موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


العثور على 3 مقابر جماعية جديدة في مجمع الشفاء - تنديد برلماني بالسياسات الأمريكية المتبعة في المنطقة - الأمين العام: الوحدة اليمنية ملك للشعب وعلينا إحباط المؤامرات التي تستهدفها - ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 34971 - رئيس المؤتمر: رحيل العلامة علي الواصل سيترك فراغاً كبيراً لا يعوّض - ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 34943 - طوفان بشري بصنعاء.. مع غزة حتى النصر - اليونيسف: تتوقع نفاد المخزونات الغذائية جنوب غزة خلال أيام - 143 دولة تدعم منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة - رئيس المؤتمر يعزي محمد اللوزي بوفاة والدته -
مقالات
الإثنين, 07-مايو-2012
الميثاق نت -   عبدالرحمن مراد -
من القضايا الشائكة في البنية الثقافية والمجتمعية اليمنية قضية الثنائية التاريخية بين القبيلة والسلطة والتي أصبحت تمتد لقرون من الزمان دون أن يحدث في مسارها أي تجديد أو تعمل القوى المدنية على تفكيك تلك البنى من أجل التمهيد للدولة المدنية الحديثة التي أصبحت مطلباً وطنياً، وإن حدث بعض النكوص في موقف «الاخوان المسلمين» منها الا أنها تظل خياراً وطنياً بعد أن بحّت حناجر المحتجين بها ومنها حناجر «الاخوان» أنفسهم، فلا مناص لهم منها وإن أضمروا نكرانها ورفضها.
وقبل الولوج الى مضمون الموضوع أود التذكير أننا كنا تحدثنا بالقول إن التغيير الحقيقي هو التغيير الثقافي ومادون ذلك أنما هو عبث لا طائل منه، لأنه لن يكون إلا وسيلة لإعادة إنتاج الماضي، وكل الثقافات التي هزمتها الحركات الثقافية التجديدية عبر التأريخ أعادت إنتاج نفسها في سياق الثقافات المنتصرة، فالإلغاء والفناء للثقافات لا يمكن أن يتحقق لأي قوة في الأرض..
ولا يمكن التعامل مع الثقافات إلا من خلال البعد التراكمي والتهذيب والتشذيب وإحداث الهزات العنيفة من داخلها بمنهجية تفكيكية ومنهجية مقارنة، مع قدر من الرؤى الحداثية والمناهج التغييرية وما سوى ذلك لن يكون قادراً إلا على مضاعفة المقاومة للجديد والمتغير، وهو الأمر الذي نلمسه في كتابات العديد من الكُتاب في الصحف السيارة، فالذين رأوا في الهدم طريقاً وحيداً للتغيير يعانون الآن هول الصدمة الارتدادية وهول النكوص النفسي، والذين رأوا أن لحظة سقوط النظام هي البساط السحري الذي سوف يطير بهم الى أرض الاحلام وقعوا تحت طائلة الهوس النفسي والشرود الذهني.
ومن هنا دعونا نعرج على المضمون الذي هدفتُ اليه من هذا الموضوع والمتمثل في ثنائية القبيلة والسلطة كإشكالية تأريخية لم تزل تشكل حضوراً حيوياً وفاعلاً في المشهد العام للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
فالثابت تأريخياً أن الدولة اليمنية القديمة كانت قائمة على تحالفات مجموعة من القبائل والعصبيات، وعندما يشعر أي فصيل من تلك التحالفات بالضرر أو الامتعاض ينفصل.. وقد تحدث التأريخ عن نشوء دويلات صغيرة في إطار الدولة المركزية الكبيرة، وثبوت ذلك في السياق التأريخي دلالة على ثقافة الندية والضدية التي شهدنا ملامحها في القرن الثالث الهجري في حركة الهيصم الحميري التي كانت التمهيد الأمثل لمشروع الملك علي ابن الفضل والمنصور ابن حوشب الذي كاد أن يشمل اليمن التأريخي كله.
ولعل فشل الإمام الهادي يحيى ابن الحسين في حملته الاولى المحددة تأريخياً بعام (268هـ) كان بسبب عدم إدراكه لذلك البعد الثقافي، إذ اضطر للعودة الى الرس بعد أن شعر بخذلان القبيلة له، وحين عاود الكرة عام (286هـ) كان مدركاً لذلك البعد، فأخذ البعد الثقافي بعداً تشريعياً أصبح من الخصائص التشريعية للمذهب الهادوي، فكان مبدأ الخروج على الحاكم الظالم وجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل امتداداً لثقافة الندية ورفض الضيم عند القبيلة، وشكل مثل ذلك أفقاً واسعاً تحركت فيه الثقافة التأريخية للقبيلة اليمنية.
