عبدالحفيظ الشرجبي -
< في أول اجتماع عقدته حكومة الوفاق الوطني طلب رئيس الحكومة من أعضاء حكومته بأن يمارسوا مهامهم «بروح الفريق الواحد» ويبتعدوا عن المناكفات والرواسب الماضوية وبما يكفل تكامل أدوارهم ويطوي صفحة المماحكات التي جبَّ التشكيل لحكومة الوفاق ما قبلها وصار الامر يقتضي استحضار الجميع للموضوعية وابتعادهم عن الاحكام القيمية المسبقة في سياق تعاطيهم مع القضايا المجتمعية وعلى مختلف الصُعد وبحيث يكون القانون هو المرجعية التي تحكم ذلك التعاطي.. وقد استبشر مجتمعنا اليمني خيراً بتلك التوجيهات، واعتبرها نقطة تحول غير مسبوقة تؤسس لمرحلة جديدة يُغلب فيه جميع أعضاء الحكومة وفي مقدمتهم رئيس الحكومة مصالح الوطن العليا على ما عداها من مصالح حزبية أو ذاتية أو أنانية وبما لا يلغي خصوصيات الأعضاء المشاركين في الحكومة، بقدر ما يفترض أن تستثمر تلك الخصوصيات لتوليد التنافس الجاد والبنَّاء في التنفيذ المجرد لبرنامج الحكومة ويكسب الاطراف المتوافقة قبولاً اجتماعياً ويرفد وزنهم بأرقام مضافة.
< لقد كان من المتوقع طبقاً لتوجيهاته تلك أن يكون أنموذجاً يحتذى به في سياق ممارساته لمهامه بروح الفريق الواحد من خلال ابتعاده عن تهميش طرف المؤتمر وحلفائه، بمجرد أن يبادر باتخاذ أي قرار أو توجيه حتى لا يضع نفسه في موقع الانحياز للطرف الآخر الممثل للمشترك ويثبت بالتالي بأن العمل بروح الفريق الواحد لا يشوبه أدنى حدود التناقض بين توجيهاته النظرية وتفرده عملياً باتخاذ إجراءات تتسم بالانحياز لطرف وتهميش الآخر عن اصدار القرارات من واقع تلاقح الآراء وبعيداً عن تحويل الطرف المستهدف بالتهميش الى أعضاء يتم قبولهم بما يُملى عليهم من قِبل رئيس الحكومة وكما لو كانوا طلاباً يؤدون امتحاناتهم «منازل» في مدرسة حكومة تعيد إنتاج النمط الشمولي وبمعايير مزدوجة لا تتسم بالمشروعية، وقد فوجئ الرأي العام ومن خلال العديد من المواقف والاجراءات بأن باسندوة «يُحكم» ولا يحكم، نظرياً يقود سفينة حكومة الوفاق الوطني، بينما عملياً يقودها بالإنابة عن أولياء نعمته الباع الطويل في اشعال فتيل الأزمة السياسية وهي التي أوصلته الى سدة الحكم المحكوم بتوجيهاتها، ما جعل توجيهاته تتحول من مطلب العمل «بروح الفريق الواحد» الى العمل «بروح الانتقام» وتصفية الحسابات و«على جرعات»، حيث ظل وكما رسم وخطط الانقلابيون له رئيساً لحكومة الوفاق النظري في آن واحد على الصعيد الاجرائي العملي، حيث دشن نضاله برد الجميل للناطق أو الحاكم بالإنابة عنه حميد الاحمر، بإصدار «فرمان» يقضي بإعفاء شركته «سبأ فون» من دفع الضرائب لخزينة بيت المسلمين والتي تقدر بمليارات الريالات، ناسياً -بحكم كهولته- بأن مثل ذلك الاجراء يُعرضه للمساءلة، بل ولا يفهم «الف باء» الوفاق الوطني الذي يستوجب تجسيده بتوافق كافة أعضاء الحكومة وإقرارهم بصوابية ذلك الإجراء الذي رفد الفساد بنظيره.. ثم إن رئيس نصف الحكومة قبيل إقرار الموازنة العامة قام العائد من «موقع المتقاعد» بتعاطي حبوب الشجاعة وهرول الى ساحة التدمير ومنح المعتصمين «براءة الصمود والرقود» وحثهم على البقاء في الساحة لتوتير التوترات وعدم الرضوخ «لاسقاط الخيام» ومثل هذا الموقف الهدام أعطى الضوء الأخضر لمليشيات الاصلاح لكي لا يتسرب اليأس الى نفوسهم أو يتبادر الشك في أوساطهم بأن القبول بحكومة الوفاق الوطني يعني سحب البساط من تحتهم أو النشل المكرر لاحتجاجاتهم أو بمعنى آخر أراد رئيس نصف الحكومة أن يقنعهم بأنه من موقعه يمثلهم ويقود بزمام الانقلابيين احتجاجاتهم لإسقاط النظام بدءاً برموزه من خلال التصعيد الاعلامي وأعضاء المؤتمر في العديد من المرافق ودون مسوغات تذكر بل وبالمخالفة السافرة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، مفترضاً أي «باسندوة» بأنه والمشاركين في حكومته من أعضاء المشترك سوف يجرون المؤتمر الى معترك يجر البلاد ويدخلها في حرب ضروس تلغي المبادرة وتقضي على التحولات التي تحققت وبزمن قياسي في عهد الزعيم علي عبدالله صالح وتحت وطأة تأثره بمقولة ماركسية مفادها: «إن الهدم أساس البناء» إلا أن محاولة تلك آلت للفشل لأن الاقصاء الممنهج لأعضاء المؤتمر يكسب تنظيمهم قبولاً اجتماعياً يرفده بإكسير الصمود والتماسك والالتفاف حول زعيمهم الصالح ولقناعتهم ايضاً بأن المرحلة القادمة ستشهد حواراً وطنياً وانتخابات برلمانية ورئاسية لا يرغب بها المشترك، ما جعل اعضاء المؤتمر يفكرون بعقل الوطن ويفوّتون الفرصة على من لا يرغبون بإفرازات الصندوق ليقبلوا بها صاغرين والعبرة كما يقال بالكيل.
وأخيراً نقول : أليس من حق الذين تم إقصاؤهم من أعمالهم دون مسوغ مقاضاة من كانوا وراء ذلك الاقصاء حتى لا يطال غيرهم؟