موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


مواطنون لـ"الميثاق": مَنْ يدعون للانفصال يمثلون أنفسهم وأسيادهم - تربويون لـ "الميثاق": الأختبارات تسير بشكل جيد وهناك توجُّس من بعض المواد - المانجو اليمني.. بين شائعات الإنترنت وتحديات الزراعة - إلى بنكي المركزي في عدن وصنعاء: تعالوا إلى كلمة سواء - المساح يكتب عن حياته من بيع (التمباك والصحف) إلى صناعة وإبداع الدهشة "2-2" - شرف يحيي موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية - النواب يندد باستمرار الإجراءات التعسفية ضد المتظاهرين بالجامعات الغربية - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 34 ألفاً و683 - مجيديع يعزي بوفاة الشيخ شعلان الأبيض - تحذيرات أممية من "حمّام دم" في رفح -
الأخبار والتقارير
الثلاثاء, 20-مارس-2007
الميثاق نت - وعندما تحتفل تونس بالذكرى الواحدة  والخمسين للاستقلال فإنها لا تحتفل فقط بيوم تمّ فيه التوقيع على الاتّفاقية المبرمة بين فرنسا والقادة الوطنيين يوم 20 مارس 1956 والتي على إثرها أعلن الجانبان عن حصول البلاد التونسية على استقلالها الكامل، إنّما هو احتفال بالفكر التونسي التقدّمي الميثاق نت -
وعندما تحتفل تونس بالذكرى الواحدة والخمسين للاستقلال فإنها لا تحتفل فقط بيوم تمّ فيه التوقيع على الاتّفاقية المبرمة بين فرنسا والقادة الوطنيين يوم 20 مارس 1956 والتي على إثرها أعلن الجانبان عن حصول البلاد التونسية على استقلالها الكامل، إنّما هو احتفال بالفكر التونسي التقدّمي الذي تبلور منذ بدايات القرن التّاسع عشر بـ« نضالات رجالات تونس من مثقّفين وسياسيين، مرورا بالمقاومين المجاهدين الذين آلوا على أنفسهم طرد المستعمر الفرنسي وبناء الدولة التونسية الحديثة على أسس صلبة تعتمد المؤسّسات الدّستورية وصولا إلى عهد التغيير الذي حافظ على المكتسبات الوطنية كلها وعمل على تطوير الهياكل والدّواليب التي تعطّلت وأطلق حركة إصلاحية شاملة حققت الإضافات على جميع المستويات، ومازال الفكر التونسي قادرا على العطاء وعلى التحديث لأنّ منابعه ضاربة في جذور لها تاريخ طويل وأبعاد تقدّميّة دافعة إلى الفعل.
والحقيقة أنّ تونس لم تعرف الدّستور لأوّل مرّة في منتصف القرن التّاسع عشر فقط إنّما عرفته منذ الدولة القرطاجنيّة قبل حوالي 3 آلاف سنة، وما هو أكيد أنّه لا يمكن لذلك الإنجاز أن يندثر مع إندثار قرطاج الفينيقيّة، فآثاره تبقى ممتدّة عبر التاريخ وليس من قبيل الصدف إذن أن يصدر دستور مدني آخر في منتصف القرن الثامن عشر يساوي بين التونسيين في الواجبات والحقوق.. وهو الدستور الذي وان تم إيقاف التعامل به بسرعة كان أول دستور في البلاد العربية والإفريقية وقد أكّد بوضوح تام أنه يستند إلى فكر إصلاحي ناهض وأنّ محرّريه لا تنقصهم الرؤية الحضارية الحديثة ولهم خبرة في صياغة القوانين المواكبة للتطوّر الحاصل في أوروبا التي كانت تضغط على الامبراطورية العثمانية وولاياتها الكثيرة لإعلان الدساتير .
وما يعطي لذلك الدستور قيمة فكرية متقدمة هو أنه جاء على اثر البيان الذي أصدره الباي المشير أحمد باشا والحامل لقراره بمنع العبيد، وممارسة استعباد الناس بأيّ شكل من الأشكال.
وقد اعتمد محرر البيان... ومحرّر الدستور على الفكر الإسلامي النيّر المعتمد على القرآن والسنة مع الأخذ بأسباب الفكر الوضعي الحديث الذي تبلور في الغرب والدّاعي إلى الحريّة والديمقراطية.
والمعروف أنّ الفكر الإصلاحي التونسي تواصل فيما بعد من خلال الدّعوات التي جاءت في كتابات عدد من الكتاب والباحثين وعلماء الدين من أمثال أحمد ابن أبي الضياف والشيخ قبادو والشيخ السنوسي، وفي كتابات المثقف الشيخ سالم بو حاجب ثم مع المصلح السياسي خير الدين باشا وغيرهم من الذين ساهموا في قيام المدرسة الحربيّة بباردو وتطوير التعليم من خلال تأسيس المدرسة الصّادقية.
وهذه الدعوات المثمرة والمؤثّرة في السلطة السياسية وفي المجتمع جعلت البلاد مهيّأة لنهضة حقيقية «لولا الصّراعات الاستعمارية على تونس بهدف الانقضاض عليها وهي الصراعات التي أحدثت الانشقاقات ونشرت الفساد وأغرقت تونس في الديون وجعلتها في النهاية طعاما سائغا للجيوش الفرنسية التي احتلتها بزحفها عبر الجزائر وفرض اتفاقية الحماية يوم 12 ماي 1881.
ولم تكن تونس في حاجة إلى الاستعمار حتى تنهض بنفسها بل كانت كل الشروط قائمة في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر لتحقيق النهضة والتقدّم على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية إلاّ أنّ الاستعمار كان أسرع في إيقاف هذا المدّ النهضوي.
ودخلت تونس القرن العشرين وهي من مستعمرات فرنسا لكن رجالها الذين رفضوا الاستعمار قاوموا بكل ما لديهم من إمكانيات واستبسلوا في الذّود عن حياض البلاد واستقلالها، ثم تحوّلت المقاومة إلى حركات وأحزاب مدنية وشرعية مثل حركة الشباب التونسي بقيادة علي باش حامبة ثم الحزب الدستوري بقيادة الشيخ عبدالعزيز الثعالبي، والحزب الدستوري الجديد بقيادة الحبيب بورقيبة.
ورغم الاختلاف بين الحركات والأحزاب على المستوى الفكري وطرائق النضال فإنها جميعا كانت داعية إلى التحرّر الفكري والاجتماعي مدعومة في البدايات بنضالات الطاهر الحداد وأيضا بأشعار أبي القاسم الشابي وبعض الجرائد التي يحرّرها عدد هام من الوطنيين الأحرار، كلهم التقوا على الدعوة إلى قيام دستور للبلاد ثم كانت حركة بورقيبة التي تبلورت بعمق بعد 1934 إذ أصبحت تدعو بصريح العبارة إلى الاستقلال والسيادة مستفيدة من حركات التحرّر والتحديث في فرنسا نفسها.
وبعد الاستقلال قامت الدولة الحديثة على فكر تحرّري ونهضوي فاعل وتقدّمي، فقبل إعلان الجمهورية وإبعاد الباي عن الحكم نهائيّا وقبل إعلان الدستور قامت الدولة الجديدة بتحرير المرأة من خلال مجلة الأحوال الشخصية التي هي نوع ما دستور متطور للنهوض بالأسرة التونسية، وهي إلى الآن المجلة الوحيدة في البلاد العربية في عمقها الفكري والحضاري.