وبقدرٍ من التأمل في المسار التأريخي نجد أن المناطق الجبلية بكل تعقيداتها ووعورة مسالكها لم يلن جانبها الا للسلطات التي كانت الاقرب الى طبيعتها وامتدادها الثقافي، ولذلك تحدث التأريخ عن مقاومتها للتيارات التي لا تلامس تلك الطبيعة وذلك الامتداد الثقافي.. ولعل الأقرب الى الذاكرة مقاومتها للتيار السني ونتائج صلح (دعان) الذي انتزعت من خلاله الحكم الذاتي لنفسها دليل قاطع على سيطرة الثقافة التأريخية وقدرتها على تحديد المآلات.. ولم تكن الدولة المتوكلية (1918-1962م) التي كانت امتداداً للدولة القاسمية منفصلة عن ذلك الواقع بل كانت تجسيداً أمثل لذلك الامتداد الثقافي التأريخي، إذ دلت حركات التمرد لقبيلة حاشد على ثنائية السلطة والقبيلة وجدليتهما الوجودية، وتبعاً لذلك فحاشد لم تذهب الى خيار الثورة في مطلع ستينيات القرن الماضي إلا حين شعرت باختلال تلك الثنائية وفقدانها لكثير من رموزها، كما أن الثورة لم يستقر حالها إلا حين أعادت القبيلة إنتاج نفسها في حركة (5 نوفمبر 67م) وعلى إثر ذلك تم التصالح وتقاسم السلطة في واقع لم يكن الا مضطرباً وقلقاً ظلت تشيع فيه الفوضى الى أن جاءت حركة (13 يونيو 74م) التي حاولت أن تبعث فيه روح الاستقرار والتنمية، فلم يطل عمرها بسبب محاولة الحركة فك الارتباط بين ثنائية السلطة والقبيلة، وحين جاءت سلطة (17 يوليو 78م) كانت تدرك تلك الثنائية فتماهت القبيلة في السلطة التشريعية وفي المؤسسة العسكرية وفي السلطة التنفيذية وظلت الدولة تراوح بين الحضور والغياب الى أن بلغت حالة الاحتقان ذروتها في احتجاجات 2011م التي حضرت فيها القبيلة بجناحيها الاجتماعي والعسكري في محاولة لحجز موقعها في خارطة المستقبل السياسية.
حملت تباشير 2011م ملامح ثورة تحديثية لم يفسدها إلا دخول القبيلة بجناحيها الاجتماعي والعسكري مما جعل المصطلح الثوري يفقد معناه وقيمته وتعامل معه المجتمع الاقليمي والدولي وفق مفهومه الأقرب «كأزمة سياسية».
ومع كل الارهاصات التي تركتها الاحداث في سماء اليمن خلال عام 2011م سيحدث متغير في جل المفاهيم بعد أن عملت حركة الاحتجاجات على تفكيك وتعرية القوى الأكثر تقليدية والأكثر استغراقاً في الفساد واستئثاراً بالثروة الوطنية، حيث دلت الدراسات أن 2% من إجمالي عام سكان اليمن هم المستفيدون من الثروة الوطنية، وهو الأمر الذي سيخلق وعياً مضاداً لن تكون غايته إلا تحقيق عدالة التوزيع وإعادة النظر في التشريعات القائمة بما يحقق عدالة انتقالية وعدالة اجتماعية واسعة النطاق، فالإعفاءات الجمركية والضريبية أصبح من المفترض أن تقف عند حدود المواطنة المتساوية، والشركات العملاقة التي تقتات من الثروة الوطنية مثل شركات بيع وتصدير النفط وشركات الاتصالات وشركات النقل والشركات المصنعة للمواد التحويلية وغيرها أصبح من المفترض أن تتحول الى شركات مساهمة لا يملك رأس المال منها الا ما نسبته (51%) من اجمالي عام رأس المال، وقوفاً عند حدود العدالة الاجتماعية، وخروجاً من وعي الغنيمة الى وعي الانتاج، ومثل ذلك يجب أن يحضر في شركات الاستثمار العقاري التي يقتصر نشاطها على المبدأ الربحي دون تحقيق أي منافع مجتمعية.
كما أنه من حق القبيلة أن تشارك في صناعة الفعل السياسي لكن من خلال المؤسسات المدنية ومن خلال العملية الديمقراطية والتماهي والتكيف مع قيم ومبادئ الدولة المدنية الحديثة، التي يجب أن يكون القانون فيها هو الفيصل، وعدالة التطبيق للقانون وتحقيق سيادته له مرجعيته في البنية الثقافية المجتمعية، فالعرف القبلي لم يكن حاضراً إلا حين غابت بدائله، والطبيعة اليمنية هي الأقرب الى التنظيم والانتظام، فالعرف في بعض قواعده كان ومايزال هو الأقرب الى قيم ومبادئ الدولة المدنية التي أبدع الانسان مكوناتها في عصور مختلفة من التأريخ.. وقضية الانسان منذ فجر التأريخ هي قضية حق وعدل ومساواة وشعور بالوجود وقضية حرية، ولم تكن صراعاتها الا بحثاً عن تلك القيم والمبادئ، وحين يشعر بها فهو بالضرورة الأقرب ميلاً الى السلم والحياة الآمنة والمستقرة.
