عبدالرحمن مراد -
حالات العمه الثوري!!
كلُّ حدث يحمل في ذاته قوة تحدث اهتزازاً في البنى التكوينية المادية والمعنوية للإنسان وهو بالضرورة يحدث متغيراً ويبعث روح التمايز والفرز في الرؤى والتوجهات، والاحداث الكبيرة تشبه أعمال الغربال الذي تعمل حركته على تمييز اللب من القشرة وكذلك حركة الموج في البحر الذي يقذف في السواحل كل الاشياء التي لا قيمة لها في جوهرها وشكلها ومعناها، ولذلك نقرأ في القرآن عن يوم القيامة كحدث عظيم قادر على فرز عبّاد الله من عبّاد الشيطان، وقد دلّ خطاب الله في سورة «يس» في سياقه العام على التمايز «وامتازوا اليوم أيها المجرمون».. وإذا كان يوم الصاخة الكبرى يحدث فيه التمايز والفرز فإن كل الاحداث الأقل شأناً في شكلها ومعناها تقوم بذات الوظيفة، ولذلك رأينا في حركة الاحتجاجات الشعبية التي تعصف باليمن تمايزاً وفرزاً كشف سرائر النفوس وقرأ الشعب في مرايا اللحظة التاريخية كل أطراف المعادلة السياسية واستطاع من خلال إفراز اللحظة التاريخية التمييز والنفاذ الى الجوهر دون عناء في التفكير.
كل ثورات التاريخ التي أحدثت تحولاً في مسار البشرية وسياقها العام قام بها الفقراء حتى الثورة الكبرى التي قادها الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام وأحدثت ما أحدثت من تحول تاريخي وجوهري في التاريخ البشري بشهادات كثير من المفكرين والفلاسفة العالميين قام بها المستضعفون والفقراء وأولئك الذين لا حول لهم ولا قوة ممن عانوا من الظلم والاستبداد والطغيان، ولم نقرأ على مسار التاريخ كله أن مترفاً قاد ثورة أو حركة تحول ولكننا قرأنا في النص القرآني، أن مترفي القرى هم أداة من أدوات الله في إهلاك القرى، بخروجهم من دائرة الطاعة والسلام والوئام الى دائرة الفسق التي تكون سبباً ومبرراً للهلاك والتدمير.. والمتأمل في سورة الاسراء من الآية الاولى الى الآية (21) يجد جدلية البقاء في ذات الانسان وجدلية الخير والفناء وقضية الصراع الطبقي الذي يفضي الى حالة الانتقال أو حالة التدافع كفطرة إلهية تتفيا إحداث التوازن والتعايش السلمي وتشيع روح السلام في المجتمعات الانسانية. ثورة المترفين إذاً ما يحدث في اليمن ليس ثورة في معناها العام الذي بالضرورة يتطلب شروطاً موضوعية لابد من توافرها ليس وضوح الغاية والهدف وسمو المشروع أقلها، بل لابد من توافر صفات الأمانة والصدق والنقاء الثوري في قادة الثورة كما شاع عن رسول الاسلام قبل البعثة وهي صفات ضرورية فيمن يحمل على عاتقه همَّ التحديث والتغيير، وكل الذي يمكن أن يقال أن ما يحدث هي فطرة الله أصابت بالعمى الثوري مترفي اليمن ففسقوا فحق القول بالتدمير والهلاك وهو الذي يجب أن نصل اليه من اليقين وعلينا العودة الى قيم الخير والحق والعدل والسلام والخروج من دائرة الوهم الثوري والعدم الثوري. لقد مثلت حالة الفسوق تمايزاً واضحاً وفرزاً جلياً، فالذين نهبوا الثروة الوطنية وبسطوا على الاراضي، واستغلوا نفوذهم في تعطيل مصالح الشعب، وخرجوا من دائرة الحقوق الوطنية الى دائرة الواجبات، ومن ثم سعوا في إهلاك الحرث والنسل وتدمير وهلاك اليمن.. أصبحوا في مرأى العين وتحت مجهر الحقيقة ولا يكابر في حقيقتهم وواقعيتهم الا جاحد أو مكابر ولا يدعوننا الى مناصرتهم وتأييدهم الا رجل أصابه الله بالعمى الثوري أوفي داخله مشروع انتهازي قادم ولا أكاد أجد مبرراً واحداً لأولئك الذين يكتبون نقداً لفئة المثقفين ناعين الى الناس الخذلان والنكوص ويقولون عليهم ما لا يمكن ان يقال، والحقيقة التي يجب أن يعرفها أولئك الكتبة أن المثقف الحقيقي لا يمكن له أن ينتمي الى ثورة الفسوق لمترفي اليمن أولئك الذين يمتصون الدماء وينهبون الثروات وما «شركة الحثيلي للنقل