د. علي مطهر العثربي -
< لم يشهد التاريخ السياسي لليمن أحداثاً تجمع فيها أصحاب الحماقات والأوهام والاحقاد ومشاريع التقسيم والتحقير وعباد المادة وأدوات القوى الاستعمارية وتجار الحروب، مثل الأحداث الراهنة في ساحتنا اليمنية.. فالمتأمل بجد وإخلاص سيجد أن كل أصحاب المشاريع الخاصة والمنافع الضيقة والطموحات غير المشروعة والأفكار العدوانية قد تجمعوا في شارع الشيطان واحتكموا له وجعلوه معبودهم ومقصودهم ومخلصهم من إجرامهم وإرهابهم وفسادهم، وقبلتهم التي لا يرضون عنها بديلاً، وتركوا كتاب الله خلف ظهورهم بعدما تعبدوا به سنين طويلة واكتشفوا أنهم اتخذوه وسيلة لا توصلهم إلى غايتهم الشيطانية، وأن إرادتهم المستمدة من الإرادة الشيطانية لا تتفق مع إرادة الشعب المستمدة من الإرادة الإلهية التي لا غالب لها. إن هذه الأحداث قد عملت بوضوح على «فلترة» المجتمع، فهب باتجاه الشر والعدوان والفساد والإجرام والإرهاب كل من كان في قلبه مرض وفي سجله فساد قاتل، وفي سلوكه انحراف فاضح، وفي فعله فجور قاطع، واظهرت الأحداث الصورة الواقعية لهؤلاء جميعاً التي صورها القرآن الكريم الذي رفضوه، قال تعالى: «وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد»، وبالمقابل خرج من خط الشيطان أو شارع الشيطان من كان ماكثاً فيهم على أمل أنهم سيغيرون ما بأنفسهم من فساد باتجاه العودة للصواب وإنكار المنكر، فما أن تبين لأولئك الذين كانوا كالماسك على الجمر أن تغيير هؤلاء باتجاه النجاة من النار قد بات مستحيلاً لأنهم قد حكوا الطاغوت وجعلوا هواهم معبودههم وأنهم يريدون تغيير المجتمع باتجاه ذلك الهوى الفاسد الذي يحكم الطاغوت ويرفض الانصياع لأمر الله. تلك إذاً صورة حقيقية للمشهد السياسي الراهن، وهي صورة لعمري ما خلت من قباحة المنظر والفعل المجرم، ولم تخلُ كذلك من عظمة الثبات للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الملتزمين حدود الله والمحكمين لشرعه والثابتين على الصراط المستقيم والقانعين بما قسم الله لهم في هذه الحياة الفانية، بل ان هذه الصورة الواقعية للمشهد السياسي باتت اليوم عبرة وعظة لمن يتقي الله في قوله وفعله ابتغاء مرضاة الخالق جل شأنه وعظم قدره وتعالت قوته في السموات والأرض. إن الحكيم المؤمن هو القادر اليوم على اتخاذ الموقف الذي يبتغي مرضاة ربه خالقه ورازقه، وهذا الأمر لم يعد عسيراً بعد أن تكشفت حقائق الإجرام والإرهاب والأطماع والأحقاد والأهواء الخارجة عن إرادة الله سبحانه وتعالى، بل لقد اصبح طريق الرشاد واضحاً ولا يحتاج إلى بذل عناء في التعرف عليه لأن التمسك بكتاب الله ورفض الطاغوت هو السبيل البين الذي ينبغي سلوكه لأن فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإن الالتزام بالإرادة الكلية للشعب، المستمدة من الإرادة الالهية واجب شرعي لا ينكره إلاّ جاهل أو ذاهب إلى شارع الشيطان. إن التمسك بالشرعية الدستورية تمسك بالإرادة الكلية للشعب المستمدة من الإرادة الإلهية، وأن الانحراف عنها خطوة في طريق الانقلاب على الشرعية الدستورية ومحاولة اصحاب الإرادة الشيطانية لاستعباد الأكثرية، وهو عدوان وصلف وإجرام وإرهاب لا يرضي الله ولا رسوله ولا الإنسانية، ولذلك كله فإن الواجب اليوم يحتم على الجميع الدفاع عن الشرعية الدستورية التي تمثل الإرادة الكلية المستمدة من الإرادة الإلهية.. وعلى الذين مازالوا تحت تأثير التغرير والتزوير في ساحة الشيطان أن يدركوا أنفسهم ويعودوا إلى صوابهم ليسهم الجميع في إعمار وبناء اليمن بما يحقق الرضا والقبول ويفوت الفرصة على اصحاب المشاريع العدوانية، وأن نجعل من اليمن عنواناً لكل الشرفاء..