د. علي مطهر العثربي -
لقد جرب اليمنيون طريق العنف من أجل الوصول الى السلطة ووجدوا أنه لا يخلِّف إلا عنفاً، وأن المحاولات الانقلابية التي حدثت عبر مراحل الحياة السياسية منذ عام 1962م لم تحقق الأمن والاستقرار ولم توفر شرط الرضا والقبول الشعبي الضامن الوحيد للأمن والاستقرار، ولذلك وصل اليمنيون الى يقين مطلق بأن الطريق الوحيد للوصول الى السلطة هو الانتخابات الحرة المباشرة التي تعطي المواطن حق الاختيار وتجسد مبدأ امتلاك الشعب للسلطة، وعندما وصل اليمنيون الى هذا اليقين جسدوه عملياً في 17يوليو 1978م عندما اختار ممثلو الشعب رئيس الدولة عبر صناديق الاقتراع الحر المباشر، ووجدوا أن هذا السلوك قد حقق الرضا والقبول من قبل الشعب الذي استعاد حقه في امتلاك السلطة وتحررت إرادته الكلية من الاغتصاب، وعلى ضوء ذلك تحقق الأمن والاستقرار والرخاء وانتعشت الحياة، واتجه اليمنيون صوب استكمال اهداف الثورة اليمنية المباركة سبتمبر واكتوبر.
إن اليقين الذي وصل اليه اليمنيون كافة في كل أجزاء الوطن في غربه وشرقه وشماله وجنوبه جعلتهم يحثون الخطى نحو تجسيد اهداف الثورة الخالدة، ولأن الأمن والاستقرار والرخاء قد بدأ يستقر في يمن الايمان والحكمة، فقد سارع اليمنيون الى اقتناص الفرصة السانحة لاستعادة وحدة الوطن في 22مايو 1990م، ومع بداية هذا الفجر الجديد فتح اليمنيون باب الحرية واسعاً واقترنت الوحدة بالتعددية السياسية وحرية الاعلام، وبدأوا يمارسون الديمقراطية كأفضل بلد في المنطقة، وبصورة جسدت القيم الحضارية والدينية والانسانية والاخلاقية للانسان اليمني.
لقد خاض اليمنيون تجربتهم الديمقراطية بروح عالية من التفاؤل والتفاهم مكنتهم من اجراء انتخابات 1993م النيابية التي أوجدت ثلاث قوى رئيسية في ساحة العمل الوطني هي: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للاصلاح، وعلى إثرها لم يرق لبعض القوى التقليدية الراغبة في فرض الهيمنة والسيطرة والاستعباد وضاقت ذرعاً بالتعددية السياسية، فحاولت الانقلاب على الشرعية الدستورية، ولكن الشعب قد امتلك حقه في الحياة فهب مدافعاً عن الشرعية الدستورية وأفشل مخطط الانفصال الذي سعت اليه قوى التسلط وأدرك اليمنيون أن التجربة الديمقراطية والحفاظ عليها واجب شرعي فخاضوا انتخابات 1997م النيابية والانتخابات الرئاسية الاولى 1999م ثم الانتخابات المحلية الاولى في 2001م والانتخابات النيابية في 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية في 2006م، وجسدوا إرادتهم الحرة المستقلة من خلال انتخابات رؤساء السلطة المحلية.
إن تمسك اليمنيين بالتجربة الديمقراطية والانتخابات حقق لهم رغبتهم وحق امتلاك الشعب للسلطة وحرر الإرادة الكلية من الاغتصاب وقطع الطريق على قوى التسلط والوصاية والادعاءات الوهمية وجعل الشعب يحكم نفسه بنفسه من خلال الانتخابات، وقد حاولت القوى التسلطية أن تستفيد من التجربة الديمقراطية ودخلت الانتخابات ولكن بأفكارها القديمة التي ما أنزل الله بها من سلطان وحاولت إقناع الناخبين بأفكارها الظلامية والجاهلية والعنصرية، ولكن الشعب قد شب عن الطوق فرفض الاوصياء والادعياء ولم يمنح أحداً منهم الثقة، لأن فكرهم جاهلي وعنصري، وما إن أدركت القوى الظلامية أن الشعب قد وعى خطورة ما تريده له فتجمعت القوى السياسية الفاشلة مع القوى السياسية الحاقدة مع القوى الفوضوية المارقة من أجل الانتقام من الشعب، وقد أدركت جميع تلك القوى المتآمرة بأن التعليم هو السبب الذي مكن الشعب من امتلاك السلطة وحرر الإرادة الكلية من الاغتصاب فاتفقت كل القوى على البدء بتدمير التعليم وتجهيل المجتمع وضرب مكتسبات الثورة والوحدة ظناً منها أن الشعب سيتراجع ليركع أمامها.
إن الشعب الذي استعاد حريته وامتلك سلطته وحرر إرادته الكلية لن يركع لقوى الجهل والتخلف والفوضى وسيواصل المسيرة ويحافظ على الشرعية الدستورية.. وعلى العالم أن يحترم إرادة الشعب المؤمن بالديمقراطية والشرعية الدستورية، وسينتصر اليمنيون لشرعيتهم بإذن الله.