إذاً يمكن أن يقال إن قضيتنا في هذه اللحظات التحولية هي إدراك الأبعاد التأريخية الثقافية والاجتماعية والتهذيب والتشذيب والبناء، ذلك أن الهدم يخلق كيانات مقاومة ومتصارعة، والبناء وتحديث المتراكم صناعة جديدة لمستقبل أجد يمتد من ماضيه ويتغاير عنه ويتفاعل مع لحظته.
ولعل من المفيد التذكير أن نزعة التسلط لإنسان الهضبة الشمالية والوسطى- والتي تمتد الى يريم حسب البردوني- يقابلها نزعة استقلال عند إنسان السهل الساحلي الذي يمتد من ميدي الى صرفيت بالمهرة، ذلك أن الثقافات التي تنازعت هذا الاطار الجغرافي كانت ثقافات متغايرة ومتضادة وذات نزعات ذاتية في هوياتها التأريخية المتناثرة، وكلها ذات منزع استقلالي بحت، وقد عمل الاستعمار على تغذية ذلك الشعور المتنامي بالاستقلالية في المحافظات الجنوبية وأيقظت حركة الاحتجاجات الهويات التأريخية في السهل والساحل في المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية، لذلك فالفيدرالية القائمة على التجانس الثقافي والهوية التأريخية هو الخيار الأمثل لتحقيق الدولة اليمنية الواحدة والمستقرة والقادرة على تحقيق الحياة الحرة والكريمة للإنسان اليمني وفق نمط لابد أن يكون يمنياً خالصاً لأن القوالب الجاهزة من النماذج العالمية لن يحقق استقراراً ولا عيشاً كريماً، وقراءة لتأريخ وفق منهجية الجدلية التأريخية سيخلق نظاماً موحداً له خصوصيته التي قد لا تشبه أي نموذج عالمي، وقدرات الانسان الابداعية والابتكارية لا تقف عند حد، والفكر الاسلامي أشمل من أن يكون محصوراً في بوتقة الجنس وحده..
وتخصيص الفكر الاسلامي هنا بالذكر لكونه هو واجهة الربيع العربي، إذ أننا لا نلمح جديداً في فقه ثوراته سوى القول بجواز مضاجعة الوداع، والقول إن المساواة تعني المثلية أي جواز زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وغير ذلك مما يطول سرده.
لقد كنا ننتظر من هذا الربيع العربي مشروعاً نهضوياً حضارياً يعيد الاعتبار لقيمنا الحضارية المندثرة لا مشروع مضاجعة الوداع الذي تمخض عنه الفكر «الاخواني» في مصر وقدمه كمشروع قانون الى البرلمان متجاوزاً كل القضايا الحضارية والمصيرية التي تنتظرها الأمة من خلال هذا الربيع.
ألم يكن الأجدر بـ«الاخوان» الاشتغال على القضايا الجوهرية التي تعيد الألق الحضاري وروح الإبداع والابتكار؟ فالأمة التي تحجرت قدراتها لا يمكنها أن تكون متفاعلة مع قضايا عصرها بل ستعيش حالة من الانفصال الحضاري، وحاشا أن يكون الاسلام بتلك النمطية التي نراها في القوى السياسية المتأسلمة في واقعنا.. ما يمكن التأكيد عليه أن المدنية الحديثة هي الخيار الأمثل الذي سوف يفجر الطاقات الابداعية ويعمل على توظيفها في النسق الحضاري المتجدد في المسار الجديد، والتفريط في ذلك الخيار نكوص حضاري لن تفيق الأمة منه الا بعد عقود من الزمان، والتأكيد على هذا الخيار في ملامح الدولة اليمنية الحديثة أصبح خياراً وطنياً، والتفريط فيه خيانة عظمى لأحلام الجماهير الغفيرة التي خرجت بحثاً عن الوجود والحق والعدل والمساواة.


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
تحوُّلات كبرى تصنعها اليمن لصالح القضية الفلسطينية
يحيى علي نوري

عبدالباري طاهر.. رجل أحدثَ فارقاً في حياتنا
منال الشيباني

الوحدة اليمنية مكسب تاريخي عظيم
محمد سالم با رماده

مرحلة التصعيد الرابعة رَدٌّ على العدو الصهيوني الأمريكي
عبدالله صالح الحاج

مرحلة التصعيد الرابعة.. نُصْرَةً لغَزَّة
أحمد الزبيري

اليوم العالمي للعُمال.. تذكير بالتنمية والسلام
* عبدالسلام الدباء

التعايش أو الصدام ولا خيار ثالث
المستشار المحامي/ محمد علي الشاوش

عيد العمال.. حقيقة وفكرة في طريق الأجيال
المستشار/ جمال عبدالرحمن الحضرمي

هل تنجح الضغوط في تغيير السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية؟
د. طه حسين الهمداني

"إسرائيل" فوق القانون الدولي.. لماذا ؟!
طه العامري

صباحات لا تُنسى
شوقي شاهر

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)