وخدمات حقول النفط» التابعة للواء الثائر علي محسن الحاج، وشركات التسويق للمناضل الجسور المترف الثائر حميد الأحمر الا بدايات ظاهرة لخفايا باطنة كانت سبباً في تعثر المشروع الحضاري لليمن الذي أصبح كالدم الكذوب على قميص ابن يعقوب، فالقاتل أصبح الباكي والذئب هو الحالة المفترسة البريئة من جسارة الفعل. إن المثقف الحقيقي يريد دولة مدنية بحقوق مواطنة متساوية قادرة على أخذ حقوقها المدنية من حميد الأحمر، وعلي محسن الحاج، وعبدالمجيد الزنداني، وغيرهم مثلما تأخذها من المواطن العادي، فالثابت ان عبدالمجيد الزنداني يملك مزرعة في مديرية حيران وأولاد الاحمر لهم مزارع متعددة في منطقة الجر من أعمال مديرية عبس بمحافظة حجة وغير أولئك من مترفي اليمن ولم نشهد حتى الآن أن أحدهم دفع واجب الزكاة كركن اعتقادي لا يمكن التمام الا به ومهما تكن مبرراتهم الدينوية أو مخارجهم الشرعية الا أن حقوق المواطنة الحقة في الدولة المدنية التي نتغنى بها لابد من الوفاء بها، وإذا كان الأمر يرتبط بجانب اعتقادي ولم يثبت الالتزام به فكيف بنا حين الحديث عن رسوم ضريبة الدخل وضريبة المبيعات التي تصل الى مليارات الريالات. الذين يظنون أن اللواء الثائر يقاتل من أجل دولة مدنية عادلة واهمون لأنه يقاتل على مصلحته التي أصبح يهددها الحرس الجمهوري وهو يقاتل حتى يتمكن من منع امتداد خط أنابيب من حقول شبوة النفطية الى صافر بمأرب لأنها تدر عليه المليارات والذين يظنون أن حميد الأحمر الشيخ القبلي الثائر والمترف اليمني الأوحد الذي جمع بين الثروة والسلطة يقاتل من أجل دولة مدنية عادلة ايضاً واهمون لأنه يقاتل حسب تصريحاته على امتيازاته النفطية وإعفاءاته الضريبية والجمركية التي كان يحصل عليها وتوقفت- حسب زعمه- في عام 2006م، وحسب مصادر إعلامية في السلطة في عام 2009م.. والذين يظنون أن الشيخ عبدالمجيد الزنداني الذي يصفه الشيخ مقبل الوادعي بأنه يحمل وجوهاً متعددة وجهاً للسلفية، ووجهاً للتبليغ، ووجهاً للاخوان.. الخ، فقد أقر الدولة المدنية ثم قال عنها كفر كما فعل بالأمس حين قال بعدم جواز الخروج على الحاكم وبايعه بيعة شرعية نافذة في انتخابات 2006م متحدياً قرار حزبه السياسي ذهب عام 2011م الى ساحة التغيير ووقف تحت ظلال مجسم الجامعة ليعلن عن اكتشافه تخريجاً شرعياً لجواز الخروج، كما أعلن عن اكتشافه عقاقير طبية في مرات عدة، ولم نشهد الا عقاقير تبعث على التشنج وتدفع صاحبها الى التدمير والموت كما شهد بذلك أطباء مختصون في الساحات ودلت عليها المظاهرات التي نفذها المعتصمون أقول: إن الذين يظنون أنه يقاتل من أجل دولة عادلة واهمون، لأنه يقاتل من أجل سلطة دينية ونفوذ ديني أو باسم الدين بمعنى أنه يسعى الى تأصيل قداسة عالم الدين وتأصيل سلطته وبمعنى أكثر وضوحاً خضوع الاتباع وتقبيل الناصية كما ألف ذلك من أتباعه. والذين يظنون أن الشباب يقاتلون من أجل المستقبل واهمون لأن الشباب ضحايا عنف وضحايا انتهازية مفرطة ولا يملكون مشروعاً ولم يفرز واقعهم قيادة شبابية واعية وقادرة على إدارة الفعل السياسي والفعل الثقافي ولا نرى أمام عيون الواقع الا شيوخاً انغمسوا في الفساد ومازالوا مبتلين من مائه كمحمد سالم باسندوة ومن هم على شاكلته من القيادات العتيقة التي أكل الدهر عليها وشرب.. وعلى الشباب أن يدرك أن الله عهد اليه بالحق ولم يعهد اليه بالباطل وقد امتاز المجرمون وامتاز غير المجرمين وامتاز المستضعفون في الارض وأصبحت مرآة اللحظة التاريخية واضحة ويقيننا أن القول بالتأجيل للمشروع الحضاري هو هروب من سؤال المستقبل. إن حديثنا عن «ثورة» يتطلب رؤية تفكيكية قادرة على تشخيص الواقع ومعرفة أبعاده وكوامنه وإشكالاته والوقوف أمامه لوضع الفرضيات