يحيى نوري -
هل ننتظر نحن في اليمن حتى يكون لنا قوائم تحمل اسماء ضحايا الاغتيالات السياسية، كما كان الحال في الشقيقة لبنان، والتي كانت الضحية دائماً لآثار وتداعيات الاغتيالات السياسية والتي أطالت وعقدت أزماتها بصورة دفع الشعب العربي اللبناني بسببها الكثير من التضحيات العظيمة حتى تمكن وبمساندة المجتمع الدولي من تجاوز كل ذلك ليصل الى منطق الدولة اللبنانية التي تحمل كل اللبنانيين..؟!
تساؤل لاريب تفرضه اليوم معطيات الواقع السياسي اليمني في ضوء التطورات المتلاحقة التي تشهدها البلاد جراء الأزمة التي عمل الانقلابيون على المزيد من تأزيمها وتعقيدها وبصورة جعلت الابواب مشرعة أمام كافة الاحتمالات التي قد تسير باليمن باتجاه الفوضى والخراب والدمار ومنها- بالطبع- اللجوء الى مسلسل الاغتيالات السياسية من قبل العناصر الانقلابية كهدف لتصفية الحسابات واداة فاعلة باتجاه تأزيم الأوضاع اليمنية وجعلها أوضاعاً طاردة ونابذة لكل مثل وقيم الحوار المسئول الذي من شأنه ان يضع حداً للتطورات السلبية المتلاحقة التي قد تضر بأمنه وسلامه الاجتماعي.
نقول ذلك من منطلق ادراكنا المعتمد على الرصد الدقيق لسلوك العناصر الانقلابية خلال الأيام الماضية، بل ومنذ اللحظة الأولى للانقلاب الذي قاده الجنرال المخدوع علي محسن والذي يحاول هو وعناصره- عبثاً- البحث عن كل ما من شأنه ان يعقد الأزمة الراهنة ويجعل من احتمالات الحلول الحوارية ضئيلة وضعيفة وبما يمكنه وزمرته الانقلابية من بلوغ الأهداف والمصالح الانانية التي يحاول بلوغها من خلال الاستغلال الرخيص لحركة الشباب اليمني الذي ينشد تحقيق المزيد من الاصلاحات في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية اليمنية.
حيث يجد المتابع المدقق والمهتم برؤية المشهد السياسي اليمني الراهن ومن مختلف جوانبه وبنظرة تحليلية محايدة وغير متأثرة بأمزجة وميولات سياسية لأي من الأطراف المتباينة في الساحة اليمنية- ان العناصر الانقلابية بقيادة الجنرال المخدوع علي محسن قد قررت مبكراً الاعداد والتهيئة لكل ما من شأنه ان يئد عملية الحوار الوطني المسئول، ويبدد الآمال والتطلعات المنشودة للشعب اليمني والمجتمع الدولي المتعاطف معه من أجل الخروج من أتون الازمة الراهنة بأقل الخسائر البشرية والمادية وبما يمكن اليمنيين من الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية التي انطلقت في الــ22 من مايو على طريق بناء واستكمال متطلبات الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون المستفيدة تماماً من كافة المنغصات والاعتوارات التي كانت الدولة اليمنية تعانيها ابان عهد التشطير.
وقد استنتج هؤلاء المتابعون والمهتمون بالشأن اليمني ان الممارسات التي تقوم بها العناصر الانقلابية قد دللت على آنهم سائرون نحو ما يمكن وصفه هنا بالمغامرة السياسية نحو تعتيم المشهد السياسي اليمني وجعله أكثر اقتراباً من الانفجار الكبير من خلال ماتقوم به تلك العناصر حالياً من تهيئة واعداد بهدف القيام بتنفيذ سيناريو تصعيدي جديد يتمثل في ممارسة الاغتيالات السياسية للشخصيات السياسية والعامة وهو سيناريو كان لهم ان قاموا بعملية تدشينه من خلال الاعتداء الآثم الذي خططوا له في جمعة رجب والمتمثل في محاولة اغتيال فخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئىس المؤتمر الشعبي العام ومعه كبار مسئولي الدولة والحكومة.