كما حققت الدولة الجديدة بسرعة الثورة التعليمية التي ترافقت مع الثورة الاجتماعية من خلال تطوير الأسرة... وقد تأسس التعليم التونسي في دولة الاستقلال على الفكر الناهض وعلى الحداثة، والمناهج التربوية المستحدثة.
وبعد أن عرفت تونس تعطّلا في بعض دواليبها بداية من منتصف الثّمانينات بسبب شيخوخة الزّعيم بورقيبة حدث تحوّل السّابع من نوفمبر 1987 الذي دعا منذ البداية إلى المحافظة على المكاسب الاجتماعية والسياسية والحضاريّة مع مباشرة العملية الإصلاحية لإطلاق عجلة التقدّم من جديد.
تلك هي المبادئ والقيم والأعمال التي ظهرت في تونس وشكّلت فكرها الحديث الذي يصرّ الجميع على الدفاع عنه وعلى العمل على السير به إلى الأمام مع التمسّك بالرّوح الإسلامية السمحاء والمبادئ الفكرية المعتمدة على الإسلام والحداثة واحترام الآخر.


صيانة الاستقـلال لا تقل بذلا ونضالا عن نيله
نجد في تاريخ الشعوب والدول وأفرادها أياما مشرقة وأعيادا متميزة يستعيدون بها المجد ويستلهمون منها الدروس الثمينة والعبر الخالدة، ويجددون بها العهد مع البذل والعمل والنضال من أجل إحياء جذوة النخوة والاعتزاز وتأكيد الذات وفرض الهوية ودفع مسيرة الخير والنماء والازدهار إلى الأمام تأمينا للمستقبل الزاهر والغد الأفضل واستشرافا لتطور الشعوب وكيفية بلوغها أعلى درجات التقدم والرقي، ومن بين هذه الأيام السعيدة، والذكريات العزيزة على تونس وجميع التونسيين، احتفالنا هذه السنة 2007 بالذكرى واحد وخمسين لعيد الاستقلال.
إن ذكرى استعادة تونس وشعبها لحقوقه المشروعة وانتصاره، بكفاحه المرير وذكاء شعبه المستنير، على قوى الاستعمار الفرنسي وانتزاع حريته بالكفاح والثبات على المبدإ لأنه شعب أراد الحياة... فاستجاب له القدر ...وكسر الأغلال وأزاح الظلام، شعب آمن بعدالة قضيته منذ احتلال الجيش الفرنسي لتراب التونسي يوم 12 ماي 1881، وهيمنة زبانية الحماية، مدعومين بقوى الرجعية والذل والرضوخ والتبعية، وفي مقدمتهم الباي، على تونس الحضارة العريقة، والتاريخ المجيد، تونس التي مرت عليها عدة حضارات وأضافت لها مزيدا من التألق والإشعاع في حوض البحر المتوسط، وفي بلدان المغرب العربي وفي قارة افريقيا بأسرها.
تعود بنا الذاكرة إذن إلى عقود الكفاح التحريري، لنذكر الأجيال الصاعدة بهذا الحدث العظيم في تاريخ تونس، فهو ليس مجرد حدث عابر، إنه أكبر من حدث، وأبعد أثرا من مجرد شريط يستحضر الماضي، بل إن هذا اليوم الأغر يوم 20 مارس 1956 يحمل أكثر من دلالة، ويرمز إلى أكثر من معنى، ويعبر عن الصورة الناصعة في صفحات تونس ويشير بما لا يدع للشك إلى ترابط مراحل الحركة التحريرية سابقها بلاحقها، وتماسك فئاتها الاجتماعية، وأحزابها السياسية ونظامها العتيد في ميدان البناء والتشييد وبإقامة الدولة العصرية ومقوماتها في مرحلة أولى، ثم الإقلاع بها إلى سماوات التألق والرقي والتقدم والامتياز والغد الأفضل منذ قيام العهد الجديد في دولة التغيير المبارك.
إذن فالحديث عن ذكرى عيد الاستقلال الواحد وخمسين المباركة، هو حديث عن أطوار الحركة التحريرية بجميع تفاصيلها وأطوارها ونجاحاتها الدائمة وانتكاساتها القليلة بمفعول القمع الاستعماري والخذلان الملكي، منذ بدء الاحتلال وقيام الانتفاضات عام 1881 في أغلب جهات البلاد رفضا للحضور الأجنبي واستنكارا لقبول ذلك الأمر الواقع المر الموجع المؤلم، وتواصلا مع بعض ردود الفعل هنا وهناك، وظهور بعض الرموز الوطنية التي عبرت عن رفض الظلم ومقاومة الضيم ومعاندة العدو، ولكنها كانت محاولات محدودة، في بداية الأمر، إلى أن قامت حركات منظمة، أخذت تبرز شيئا فشيئا بما لأصحابها من حس وطني، ووعي بالوعي المتردي، ورغبة جامحة في تنظيم الصفوف، وتحريك سواكن الناس، وسواكن شعب كان آنذاك شتاتا وذرات موزعة لا تجد من القوة إلا أن تزيد في إضعاف طاقاتها والحد من إمكاناتها بالتناحر والتقاتل، في وقت كان الاستعمار من جهة وقوى الرجعية والباي وأتباعه تسعى دائما لابتزاز خيرات البلاد وأرزاق أبناء الشعب والحط من معنوياتها والفتك بحرماته وكان وجود تونس بأبنائها على شفا حفرة من الاندثار والخراب والدمار، وتحولت البلاد إلى أكوام من البشر هائمين على وجوههم يعيشون الفقر المدقع، والخصاصة المتواصلة، والمرض المتكاثر والأوبئة المتلاحقة، والكبت السياسي، والتخلف والظلامية والرجعية في الوقت الذي كان فيه الاستعمار يجتهد في إسكات صوت الحركات الأولى لتحرير الوطن، والضرب على أيدي الرجال الذين برزوا في الساحة لتنظيم الصفوف وقيادة الناس لخوض معركة الكرامة والتحرير رغبة منهم في الوصول إلى استرجاع السيادة السليبة بتحقيق الاستقلال، ذلك المطمع الجليل الذي كان أبناء الشعب يلهثون وراء تحقيقه.
لقد كانت الأضرار التي لحقت البلاد التونسية أثناء فترة الاحتلال جسيمة حيث انتزع الاستعمار الحرية والكرامة والسيادة، إلا أن القوى السياسية والنخب المثقفة لم تبق مكتوفة الأيدي، إنما حركها الوازع الوطني والحس الثوري كي تشعل لهيب الحركة الوطنية من أجل التحرير، فتوالت تباعا حركة الشباب التونسي في مطلع القرن العشرين وكان من أبرز روادها علي باش حانبة، ثم أسس الزعيم الشيخ عبد العزيز الثعالبي الحزب الحر الدستوري وكان لهذا التنظيم السياسي فضله في جمع شمل النخبة المثقفة للمطالبة بحقوق التونسيين ومشروعية القضية إلى أن ظهر الحزب الحر الدستوري الجديد بزعامة المناضلين الزعماء محمود الماطري والحبيب بورقيبة والبحري قيقة والطاهر صفر ومحمد بورقيبة وبقيادتهم قامت الحركة الوطنية على أتم ما يكون، وبدأ معهم الكر والفر ضد الاستعمار، وبدأت الاعتقالات والنفي والتغريب، وسالت دماء التونسيين وطالب التونسيون ببرلمان تونسي في 9 أفريل 1938 واندلعت بعد ذلك شرارة الثورة التونسية المسلحة في 18 جانفي 1952، وكان للزعيم الحبيب بورقيبة الفضل الكبير في توحيد صفوف التونسيين وإعلاء كلمة تونس في المحافل الدولية وساهمت ديبلوماسيته الحكيمة ونظرته البعيدة وحكمته الكبيرة وأفكاره النيرة في لفت أنظار العالم إلى عدالة القضية التونسية إلى أن أحرزت تونس على الاستقلال الداخلي في 31 جويلية 1954 أولا، ولم تمض على تلك الاتفاقية التي نعتها بعض السياسيين خطوة إلى الوراء، سنة وأشهر حتى تحقق الاستقلال التام في وثيقة أمضى عليها رئيس الوزراء آنذاك الطاهر بن عمار يوم 20 مارس 1956 المبارك ذلك اليوم الأغر في تاريخ تونس المعاصرة.
