969م، قام بعملية حفريات في التراث الفرعوني، وكشف عمليات التهريب والنهب التي تتعرض لها الآثار المصرية، عبقرية شادي عبدالسلام، رحمه الله، تكمن في توجيهه الخطاب إلى أولئك المصريين الذين يقومون بسرقة الآثار ويسهلون عمليات تهريبها‮ ‬إلى‮ ‬الخارج‮.. ‬لقد‮ ‬تحولت‮ ‬التوابيت‮ ‬الفرعونية‮ ‬في‮ ‬فيلم‮ ‬المومياء‮ ‬إلى‮ ‬عيون‮ ‬حية‮ ‬تشاهد‮ ‬الصفقات‮ ‬التجارية‮ ‬وعمليات‮ ‬التهريب‮ ‬المشينة‮ ‬التي‮ ‬يقوم‮ ‬بها‮ ‬شيوخ‮ ‬القبائل‮ ‬والأفندية‮..‬
كنوز ذلك التراث العريق يسرقها ويغتصبها الشيوخ والقادة المحليون والمتنفذون في تلك المناطق التاريخية.. تقاليد قبلية مرتكزة على التجارة بالتحف الفنية وعلى نهب الذاكرة التاريخية لبلد بكامله، إن أسرار قادة تلك القبائل وقوانينهم مشوّهة ومهينة لأنها حاملة للخطيئة وللشعور بالذنب، هذا ما قاله شادي عبدالسلام في فيلم المومياء للمصريين الذين يتاجرون بتاريخهم وحضارتهم، رسالة يمكن تعميمها والإنصات إليها في بلادنا، حيث عمليات النهب والسرقة والاتجار بالآثار ناشطة وعنيفة، وما نبيعه اليوم بالمال، يصعب على الأجيال القادمة الواعية بقيمة آثارها وتراثها وحضارتها، أن تستعيده بأضعاف مضاعفة من الأموال التي تُدفع اليوم، يكفي الإشارة إلى قرار الأمم المتحدة الذي صدر قبل أكثر من عشرين عاماً، والذي نص على عودة الآثار التاريخية المسلوبة في مراحل الاستعمار إلى مواطنها الأصلية.. هذا القرار لم‮ ‬ينفذ‮ ‬حتى‮ ‬اليوم،‮ ‬ولن‮ ‬ينفذ‮ ‬في‮ ‬الغد‮!.‬
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
30 نوفمبر.. عنوان الكرامة والوحدة
بقلم/ صادق بن أمين أبو راس- رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
الجائفي والتعليم .. أشرف المعارك الوطنية (2-2)
د.عبدالوهاب الروحاني

حكايات وتحديات ذوو الاحتياجات الخاصة: شركاء في بناء المجتمع
د. منى المحاقري*

أنبوب مجهول لنهب خيرات الوطن
فتحي بن لزرق

بين أصوليتين..!
د.عبدالرحمن الصعفاني

خطة ترامب لتفريغ غزة: تهجير قسري أم حل للأزمة؟
عبدالله صالح الحاج

اليمن وحتمية عودة الوعي..
طه العامري

ملاحظات حول مقال الروحاني الموسوم (جار الله عمر) (2-2)
أحمد مسعد القردعي

سلامات صديق العمر.. يحيى دويد
د. طه حسين الهمداني

تَمَخَّض الجبل فولد نصف راتب مشوه!!
مطهر تقي

لأول مرة
عبدالرحمن بجاش

والدعوة عامة
علي أحمد مثنى

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2025 لـ(الميثاق نت)