ولاريب ان هذا السيناريو الذي يهدف الى زعزعة واخافة كافة السياسيين والشخصيات العامة وثنيها عن الاعلان والتعبير عن مواقفها وارادتها السياسية ازاء ما يعتمل اليوم على الساحة اليمنية قد تم الاعداد له مبكراً وباتت الخطوات التي يقوم بها الانقلابيون باتجاه تنفيذه على الواقع اكثر ملموسة واكثر وضوحاً لنا من خلال رصد السلوك غير الوطني وغير المسؤول الذي تقوم به تلك العناصر الانقلابية من استهدافات للكثير من الشخصيات السياسية والحزبية والمعبر عنه بوضوح استهدافها لمنازل ومقار العديد من الشخصيات السياسية والحزبية، وخاصة القيادات العليا في المؤتمر الشعبي العام والتي تعرضت منازلهم مؤخراً الى العديد من القذائف التي اثارت الرعب لدى اسر هذه القيادات ولدى السكان المحيطين بها، بالاضافة الى الاستهداف المتكرر الذي تعرض له الاستاذ عبده الجندي نائب وزير الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، حيث تعرض منزله مؤخراً الى قنبلة ادت الى جرح خمسة من مرافقيه بالاضافة الى ماتقوم به العناصر الانقلابية من ممارسات لاتمثل سوى تهديد مباشر للامن والسلام الاجتماعيين وتعريض حياة ومصالح المواطن للخطر وهي ممارسات سقط بسببها العشرات من الشباب المتظاهرين نتيجة نشر الانقلابيين لقناصة استهدفت حياتهم في محاولة مكشوفة لاستغلال ذلك سياسياً واعلامياً من شأنه ان يخدم اجندة الانقلابيين في الوصول الى السلطة عبر قرصنة واضحة اهدافها ووسائلها، ناهيكم عن الاستهداف المتكرر لمقار تنظيم المؤتمر الشعبي العام سواء كان المقر الرئيسي بالحصبة او فروعه بالمحافظات والتي كان آخرها تعرض معهد الميثاق بمنطقة بير الشائف لقذائف، بالاضافة الى ماتقوم به العناصر الانقلابية اليوم من حرب واضحة وجلية ضد المؤسسة العسكرية واستهداف الوية الحرس الجمهوري بمنطقتي ارحب ونهم بهدف استنزاف قدرات هذه القوات والزج بها في أتون مواجهات قد تفقدها القدرة على السيطرة على حماية الامن والاستقرار على المستوى الوطني..
وعلى ضوء كل هذه المؤشرات فان الانقلابيين يعملون حثيثاً على السير بالوطن باتجاه الفوضى وهو ما يعني ان الايام القادمة ستحفل بالعديد من التطورات المأساوية خاصة على صعيد الاغتيالات السياسية والتي كان الانقلابيون قد اعدوا لها مبكراً - كما أشرنا- كسيناريو ووسيلة تصعيدية مهمة من شأنها ان تقضي تماماً على أية فرصة انفراج للأزمة، بل وتعمل على اضفاء مزيد من السوداوية لكافة ابعاد المشهد السياسي الراهن.
ولعل خير دليل على عملية التهيئة والاعداد لهذه المرحلة الى جانب ما ذكرنا هنا ممارسات غير مسئولة هو إقدام الانقلابيين على جلب اكثر من ثلاثمائة دراجة نارية الى ساحة الفرقة الاولى مدرع، وهو مايعني صراحة ان جلب هذه الدراجات لم يكن سوى عملية تدشين لاغتيالات سياسية حيث يمكن لهذه الدراجات النارية تحقيق هذا الهدف لما تتمتع به من سهولة وانسيابية في حركتها التي قد تصل الى كافة الاطر الجغرافية للشخصيات المرشحة لاغتيالها.
مواجهة الخطر
ولكون هذا التوجه يعد كارثياً بكل ماتعنيه هذه الكلمة من مدلول ومفهوم فانه بات على مختلف الفعاليات الوطنية الخيرة وكافة جموع المواطنين الذين يمثلون السواد الأعظم من ابناء الشعب المنتصرين للشرعية الدستورية وللتجربة الديمقراطية اليمنية التي انطلقت في الــ22 من مايو المجيد القيام بالمزيد من التوحد والاصطفاف في مواجهة هذا الخطر الذي بدأ الانقلابيون تنفيذه على طريق الاغتيالات السياسية وهي الاغتيالات التي- لا سمح الله- قام الانقلابيون بتنفيذها فانهم سيقضون تماماً على كافة الآمال المنشودة في خروج البلاد والعباد من أتون الازمة الراهنة.