وإذا كانت أهمية الاستقلال الأولى تكمن في الوفاء للزعماء والشهداء والمناضلين الذين بذلوا من وقتهم ودمائهم ما به تحررت البلاد، فإن الأهمية الثانية، والتي لا تقل أهمية عن الوفاء لمن قاموا بتخليص الوطن من براثن الاستعمار، تكمن في بناء الدولة ومؤسسات الإدارة ودواليب الاقتصاد وتنشيط الفلاحة وتعصير طرق العمل بها، وإرساء تعليم وطني في نطاق إصلاح تربوي شامل ينحت المواطن التونسي الوفي لأمجاده، المخلص لوطنه، الحريص على التعلم والتكون في مجالات العلم والمعرفة والتقنية، وكذلك تكمن في الرفع من مستوى عيش كل أبناء تونس اجتماعيا وثقافيا وصحيا بإبعاد شبح الأمراض وتحسيس الجميع بأهمية الوقاية، وبضرورة العلاج والاستجابة لبرامج الدولة في التحكم في الإنجاب وتلقيح الأطفال في المواعيد المضبوطة لينشأ الجيل سليما معافى، وكذلك التشجيع على تعاطي الرياضة في المدارس وفي الحياة العامة تأكيدا لمبدأ العقل السليم في الجسم السليم.
ولا أحد ينكر مزايا الثورة الاجتماعية البارزة في بلادنا، بتشريع مجلة الأحوال الشخصية التي ارتفع بمقتضاها وضع المرأة، فانتقلت من امرأة مستعبدة ضعيفة مهانة محتقرة، إلى كائن حر قوي، مرفوع الرأس مرفوع الكرامة.
وهكذا انطلقت منذ واحد وخمسين سنة المسيرة المباركة، في كل المجالات، بلا هوادة ولا وهن ولا تخاذل، باستثناء بعض الفترات الحرجة التي مرت بها البلاد، فجاء الإنقاذ المبارك على يد ابن تونس البار والقائد المظفر سيادة الرئيس زين العابدين بن علي في فجر يوم السبت من السابع من نوفمبر المجيد 1987.
لقد كانت عملية شجاعة أخرجت تونس من وضعها الاقتصادي المتردي، وجاء ذلك البيان الشهير ليصالح التونسيين مع هويتهم ووطنهم ويبشر بقيام عهد جديد، يقوم على احترام مقدسات البلاد وأهمها اللغة العربية والدين الإسلامي، ويحافظ على التزاماتها الدولية، وينادي بالتعاون الوثيق الأخوي مع شعوب وبلدان المغرب العربي والشعوب العربية والإسلامية كافة، وبلدان إفريقيا وحوض البحر المتوسط، ومع كل شعوب العالم في كنف الاحترام المتبادل، كما بشر ذلك البيان بحياة سياسية متطورة، وبانفتاح سياسي واقتصادي واجتماعي يستجيب لمطامح الشعب التونسي. وتنعم اليوم تونس بعهد الأمن والتنمية والاستقرار الزاخر بالعطاءات والبوادر والنجاحات على جميع الأصعدة، وقد أصبحت تونس اليوم قبلة الزائرين، ومحط أنظار العالم، تونس الوفية لزعمائها وشهدائها، المراعية لحقوق جميع أبنائها وبناتها دون إقصاء ولا تهميش، تونس التضامن والتآزر والتاريخ العريق والعمل البناء، برعاية وعناية من قائد التغيير الرئيس زين العابدين بن علي، تواكب أحدث المستجدات العالمية في الديبلوماسية وفي العلوم والتكنولوجيا، ولا أدل على ذلك من تنظيم الأمم المتحدة للمرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات بتونس، وتبني الأمم المتحدة ومن ورائها دول العالم للمبادرة التونسية في إحداث الصندوق العالمي للتضامن، أسوة حسنة بالتجربة التونسية الرائدة، إضافة إلى الاهتمام المتواصل بالشباب وتعليمه وتكثيف الكليات والمعاهد العليا والأقطاب التكنولوجية في كل ولايات الجمهورية التونسية، وتشغيل حاملي الشهادات العليا، دون أن ننسى التعددية السياسية، وتكاثر الأحزاب ومساهمتها في الحياة الوطنية بالرأي والممارسة والديمقراطية وتنوع الحوار داخل مجلس النواب ومجلس المستشارين.
وشهدت تونس في السنة الفارطة ميلاد حزب جديد «حزب الخضر للتقدم» وهي لبنة أخرى في صرح البناء السياسي الديموقراطي في البلاد، بدفع قوي ودعم متواصل من سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الدولة ورئيس التجمع الدستوري الديموقراطي، ذلك الحزب المؤتمن على مسيرة التغيير المبارك هذا الحزب الذي صار من أعرق الأحزاب السياسية في العالم، وهو الذي تأسس منذ ستة وثمانون سنة ليقود الشعب في معركة التحرير إلى الاستقلال، وهو يقود اليوم البلاد إلى تحقيق ما يصبو إليه الشعب من اطراد العزة والرفاه والتقدم، رسما لمستقبل تونس الزاهر، وتجسيما للبرنامج الانتخابي لسيادة اللرئيس زين العابدين بن علي من أجل بناء غد أفضل وحياة أسعد، رغم الظروف العالمية الصعبة، ورغم ما يهدد أقطار العالم من أخطار، ولا جدال في أن تونس التي حققت الاستقلال منذ نصف قرن، قادرة على المضي قدما إلى الأمام بخطى ثابتة، في ظل ما تنعم به من أمن وتنمية واستقرار، بفضل ما يتوفر فيها من مناخ الاستثمار، ومجال الإبداع والابتكار، لأنها بلد التسامح والاعتدال والتضامن والتآزر، ومناصرة القضايا العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني المجاهد من أجل استرجاع حقوقه السليبة.
وهكذا يتبين أن النضال ضد المستعمر من أجل الاستقلال قد تحول اليوم إلى «نضال واجتهاد في سبيل التقدم والرقي والدفاع عن مناعة البلاد وتكريس حرية القرار الوطني».
إذن تحتفل تونس بهذه الذكرى المجيدة وهي تخوض غمار طور جديد من التغيير في إطار مسار مترابط الحلقات حددت معالمه منذ التحول المبارك الذي حافظ على النظام الجمهوري فصان قيمة الدولة وزادها هيبة فرسخ الحريات العامة والفردية وعزز حقوق الإنسان في أشمل معانيها وأنبل مقاصدها.
اليوم يحق للتونسيين والتونسيات أن يرفعوا رؤوسهم أما الشعوب الأخرى وأن يعتزوا بهذا الوطن وبالإنجازات الرائدة التي تحققت فيه من الاستقلال إلى التحول والتغيير في كافة الميادين والقطاعات وهو ما غير وجه الحياة التونسية بصفة جذرية في المدن والقرى والأرياف، ولكن رهانات المرحلة القادمة أكثر فأكثر خصوصا في ضوء ما يشهده العالم من مستجدات وتطورات، تستدعي من الجميع التحلي بروح المثابرة ومزيد الإقبال على العمل والإنتاج والابتكار والتطوع دون كلل أو ملل وذلك في إطار الوفاق والتضامن الوطني والتماسك ووضع المصلحة العليا للبلاد في صدارة الاعتبارات والاهتمامات.