والمعالجات وفق رؤى علمية بحثية يتخذها التأصيل النظري مرتكزاً له وبحيث تتجاوز إشكالات اللحظة وألم اللحظة الى نقطة مستقبلية فارقة تحدث متغيراً فعلياً لا استبدالاً. إننا حين نفكر بالثورة ونقول بها فإننا نريد منها أن تكون ثورة فقراء أو ثورة شباب حالم بالمستقبل لا ثورة مترفين فاسدين تحولوا في غفلة تاريخية من رموز للفساد الى رموز ثورية ووطنية. إننا حين نفكر بالثورة ونقول بها فإننا نفكر بثورة قائمة على لغة التطوير ومنهج السلم لإحداث الانتقال وننكر على أولئك المترفين الذين دفعوا ويدفعون الشباب الى الصدام ليبنوا من أشلائهم المتناثرة عروشاً وهمية ومجداً زائفاً يتسابقون به ومن خلاله على وسائل الاعلام ليتحدثوا بمفردات الطغاة ويخطبوا فينا «بـ«يا شعبي العزيز» وكأنهم يعيدون الى الذاكرة خطاب الإمام أحمد حميد الدين بعد عودته من روما وهو تناص ربما جاء على خلاف ما بني عليه، ودل على ما يناقضه في حقيقته وواقعه. نقول ذلك بياناً لما التبس في أذهان الكثير، إذ أننا بالضرورة ننشد دولة مدنية حديثة تبدأ لحظتها، وتنفصل عن كل الماضي تحمل قيم الحداثة، وتحدث الانتقال التاريخي، ولا نريد تكرار مشاهد التاريخ الذي نؤمن أن تغييره لا يتحقق الا بتغيير المنظومة الثقافية التي لابد ان تتفاعل مع القيم الحداثية الجديدة. لقد حدث الفرز الذي كنا نبغي، وتمايز الناس وأصبح الواقع كتاباً مقروءاً يمكن بيان ملامحه وتحديد ألوانه، وعلى الشعب أن يعيد ترتيب نفسه، بما يتوافق وتطلعات أبنائه الحالمين بمستقبل أجمل وأرغد عيشاً. أما أولئك الذين لبسوا جلباب الدين وأسبلوا اللحى وتفننوا في ربط العمائم فقد أبانوا عن مكنونات أنفسهم بعد إعلان بيان جمعية علماء اليمن الذي كان تعبيراً عن أهل السنة والجماعة ولم يكن «رافضياً» أو «خارجياً» أو «شيعياً» إذ لم يسع أولئك الذين لا يرون في الدين الا مطية للوصول الى كرسي الحكم الا الانتقاص من قيمة العلماء الذين صدر عنهم البيان والتقليل من قيمتهم ومكانتهم العلمية والميل الى التأويل للنص كما أفصح عن ذلك عضو مجلس النواب عارف الصبري في اتصاله الهاتفي مع قناة «سهيل» مساء الجمعة 30 / 9 / 2011م الذي قال بوجوب الاستمرار في الثورة لانتزاع الحق وإرجاعه الى أربابه على اعتبار أن علي عبدالله صالح وأمثاله من الزعماء العرب بغاة، فقد اعتدوا على كرسي الحكم ولابد من مصاولتهم حتى يفيئوا الى أمر الله ويردوا الخلافة في الارض الى سابق عهدها ولأربابها من العلماء وأهل الحل والعقد وفق فقه الشريعة، ولعل الخطاب الإعلامي لقناة «سهيل» قد نال من العلماء طعناً وسباً وشتماً نيلاً مقذعاً يتنافى وقول «الاخوان» بتقديس العلماء باعتبارهم ورثة الانبياء وتجريم سبهم واعتبار ذلك من الكبائر «فلحومهم مسمومة» حسب قولهم.. ولا أدري كيف أجازوا لأنفسهم ما جعلوه محرماً على غيرهم..؟!!! وقد لاحظ المتابع لقناة «سهيل» من يقول بجهل علماء الدين بالمرجعية الدستورية والقانونية اليمنية التي تكفل حق التظاهر مستغربين تجاهل البيان لتلك المرجعية ولعل غرابتهم لا ترقى الى ذروة ذهولنا من ذلك التحول في ايديولوجيا الاخوان الذي يتفاعل مع فقه الواقع بما يبرر مسلكهم ويفسد جوهر الدين وقد شط بهم المزار حتى قالوا ببطلان ثورة سبتمبر بالقياس على مضمون البيان. إذاً ثمة إرادة إلهية تمد هؤلاء الناس في طغيانهم يعمهون وتعمل على قضية الفرز والتمايز بين الخبيث والطيب وتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها وسنته في التدافع خوف الفساد في الارض، لقد أغراهم الطغيان فوقعوا في حالات العمه الثوري فحادوا عن الصواب والعدل .. قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» سورة المائدة آية رقم (8) صدق الله العظيم.