د. علي مطهر العثربي -
لم يدرك أحد من عامة الناس أسباب الصراع السياسي الذي حدث بعد الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر، ولم يدرك حقيقة ذلك الصراع إلا الباحثون عن الحقيقة، فالاختلاف والاقتتال الذي حدث خلال المرحلة من 1962م وحتى 17 يوليو 1978م كان في حقيقة الأمر محاولات من القوى التقليدية التي لم تؤمن بما أحدثته الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر من التغيير الجذري والنقلة النوعية للمجتمع، والحرية التي استعادها المواطن والقدرة على المشاركة السياسية الفاعلة. فقد بقيت قوى تقليدية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وكانت هذه القوى تتصرف بذكاء خارق فعندما تجد أنها قد حققت مكاسب من خلال المشاركة السياسية ومنعت عامة الشعب منها فإنها ثورية، وعندما تجد أن الشعب يتطور في الممارسة الديمقراطية وتدرك أن ذلك التطور يُحجّم مصالحها فإنها تنقلب على ذلك المنهج وتسعى الى إدخال اليمن في دوامة الصراعات، وهذا ما حدث في عهد الرئيس السلال وقحطان الشعبي والقاضي الارياني والحمدي والغشمي وعبدالفتاح اسماعيل وسالم ربيع علي وعلي ناصر محمد وعلي سالم البيض. إن المتأمل لتلك الصراعات التي كانت تحدث في تلك الفترة سيجد أن الاختلاف كان على آلية المشاركة السياسية، فالبعض كان مسانداً للشعب صاحب المصلحة الحقيقية في المشاركة السياسية لأنه مالك السلطة ومصدرها، والبعض كان يتكئ على التحالف لتشكيل مراكز قوى تستحوذ على مفهوم المشاركة السياسية في أوساط تلك القوى فقط ويحرم الشعب من المشاركة السياسية الفاعلة، ولم يستطع أي قادة من القيادات الثورية التي حكمت اليمن بعد الثورة أن تقف الى جانب الشعب لممارسة حقه في الاختيار الا الرئيس علي عبدالله صالح الذي بدأ ذلك في 17 يوليو 1978م عندما أصر على فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية أمام الكل ويتم الاختيار عبر صناديق الاقتراع، وكانت هذه البداية هي بوابة انتصار الشعب على مراكز القوى لأنها أعادت للشعب حقه المسلوب. إن التصاق الرئيس علي عبدالله صالح بالشعب واعتماده على الإرادة الشعبية في ممارسة مهامه الدستورية باعتبار الإرادة الشعبية القوة التي مكنت الرئيس من تنفيذ برامجه الانتخابية قد سبب للقوى الظلامية انتكاسة غير عادية، لأنها لم تعد قادرة على معاداة الشعب بنفس الطرق التقليدية السابقة، وقد أدركت تلك القوى أن الديمقراطية خيار لا رجعة عنه، فحاولت ان تساير هذا الاتجاه من أجل أن تحافظ على مصالحها، ولكن رموزاً من قوى الظلام أدركت بأن الشعب قد تملك قرار نفسه وخشيت من السقوط المريع في أي انتخابات قادمة فسعت بكل القدرات الى إجهاض المشروع النهضوي الذي تبناه الرئيس علي عبدالله صالح ودخلت في تحالفات خطيرة بين قوى التنافر والتناحر التي تقاطعت مصالحهم جميعاً في كيفية القضاء على الديمقراطية والتعددية السياسية والعودة باليمن الى تحالفات مراكز قوى الظلام والجهل من أجل احكام السيطرة على الشعب وحرمانه من المشاركة السياسية الحقيقية. إن تقديرات رموز الظلام والجهل والاستعباد وإذلال الشعب كانت قائمة على الطرق القديمة المتمثلة في زرع الخوف والرعب وقطع الطرقات وانتهاك الاعراض وسفك الدماء من أجل اشعار الشعب بجبروت تلك القوى الظلامية ولم تستطع تلك الرموز الجاهلية أن تفهم أن الشعب قد بلغ درجة عالية من الفهم والإدراك، وقد فهم المعاني والمغازي لمشاريع الظلام والجهل والاستعباد، كما أنه قد امتلك قراره ولا يمكن التنازل عنه، وقد فاجأ الشعب تلك الرموز الواهمة من خلال ثباته على الشرعية الدستورية والإصرار عليها وأبلغ رسالته للعالم بأنه لا يقبل بأي حال من الاحوال بالانقلاب على الشرعية الدستورية، وأنه يؤمن إيماناً مطلقاً بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، ولذلك نأمل أن يكون العقلاء في أحزاب اللقاء المشترك قد أدركوا هذه الحقيقة وعليهم أن يتقدموا للحوار من أجل التداول السلمي للسلطة عبر الاقتراع الحر المباشر لأن عهد الانقلابات قد ولى وبدون رجعة- بإذن الله.