1- المكاسب السياسية:
تحتفل تونس يوم 20 مارس 2007 بالذكرى الواحدة و الخمسين لاستقلالها وهي فخورة برصيدها الزاخر بالمكاسب الرائدة والإصلاحات الجوهرية التي تحققت في أكثر من نصف قرن سيما منذ التحول بفضل الإرادة السياسية الثابتة للرئيس زين العابدين بن علي والمرتكزة على فكر تحديثي مستنير وعلى رؤية إصلاحية متكاملة وشاملة في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتقوم السياسة الإصلاحية للرئيس زين العابدين بن علي على دفع المسار الديمقراطي التعددي وترسيخ أركان دولة القانون والمؤسسات وتعزيز قيم الجمهورية فضلا عن دعم منظومة حقوق الإنسان و تجذير مقومات المجتمع المدني الفاعل و المسؤول وصيانة الحريات العامة والفردية في ظل سيادة الشعب واحترام إرادته.
وأثمر المسار الإصلاحي الذي انتهجته تونس انجازات ومكاسب نوعية ارتقت بواقع البلاد إلى مستوى النموذج في عديد المجالات بفضل التنقيحات والتعديلات المتواصلة التي ادخلها الرئيس زين العابدين بن علي على التشريعات والنصوص القانونية بما يتوافق مع كل طور من التقدم لمزيد إثرائها وجعلها تضاهي تشريعات اعرق الديمقراطيات في العالم.
ويعتبر الإصلاح الدستوري الجوهري الذي حظي بإجماع الشعب من خلال أول استفتاء عام تشهده البلاد في 26 ماي 2002 منعرجا حاسما على درب الإصلاح السياسي المؤسس لجمهورية الغد وامتدادا طبيعيا للنفس التحديثي العريق الذي طبع حياة تونس فكرا وسياسة منذ القرن التاسع عشر.
وقد طالت التنقيحات بمقتضى هذا الإصلاح نصف فصول الدستور التونسي الصادر في 1 جوان 1956 لتشمل بالخصوص حماية الحريات وحقوق الإنسان في كونية مبادئها وشموليتها وتكريس كرامة الفرد وحماية الحياة الخاصة وحرمة الاتصالات والمعطيات الشخصية والتنصيص على الضمانات المكفولة للمتقاضين ضمن نص الدستور إلى جانب ترسيخ قيم الولاء لتونس والتضامن والتسامح والاعتدال والوسطية بين الأفراد والأجيال والفئات.
ويعد التعديل الدستوري الذي اقره الرئيس زين العابدين بن علي سنة 1988 عنوان صحوة دستورية إذ وضع حدا للرئاسة مدى الحياة وللخلافة الآلية بما أعاد للنظام الجمهوري اعتباره وللشعب سيادته وللاستقلال قيمه ورموزه فشهدت تونس بفضل التنقيحات التي أدخلت على الفصل 40 من الدستور أول انتخابات رئاسية تعددية في أكتوبر 1999.
وما فتئ الرئيس زين العابدين بن علي يحرص منذ التغيير على تعهد الحياة السياسية بالإصلاحات المواكبة لتطور المجتمع فتتالت التشريعات و التنقيحات لتشمل إلى جانب الدستور المجلة الانتخابية ومجلة الصحافة وقانون الجمعيات وقانون الأحزاب ومجلة الأحوال الشخصية وغيرها من النصوص التشريعية بما كرس الحريات ودعم الحياة الديمقراطية والتعددية السياسية.
ويعتبر القانون الجديد للأحزاب الذي صدر في 3 ماي 1988 أي بعد اقل من ستة أشهر من التحول ووضع الإطار التشريعي للتعددية السياسية ركيزة أساسية في الحياة السياسية في تونس حيث مكن من ضبط شروط تكوين الأحزاب السياسية وممارسة نشاطها.
وان وجود 9 أحزاب سياسية معترف بها اليوم 6 منها تأسست في عهد التحول وآخرها حزب الخضر للتقدم ليبرز الإرادة السياسية للرئيس زين العابدين بن علي في تعزيز المسار الديمقراطي التعددي.
2- المكاسب الإقتصادية:
بعد واحد وخمسين سنة من حصول تونس على الاستقلال انتقل الاقتصاد التونسي من مرحلة الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد حر ذي توجه إنساني ويعيش حاليا فترة نقاوة وتطور ويحمل في طياته مؤشرات جادة للنمو.
وقد كان للاقتصاد التونسي القائم على تلازم البعدين الاجتماعي والاقتصادي الفضل الأكبر في تمكين البلاد من الصمود في وجه مختلف الهزات سواء كانت داخلية أو خارجية على غرار التقلبات المناخية (جفاف أو فيضانات) وفصل الدينار ومخلفات التعاضد وأزمات عالمية وتقلبات صرف عملات الاستثمار و التداين (الاورو والدولار/) وارتفاع أسعار البترول والتفكيك الجمركي والنتائج السلبية للعولمة (انعكاسات انتهاء العمل بالاتفاقيات متعددة الألياف حول النسيج).
وقد حظيت هذه القدرة النافسية للاقتصاد التونسي والتي تعتبر ثمرة مجهود ومسار شاق وطويل واكبته جملة من الإصلاحات العميقة والمركزة بشهادة واعتراف من قبل العديد من المؤسسات والهياكل الدولية. حيث أجمعت التقارير الصادرة عن المنظمات العالمية الموثوق بها في عالم الأعمال والمالية على الخصال التي يتمتع بها الاقتصاد التونسي الذي كان قادرا على التفاعل مع كل المتغيرات وهو اليوم يقيم الدليل على انه اقتصاد مهيكل ومتنوع و متجذر في محيطه.
ففي مجال الحوكمة الناجعة تحتل تونس المرتبة الثانية على صعيد القارة الإفريقية حسب التقرير السنوي لمنظمة (ترانسبارنسي انترناسيونال) حول الفساد. وهي منظمة غير حكومية تقوم بإجراء تدقيق حول مؤشر الفساد وإسناد أعداد من صفر إلى 10 حسب درجة الفساد الملاحظ في مستوى العمل الإداري والطبقة السياسية.
وتحتل تونس من هذا المنطلق المرتبة 43 عالميا بحصولها على 90،4 من 10 وهو معدل يعتبر أحسن نسبيا من المعدل المسجل على مستوى القارة الإفريقية (86،2) ناهيك أن تونس تحتل مكانة أحسن من المعدل العالمي (4.11).
وعلى مستوى التنافسية صنف المنتدى الاقتصادي الدولي بدافوس تونس في المرتبة 40 عالميا ضمن تقريره السنوي حول التنافسية. وقد مكن هذا التصنيف تونس من تسجيل تقدم بنقطتين مقارنة بسنة 2004 متقدمة بذلك على عدد من البلدان كايطاليا واليونان.
وفي مجال محيط الأعمال تحتل تونس المرتبة 58 عالميا ضمن التقرير حول مناخ الأعمال الصادر عن البنك الدولي وهي بذلك تحتل مكانة متميزة ضمن صدارة بلدان منطقة إفريقيا والشرق الأوسط. ويبرز التقرير التحسن المسجل في مجال بعث المؤسسات والتشجيع على الاستثمار.
