عبدالرحمن مراد -
(1)
< كنت قد تحدثت في موضوع سابق عن حجة كبلد آيل للسقوط ويبدو أن ثمة قوى تحاول أن تزرع ألغاماً محاولة منها للتسريع في انفجار الأوضاع بمحافظة حجة.
ثمة حقيقة يجب أن ندركها قبل الإقدام على أية خطوة لا تضع العواقب نصب عينيها وهي الحقيقة القائلة أن البلدان الأكثر هدوءاً هي الأعنف مواجهة والأكثر انتصاراً لذاتها، ويبدو أن الذين يحاولون تفجير الأوضاع في حجة هم أنفسهم من يحاولون زعزعة الاستقرار بين قبيلتي خولان وسنحان، وهم ذاتهم من يحاول أن يوجهوا الرياح وفق ما تمليه عليهم مصلحتهم اقتداءً بما يحصل في خارج النطاق الجغرافي الوطني ودون قراءة واعية لتفاعلات الواقع اليمني.
ثمة كيان سياسي يسعى ما وسعه الجهد إلى تفجير الاوضاع في حجة ويبدو أن الذين أشاروا على رئيس الجمهورية بتكليف اللجنة العسكرية لحل مشكلة تمكين محافظة حجة إنما أرادوا اشعال فتيل المواجهات، فالقضية في حجة بالغة التعقيد ولا يمكن حلها بالقوة فالقوة لن تكون نهجاً سليماً وصائباً لحل المشكل الظاهر في حجة وقد تكون سبباً مباشراً في تفتيت النسيج الاجتماعي وفي تغيير المعادلة السياسية الوطنية، فالحقائق التاريخية تؤكد مثل ذلك وقد سبق لنا الخوض في تفاصيل مثل تلك الحقائق في مقالات سابقة ولا أظن أن ما يحدث في حجة بعيداً عن الحلول السياسية والاجتماعية بيد أن الإرادة الصادقة والجادة لم تتوفر بعد ولو توفرت لكان الأمر قد حسمته المصلحة الوطنية دون حسابات ضيقة لأي طرف ودون إقصاء أو مصادرة لأحد.
لقد كان بالإمكان تكليف لجنة مدنية لدراسة الوضع في حجة وقراءة الأبعاد واقتراح الحلول للخروج من عنق الزجاجة او التفرغ لقضايا الاستهداف الخارجي الذي بدأ في توظيف كل إمكاناته لتصفية حساباته مع خصومه الافتراضيين في عالم السياسة والذين يتخذون من اليمن ساحة صراع.
زبدة القول أن حجة لا تحتاج الى قوة عسكرية ولا الى اللجنة العسكرية ولكنها بحاجة الى ساعة زمن واحدة لسماع آهاتها وأنينها.. ثم تنفرج كل عقد الأزمة القائمة هناك.. أقول ذلك وأنا أدرك تمام الإدراك ما أقول..؟
(2)
يبدو أن «الاخوان» وأعني الاخوان القدامى كالزنداني ومن شايعه لا همّ لهم إلا أن يصبحوا مرجعية دينية، وهو أمر ظلوا يسعون الى تحقيقه مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأخذهم وهم التمكين بعد حركة الاحتجاجات الاخيرة ليعلنوه بصراحة مطلقة ودون مواربة وكأن هيئة علماء الزنداني هي كل اليمن وكل العلماء وكل المذاهب ويبدو أن الاخوان في اليمن قد تماهوا مع الحالة المصرية غير مكترثين بحقائق الواقع اليمني ومعطياته الذي يتناقض مع الواقع المصري ولن يكون تكراراً له مثلما لم يكن تكراراً له في نتائج حركة الاحتجاجات الشعبية وما لم يستوعبه اخوان اليمن انهم كشفوا أوراقهم في وقت مبكر وعلى إثر ذلك فقد فقدوا كثيراً من التعاطف الشعبي كما أن هيئة الزنداني لم تعد بذات التأثير وبذات الهالة ذات الصبغة الدينية لثبوت اشتغالها بالسياسي على حساب الديني، لذلك فثيوقراطية الزنداني ستظل حلماً لكنه غير قابل للتحقق على الأقل في المدى المنظور.
(3)
وأنا أتأمل التاريخ الثوري منذ النصف الثاني للقرن الماضي ومآلات الجمهوريات العربية وجدت أن اليمن تملك النصيب الأكبر إن لم يكن الاوحد من الرؤساء السابقين وهي بادرة طيبة آمل أن تتحول الى بعد قيمي حقيقي وآمل أن يكون الاشتغال على مثل هذه الابعاد القيمية اشتغالاً ثقافياً حتى نتمكن من الخروج من وعي القائد البطل والاسطورة والمنقذ.
لقد أضاف الزعيم علي عبدالله صالح الرئيس السابق منجزاً تاريخياً الى سجل إنجازاته.. ما يلزمنا في فترة التحولات هذه هو قليل من الحكمة وكثير من الأخلاق في التعامل مع رموزنا التآريخيين لأننا نؤسس لمراحل جديدة نأمل أن تكون أكثر أخلاقاً وتقدماً.
(4)
في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م كتبت نصاً نثرياً نشرته بعض الصحف حينها أتمنى فيه رؤية علي عبدالله صالح مواطناً عادياً دون حراسة ودون هالات وركل ورفس ونخيط الحراسة وحين أصبح الرئيس علي عبدالله صالح مواطناً بعد تسليمه السلطة مطلع العام الحالي ذهبت مرات عدة الى بوابة داره، آملاً في تحقيق أمنية قديمة كتبتها ذات يوم فحالت دون الوصول اليه الحوائل وشعرت حينها أن اشكاليات السنوات الاخيرة التي عادةً ما تصاحب الزعماء التأريخيين قد انزاحت بالضرورة من الرئيس الى المواطن، لذلك فالتجدد أصبح مطلوباً حتى يصبح الزعيم أكثر قرباً من مواطنيه الذين فصلتهم عنه السلطة طوال عقود من الزمن، ولم يتملقوه في سنوات حكمه بل كانوا أكثر صدقاً وموضوعية وأكثر نقداً حباً لا كراهية، ولعل ما حدث في 2011م قد أومأ الى الكثير من أولئك وتمايز فيه الناس..
(5)
إن شريحة المثقفين والأدباء فئة وطنية ويبدو أن لا قيمة لها والا لما تم إغفالها من منظومة التمثيل والمشاركة في الحوار الوطني، هناك إشكالية في العلاقة بين المثقف والسياسي ولعلها الآن في هذا المخاض الوطني أكثر ظهوراً وأكثر بروزاً.
لا أظن اليمن ستكون بلداً متقدماً وحضارياً ما لم تصنع مبدعيها ومفكريها وتجلّ علماءها وتضع للبعد الثقافي خصوصية معينة وتعيد ترتيب العلاقة بين السياسي والمثقف بما يتوافق والابعاد الحضارية والعصرية.. غياب المثقف الحقيقي هو غياب للموضوعي والوطني في الحوار الوطني.