ولعل الاصطفاف والتوحد الشعبي العارم الى جانب الاجهزة الامنية والعسكرية المختلفة المتحملة اليوم لمهمة الحفاظ على الوطن وسيادته وامنه وسلامه الاجتماعي باعتباره يمثل الرد القوي والحاسم للممارسات غير الوطنية وغير الانسانية وغير الديمقراطية للانقلابيين والتي تهدف الى التضليل على الرأي العام المحلي والخارجي.
ولعل المشاركة الشعبية الواسعة الى جانب الاجهزة والمؤسسات الامنية والعسكرية لمواجهة هذا المخطط القذر تعد الرد المناسب والرادع الذي من شأنه ان يوقف الانقلابيين عن السير نحو الاغتيالات السياسية كهدف ووسيلة لتحقيق اهداف ومآرب لاعلاقة لها من قريب او بعيد بالمصلحة الوطنية العليا.
كما ان فضح الاهداف التي يحاول الانقلابيون تحقيقها وراء لجوئهم واعدادهم المبكر لهذا السيناريو الكارثي يعد ضرورة لتسليح الرأي العام بالمعرفة الكاملة لطبيعة تلك الاهداف والتي من اهمها على الاطلاق العمل على ايقاف قنوات الحوار او اي تداخل مع اي من الاطراف السياسية اليمنية، حيث وان ممارسة الاغتيالات السياسية تمثل الوسيلة الناجعة لتحقيق هذا الهدف خاصة وان آثار وتداعيات الاغتيالات السياسية والتي بدأت باستهداف فخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام ومعه كبار قيادات الدولة من شأنها ان تضعف عملية الحوار وهو امر كان لفخامة الرئيس ان تنبأ له منذ لحظة محاولة اغتياله من خلال المزيد من التحلي بضبط النفس وعدم الانجرار الى النفق الذي بات يخطط له الانقلابيون بعناية بل ويمنحونه القدر الاكبر من وقتهم واهتمامهم.
رفض الحوار
وبما ان التعامل غير المسئول من قبل العناصر الانقلابية ومن سار على دربها يمثل خطراً على المصالح الأنانية التي يسعى الانقلابيون الى تحقيقها فان هذا الرفض المتواصل لأي تواصل وتقارب عبر قنوات الحوار قد اعطى المراقبين والمهتمين على الساحة اليمنية الانطباع الكامل ان هذا التعطيل لا يعني سوى شيء واحد هو الاصرار على السير بالبلاد باتجاه الفوضى وهي الفوضى التي تراها هذه العناصر الارضية القوية والصلبة التي تمكنها من ممارسة القرصنة على السلطة والشعب خارج الاطر والاسس والقواعد الدستورية.
كما يعكس ايضاً الرفض لعملية الحوار والافشال المتعمد له سواء كان ذلك باتخاذ المواقف السياسية الاكثر تزمتاً او السير باتجاه الاخلال بالامن والاستقرار وفتح اكثر من باب للفوضى والسير نحو المزيد من المواجهة العسكرية جميعها دللت على ان الحوار كقيمة ديمقراطية وحضارية قد سقط مبكراً من اجندة العناصر الانقلابية وبات يمثل لها شبحاً من شأنه ان يجردها تماماً من احلامها ومآربها وتطلعاتها اللامحدودة.
خلاصة
ان رؤية القيادة السياسية بزعامة فخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام وطريقة واسلوب تعاملها مع هذه الممارسات وماتبديه من تمسك كبير وصادق بالحوار كأداة كاملة وحضارية ووطنية وديمقراطية للخروج من الازمة الراهنة قد أفقد الانقلابيين صوابهم، ذلك لان هذا المسلك الحضاري لايمكن له ان يتم إلا في ظل قاعدة الحوار المتجردة تماماً من كافة اسباب التوتر والتي من ابرزها الانقلابيون وما احدثوه من تداعيات امنية خطيرة وباعتبار ان القفز على هذه التوترات بات يمثل اليوم مسئولية وطنية سواء اكان ذلك على طريق الحوار المسئول أم الحسم العسكري فان ذلك سيجعل الرد الأمثل والاعظم كفيلاً بايقاف كل تلك الممارسات التي ندرك أن شعبنا سيتمكن من مواجهتها بكل الطرق والسبل والتي من شأنها ان تحميه وتحافظ على انجازاته المشهودة التي حققها خلال الفترة الماضية على طريق دربه الحضاري المنشود للمستقبل الأفضل.