وعلى المستوى الاجتماعي يصنف برنامج الأمم المتحدة للتنمية تونس في المرتبة 89 عالميا متقدمة بمرتبتين على تصنيفها السابق.
ويبرز التقرير تحسنا نوعيا في هذا المجال مع التخفيض في نسبة الفقر بالمفهوم المالي حيث لا يتجاوز عدد السكان الذين يعيشون بأقل من 2 دولار نسبة 4.2 بالمائة.
كما تحتل تونس حسب الشركة الفرنسية لتامين التجارة الخارجية موقع البلد المشجع على الاستثمار.كما تمكنت من تحسين تصنيفها (ب. ب. ب ايجابي) الذي يعتبر تقييما لمدى قدرة البلدان المعنية على الإيفاء بتعهداتها من (ثابت) إلى (ايجابي).
3- المكاسب الإجتماعية:
واحد وخمسون سنة من المراهنة على الإنسان.. قد تكون تلك الميزة الفارقة.. والخاصية الأقرب إلى الموضوعية والإنصاف التي أبرزت تجربة الأعوام الواحد وخمسين التي مضت على نيل تونس السيادة والاستقلال من المستعمر الفرنسي... وهو حيز زمني لم تفتر فيه ـ على ما حدث من هزات وتحولات وتقلبات داخليا وخارجيا ـ مراهنة تونس على مواردها البشرية عامة وعلى شبابها بوجه الخصوص مقصدا وأداة لإدراك المنشود من النماء والتقدم.
ولا تعوز المتتبعين لتجربة تونس بمختلف تجلياتها وتفاصيلها الدلائل والمؤشرات التي تبرهن على أن الشباب الذي يمثل زهاء نصف الشعب التونسي ظل دوما على مدى أعوام نصف القرن الماضي في موقع القلب من هذا الرهان الذي تعددت وتنوعت وجوهه إحاطة ورعاية مادية ومعنوية وتأمينا لشروط الانخراط في مسيرة التحديث والتطوير الاقتصادي والمجتمعي.
وظل الشباب في قلب عملية التخطيط التنموي والسياسي الوطني التونسي إيمانا من القيادة بان الشباب يظل بما يتميز به من حماسة وتحفز وطموح قوة دفع حاسمة للسير بالبلاد إلى آفاق أعلى من النهوض العلمي والتقدم الاقتصادي والتطور الاجتماعي.
ويعد الرهان على قطاع التربية والتعليم الخيار المفتاح والعنوان الأبرز لرهان تونس المستقلة على شبابها إذ كرست توجهات الدولة الوليدة قبل واحد وخمسين سنة وعلى مدار ما تلاها من أعوام التعليم مجالا استراتيجيا ونزلته تشريعا وممارسة مرتبة الحق والواجب المكفول لكل طفل وطفلة تونسية... تعليم إجباري ومجاني يؤمن حظوظا متساوية للجميع ويفتح أمام الناشئة أبواب كسب المعارف وفرص الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي.
وقد كان من ثمار ذلك الرهان المتواصل الثابت على عهدي بورقيبة وبن علي أن أنبتت المدرسة التونسية.. المؤسسة والرمز.. تحولات مجتمعية جذرية وتغيرات نوعية.. أثرها العميق بات واضحا للعيان.. يلمسه الجميع من خلال الانحسار المطرد لظاهرة الأمية والارتفاع المتواصل للمستوى التعليمي للسكان وما تخرجه منظومة التعليم بمختلف مستوياتها من أجيال متعاقبة من حاملي الشهائد العلمية وأصحاب الكفاءات والمهارات الذين يسهمون اليوم في كل مواقع العمل وفي سائر ساحات الإنتاج المادية والمعرفية و في معركة التنمية والتحديث التي تخوضها تونس على درب توطيد مقومات الاستقلال والسيادة وتحقيق مطامح أجيال الحاضر والمستقبل.
ومن تجليات الوعي بالترابط الوثيق بين الاستقلال.. رمزا سياسيا وحضاريا من جهة والشباب.. عنوانا لطموح دائم إلى مزيد من المناعة الشاملة من جهة أخرى يسجل المتتبع لسياسة تونس مبادرة ذات مدلولات جليلة تمثلت في إقراره الاحتفال بصورة متزامنة بعيدي الاستقلال (20 مارس) والشباب (21 مارس).. وهي مبادرة تنبئ عن وعي عميق بأن الشباب يبقى محط الرهان لصون الاستقلال والسيادة الوطنية وبأن العناية بالشباب في كل مطامحه ومشاغله هو من قبيل الإيمان بأن الشباب المتمتع بحقوقه الواعي بواجباته المتمكن من أدوات الحداثة ومكاسبها وفتوحاتها المعرفية والعلمية والتكنولوجية يمثل أفضل ضمانة لتحصين الاستقلال وبناء المستقبل الأفضل.
وفي هذا الباب حفل الخطاب السياسي للقيادة التونسية بمقولات عميقة المدلولات تبرز هذا الترابط ومنها تأكيد سيادة الرئيس زين العابدين بن علي في خطاب ألقاه يوم 20 مارس 2004 في الذكرى الثامنة والأربعين لاستقلال تونس على أن "واجب الحفاظ على الاستقلال لا يقل مسؤولية عن نيله كما أن شرف العمل على دعمه وتعزيز مقوماته يضاهي شرف الكفاح من أجل الحصول عليه..". وهي مقولة تنطوي فضلا عن الإقرار بفضل تضحيات الأجيال السابقة أهمية الدور الحيوي الموكول لأجيال المستقبل في صيانة مكسب الاستقلال الذي يعتبر سيما في ظل تقلبات الفضاء العالمي معركة متواصلة ونضالا مستمرا لا يتوقف.
4- مكاسب المرأة التونسية:
ارتفعت نسبة النساء في الخطط الوظيفية العليا في الوظيفة العمومية بتونس من 14 بالمائة سنة 1988 إلى قرابة 23 بالمائة حاليا كما شهد حضورها في الحياة النشيطة تطورا هاما في العشرية الأخيرة حيث أصبحت تمثل ربع القوى الحية في البلاد وهو ما يعكس السياسة التي انتهجتها تونس بحرص من الرئيس زين العابدين بن علي الذي رسم ضمن برنامجه لتونس الغد هدفا للوصول بنسبة حضور المرأة في مواقع القرار والمسؤولية إلى 30 بالمائة مع موفى سنة 2009 .
وتستند هذه التوجهات إلى مرجعية أكدها الرئيس بن علي بالقول " إن من أقرب المكاسب إلى نفسي ما تمكنا من تحقيقه للمرأة التونسية حيث أن حقوق المرأ ة ببلادنا دخلت منعطفا نوعيا منذ التغيير ترسخت به مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص والشراكة بين المرأة والرجل في الحياة الخاصة والعامة وأصبحت المرأة التونسية اليوم طرفا فاعلا في مسيرة التنمية لا يستغنى عن دوره في بناء حاضر تونس ومستقبلها ".
و بالفعل فقد تجسمت أولى خطوات البرنامج الرئاسي لدعم حضور المرأة في مواقع القرار والمسؤولية في الترفيع من نسبة هذا الحضور ضمن السلطة التنفيذية خلال التحوير الوزاري الأخير عام 2005 إلى 15 بالمائة من مجموع أعضاء الحكومة شغلت بموجبه إمرتان منصب وزيرة و5 نساء منصب كاتبات دولة في مجالات حيوية وهامة .
وفي المجال التشريعي ارتفعت نسبة النساء النائبات في مجلس النواب (البرلمان) إلى 75 ، 22 بالمائة في الانتخابات التشريعية لسنة 2004 .

