د. علي مطهر العثربي -
ان الدارسين للفكر السياسي اليمني عبر مراحل التاريخ القديم والمعاصر يؤكدون بأن فترات الازدهار والتطور والنماء والابداع والتوحد هي نفسها فترات الأمن والاستقرار، ووجدوا كذلك أن أصحاب الافكار الظلامية والجاهلية والعنصرية يحاولون تنغيص حياة التطور والازدهار ويمنعون الابداع ويسعون الى منع عجلة التنمية كلما تحركت بفاعلية نحو المزيد من الإنتاج ومحاولة الاعتماد على الذات، ويبدو أن أصحاب الأفكار الظلامية والجاهلية والعنصرية لا يعرفون لأنفسهم مهمة غير التخريب والتدمير ارضاءً للشيطان وتحقيقاً لرغبات أعداء الانسانية والحضارة.
إن التعمق في دراسة الفكر السياسي اليمني يعطي خلاصة مفادها بأن أصحاب الفكر الظلامي والجاهلي والعنصري لا يظهرون بشكل بارز الا عندما يحسون أن اليمن تسير في اتجاه التطور والنماء بهدف منع أي تقدم لليمن، أما في فترات الركود فإنهم يغذون الصراعات الدموية ليظل اليمن في حالة التخلف خدمة لأعداء الحضارة الانسانية في اليمن.
إن العودة الى الجذور التاريخية للتجربة الديمقراطية في اليمن تعطي مؤشراً بارزاً علي قوة الإرادة اليمنية وتماسك الشعب لمواجهة قوى التخلف والظلام والجهل والعنصرية وقد برهن اليمنيون عبر مراحل التاريخ المختلفة أن قوى التخلف عقبة من عقبات البناء الحضاري والانساني وأن مواجهة الشعب لتلك القوى الظلامية باتت أمراً دينياً ووطنياً وإنسانياً، ولذلك استطاع اليمنيون الوقوف في وجه تلك القوى والتغلب عليها وبناء الحضارات التي مازالت آثارها شاهدة للعيان تقدم أنموذجاً حياً لقوة الإرادة لانسان اليمن الذي اختار الحرية على العبودية وانتزع حقه في امتلاك السلطة.
إن الواقع التاريخي الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أعظم شاهد على قوة الإرادة المؤمنة بالله رب العالمين وخير مثال أسوقه في هذا الاتجاه الممارسة العملية لمبدأ حكم الشعب بالشعب عندما جاءت رسالة نبي الله سليمان عليه السلام الى ملكة اليمن فعرضت الرأي على الشعب من خلال ممثليه في السلطات المحلية «مجالس الولايات» والمجلس الاعلى للشورى اليمنية ولكم أن تفكروا جيداً في كيفية الممارسة التاريخية للديمقراطية الشوروية وقوة الالتزام بنتائجها، فقد قال الله تعالى على لسان أهل اليمن: «قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأسٍ شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين» صدق الله العظيم، هنا نرى قوة الإرادة في قوة التفويض التي منحها الشعب للحاكم والتي دافع عنها حتى أوصل البلاد الى بر الأمان وجنبها ويلات الحروب.
إن ما تشهده اليمن اليوم من قوة الإرادة وصدق العزيمة وشدة التمسك بالشرعية الدستورية التي صنعها الشعب في سبتمبر 2006م يأتي في هذا السياق التاريخي، بمعنى أن الشعب عندما يصر على التمسك بالشرعية الدستورية ويرفض المحاولات الانقلابية إنما يقول للعالم بأن ذلك منهجه التاريخي الذي يتجدد اليوم، ويؤكد للعالم بأن زمن الانقلابات الدموية قد ولى وإلى غير رجعة وأن ما يحقق الأمن والاستقرار في اليمن هو التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات وعبر صناديق الاقتراع الحر والمباشر، وأن كل ذلك قد بات منهج حياة اليمنيين- بإذن الله.