السياسة الخارجية التونسية
ديبلوماسية هادئة في خدمة قضايا الحق والعدل
إن تونس التي اختارت في عهد الرئيس بن علي بوعي وإدراك خيار تكامل وتشابك المصالح في سياستها الخارجية، لم تكتف بذلك، وإنما بقيت بين ثوابت الجغرافيا ومتغيرات التاريخ مشدودة إلى انتماءاتها الحضارية والثقافية، والى محيطها الجغرافي الإقليمي والقاري، تتحرك بإرادة واعية ومستقلة، وتؤدي رسالتها بكل التفاني والإخلاص، وتمارس دورها بمسؤولية، وواقعية.
وتتجلى هذه الثوابت في التمسك بميثاق الأمم المتحدة وما يتضمنه من مبادئ وقيم تخدم السلم والأمن والتفاهم بين الشعوب في إطار الشرعية الدولية التي لا تقبل سياسة الموازين المختلفة والمعاملة الانتقائية، وفي التأكيد على ضرورة استثمار كل الفرص السانحة لإحلال الحوار والتفاهم بدل التصادم والمجابهة، والعمل على تكريس قيم التسامح والاعتدال ونبذ كافة أشكال الانغلاق والتطرف.
وقد ساهمت الرؤية المتبصرة للرئيس بن علي في جعل السياسة الخارجية التونسية تواصل العطاء، منتصرة لقضايا الحق والعدالة، وفق سياسة متوازنة، سمتها التفتح ونظامها الاعتدال، وقيمها التسامح والتضامن وتشابك المصالح. وانطلاقا من هذه القيم السامية، مارست السياسة الخارجية التونسية دورها بمسؤولية ووعي، وفق مبادئ عامة معبرة عن مفهوم معين للعلاقات الدولية متدرجة من الكلي إلى الجزئي ، حيث تعددت مبادراتها، وتنوعت نجاحاتها، الأمر الذي مكنها من انتزاع اعتراف دولي بها مما رفع من رصيد تونس على مستوى المحافل الدولية.
وإذا كانت كثيرة هي المعطيات الدالة عن هذه الممارسة السياسية التي تحولت إلى سلوك يومي، فان ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أن تونس قد أدركت مبكرا أن التحولات العالمية الراهنة تقتضي إلى جانب تركيز نظام عالمي أكثر عدالة، إضفاء المزيد من النجاعة على مجلس الأمن في أداء مهامه، حيث لم تتردد لحظة في الدعوة إلى إصلاح هذا الهيكل الأممي، والمطالبة بتأمين حق الدول النامية في أن تكون شريكا في تحديد ملامح النظام العالمي الناشئ.
ولم تكتف بذلك، وإنما دعمت رؤيتها بمبادرة شجاعة ذات أبعاد إنسانية أطلقها الرئيس بن علي تتمثل في الدعوة إلى إحداث صندوق عالمي للتضامن التي لاقت تجاوبا دوليا واسعا توج في نهاية عام 2002 بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على إحداث هذا الصندوق.
ولاشك في أن مصادقة الأمم المتحدة على هذه المبادرة بأبعادها النبيلة التي من شانها إكساب العلاقات الدولية بعدا إنسانيا، إنما تعكس صواب النهج الذي تسير على هديه السياسة الخارجية التونسية بتوجيه من الرئيس زين العابدين بن علي ، وهي سياسة لا تخفي حرصها على الإسهام في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في العالم والتأسيس باستمرار للتقارب والتعايش وتكريس الحوار، والوفاق الدولي.
وبالتوازي مع هذه المبادرة التي شخصت بوضوح الوضع الذي يمر به العالم اليوم،وما يعانيه من عدم الاستقرار وتعدد بؤر التوتر والصراعات، وما تحتاجه البشرية في هذه الظروف، جاءت مبادرة أخرى لا تقل عنها أهمية تتمثل في المطالبة بعقد مؤتمر دولي يضع قواسم مشتركة لإرساء عقد أممي للسلم والتنمية من شأنه أن يحد من الهوة الفاصلة بين الدول المتقدمة والدول في طريق النمو ويخفف الشعور بالحرمان والإحباط لدى شعوب كثيرة.
وترافقت هذه المبادرة مع دعوة أخرى تجسد حرص السياسة الخارجية التونسية على الوفاق والتعايش الدولي كان لها كبير الأثر في فتح صفحة جديدة على مستوى العلاقات الدولية، وهي ترسيخ التفاهم والتفاعل الإيجابي بين الأديان والحضارات والثقافات وتكريس قيم الاعتدال والتسامح والتضامن بين الأفراد والمجموعات والشعوب وصولا إلى إرساء السلام والأمن والاستقرار.
واهتمام السياسة الخارجية التونسية بمسألة إرساء السلام والأمن لم يكن مجرد مواقف عابرة أملتها أحداث معينة، وإنما كان اهتماما مبدئيا ترجمته تونس على ارض الواقع من خلال مساهماتها المتعددة في أكثر من مهمة إنسانية وفي عمليات حفظ السلام عبر العالم، حيث قامت خلال السنوات الماضية بإرسال مئات من جنودها إلى كمبوديا وناميبيا والصومال ورواندا وبوراندي والكونغو لحفظ الأمن والسلام في هذه الدول وتجنيب شعوبها ويلات الحروب.
ولئن بدت هذه المبادرات التي سعت تونس إلى تجسيدها على ارض الواقع مهتمة بما هو عالمي، فان ذلك لا يعني أن السياسة الخارجية التونسية أغفلت ما هو إقليمي، أو تجاهلت ولو لحظة واحدة دوائر تحركها الأساسي، أي الدائرة المغاربية والدائرة العربية والدائرة المتوسطية والدائرة الإفريقية والدائرة الإسلامية، وغيرها من الدوائر الأخرى.




العلاقات التونسية-اليمنية:





إن العلاقات التونسية اليمنية تمتد إلى جذور التاريخ حيث أن جنود الجيوش الإسلامية التي كانت تحت إمرة القادة الأجلاء من الصحابة رضوان الله عليهم والتي كان لها السبق في فتح إفريقية، هي في معظمها قبائل من اليمن الشقيق يذكرها التاريخ وتدون بطولاتها ذاكرة الأدب الشعبي بالجنوب التونسي، الذي تعود أصوله إلى قبائل بني هلال اليمانية التي دخلت إفريقية، قادمة من صعيد مصر في أوائل القرن العاشر ميلادي، لتزيد في تدعيم ونسج الأصول المشتركة للشعبين الشقيقين التونسي واليمني. ولم يشذ مسار التاريخ الحديث عن مواصلة التواصل والتناصر بين تونس واليمن حيث أن علاقات البلدين لا تزال تستمد قوتها من المرجعية التاريخية المشتركة ومن وحدة المصير وتطابق الأهداف والتوجهات والتعلق بقيم الإعتدال والتسامح والحوار والإلتزام بقضايا الحق والعدل والسلم في العالم. وقد تجسمت هذه الرؤى وتدعمت في ظل تحول السابع من نوفمبر 1987 في تونس بقيادة فخامة الرئيس زين العابدين بن علي ، وتحقيق الوحدة اليمنية المباركة باليمن بالقيادة الحكيمة والرشيدة لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان قد زار تونس سنة 2000 والتقى بأخيه سيادة الرئيس بن علي.


وتشهد العلاقات التونسيّة- اليمنية خلال هذه الفترة نقلة نوعيّة، خاصّة على المستوى الاقتصادي والتجاري، حيث توجهت عناية الفاعلين الاقتصاديين من الجانبين سواء من الصناعيين، أو الشركات التجارية أو بيوت الخبرة ومكاتب الدراسات للاهتمام بالرفع من مستوى التبادل التجاري. كما تستقطب التجربة التونسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية اهتمام الأشقاء اليمنيين، لاسيما في مجالات التنمية البشرية، كالصحة، والتربية والتعليم، والشؤون الإجتماعية والعمل والصناعة والسياحة، والبيئة والنقل، والبنية التحتية والاتصالات وتقنية المعلومات والتكوين والتدريب الفني والسكن والطاقة.

كما سعى البلدان الشقيقان إلى تشجيع تبادل الزّيارات بين الجانبين و مساندة ترشّحات البلدين لمناصب دولية وتأمين مشاركة الطرفين في المسابقات الدولية التي تنظم في البلدين ومتابعة القرارات والنتّائج والبرامج التّي انبثقت عن الدّورة الأخيرة للّجنة المشتركة التونسيّة- اليمنيّة المنعقدة بصنعاء في أفريل 2005 وحث الجانبين التونسي واليمني لتفعيل بنودها وتوصياتها والتقدم في إعداد مشاريع اتفاقيات التعاون المقدمة في أوقات سابقة للاتفاق على صيغتها النهائية لتكون جاهزة خلال الدورة العاشرة القادمة للجنة التونسية-اليمنية المشتركة والبحث والتشاور لتوسيع مجالات التعاون في كافة المجالات المتصلة بالتنمية البشرية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وفي هذا الإطار، إستكمل الجانبان الإجراءات القانونية والترتيبية لوضع الإتفاقيات والقرارات حيز التطبيق وذلك بالمصادقة على مختلف نصوص الاتّفاقيّات والبرامج التّي تمّ التّوقيع عليها خلال الدّورة التّاسعة للّجنة المشتركة التونسيّة- اليمنيّة. وفي هذا السّياق، صادق الجانبان على:

1- برتوكول تعاون في مجال إدارة القضاء.
2- اتّفاق إطاري للتّعاون في مجالي الفلاحة والصّيد البحري،
3- البرنامج التنفيذي للتّعاون في مجال التّعليم العالي (2005-2007)،
4- البرنامج التنفيذي للتّعاون التّربوي (2005-2007)،
5- البرنامج التنفيذي للتّعاون السّياحي (2005-2007).
6- البرنامج التنفيذي لاتفاقية التعاون الفنّي بين مركز النّهوض بالصّادرات والمجلس الأعلى لتنمية الصّادرات اليمنيّة،
7- البرنامج التنفيذي للتعاون في مجال الشباب (2005- 2006)،
8- البرنامج التنفيذي للتّعاون في مجال الشؤون الدينيّة (2005-2007)،

كما صادقت تونس، في 27 مارس 2006، على الاتّفاقيّة القنصليّة المبرمة مع اليمن الشقيق في 17 جويلية 1992.



أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "الأخبار والتقارير"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
تحوُّلات كبرى تصنعها اليمن لصالح القضية الفلسطينية
يحيى علي نوري

عبدالباري طاهر.. رجل أحدثَ فارقاً في حياتنا
منال الشيباني

الوحدة اليمنية مكسب تاريخي عظيم
محمد سالم با رماده

مرحلة التصعيد الرابعة رَدٌّ على العدو الصهيوني الأمريكي
عبدالله صالح الحاج

مرحلة التصعيد الرابعة.. نُصْرَةً لغَزَّة
أحمد الزبيري

اليوم العالمي للعُمال.. تذكير بالتنمية والسلام
* عبدالسلام الدباء

التعايش أو الصدام ولا خيار ثالث
المستشار المحامي/ محمد علي الشاوش

عيد العمال.. حقيقة وفكرة في طريق الأجيال
المستشار/ جمال عبدالرحمن الحضرمي

هل تنجح الضغوط في تغيير السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية؟
د. طه حسين الهمداني

"إسرائيل" فوق القانون الدولي.. لماذا ؟!
طه العامري

صباحات لا تُنسى
شوقي شاهر

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)