فيصل الصوفي -
هل مجلس النواب غير معني بالفضيحة الإنسانية المسماة « جثث مجهولة»؟ أشخاص قتلوا العام الماضي أثناء ما يسمى»الثورة»، وفي ظروف غامضة أودعت جثثهم مستشفى العلوم والتكنولوجيا ومشافي أخرى، والآن تساق إلى المقابر بالجملة.. لقد كنا معتادين من قبل على إعلان تصدره النيابة عن شخص واحد فقط قُتل في حادث مروري، وتنشر صورته لإعلام من لهم صلة به، ولا يدفن جثمانه كمجهول إلا بعد استيفاء كل الإجراءات القانونية، واليوم تدفن جثث بالجملة دون تحقيق أو إعلان كافٍ.
في الأيام القليلة الماضية قامت اللجنة التنظيمية لما يسمى الثورة الشبابية بدفن (12) جثة في العاصمة و(17) في تعز، وهناك جثث أخرى في الطريق قيل إنها تفوق الـ(150)، ويقولون إن تلك الجثث لأشخاص مجهولي الهوية، وقد كادوا يدفنون أخرى بدعوى أنها «مجهولة» ولم يَحُل دون ذلك سوى تعرف ذويها على هوية أصحابها قبل وقت قصير من زفها إلى القبور.. وإذا كان ضرب المثل مفيداً، فهناك أمثلة لأشخاص كانت جثثهم ستدفن باعتبارها لأشخاص مجهولي الهوية، ولم يَحُل دون ذلك سوى المصادفة، ونسوق هنا مثالين: الأول حالة الجندي محمد الدهمشي، كانت جثته ضمن جثث الأشخاص الذين قتلوا أثناء مواجهات العام الماضي، واعتبرتهم اللجنة التنظيمية بساحة التغيير مجهولي الهوية وقامت بدفن جثثهم بعد أن بقيت في ثلاجة مستشفى العلوم والتكنولوجيا أكثر من عام، وقد نشرت صورته ضمن تحقيق صحفي لموقع»مارب برس» حول الجثث المجهولة ما ساعد بعض قرابته في التعرف عليه، والغريب أن هذا الذي كتبت على جثته كلمة «مجهول» هو جندي في الفرقة الأولى مدرع، قتل في المواجهات التي جرت في جولة كنتاكي العام الماضي.. ولم تسأل عنه الفرقة الأولى..
أما الثاني فهو مصطفى عبدالسلام البحري، يقول والده عبدالسلام- العضو السابق في شورى حزب الإصلاح- إن جثة مصطفى الذي قتل مع نحو (50) آخرين جراء تفجير إحدى عمارات حميد الأحمر خلف الفرقة الأولى مدرع بحي النهضة في 24 مايو 2011م كتب عليها «مجهول»، وقال: فوجئت عندما شاهدت جثة ابني مكتوباً عليها «مجهول» مع أنهم يعرفون أدق التفاصيل عنه وعن أسرته، وكانوا قد سلموني وثائقه وملابسه دون انتقاص، وقال أيضاً: إن العمارة التي وقع فيها ذلك الانفجار هي الوحيدة التي حرص أصحابها على ترميمها دون غيرها من العمارات والمباني ما يعني أنهم تعمدوا طمس معالم الجريمة.. كيف يقال عن عشرات بل مئات الجثث إنها لأشخاص مجهولين بينما لم تتح فرص كافية لذويها للتعرف عليها، إن أقارب الجندي الدهمشي تعرفوا عليه بمجرد قيام موقع»مارب برس»بنشر صورته، وبقية من تسميهم اللجنة التنظيمية «مجهولي الهوية» كان ولا يزال بمقدور ذويهم التعرف عليهم لو نشرت صورهم في التلفزيون مثلاً.. هل يعلم مجلس النواب أن دفن قتلى بالعشرات بعد طمس آثار الجريمة جريمة إنسانية؟ إذا كان مجلس النواب لا يعلم أنها جريمة فها قد وصله الخبر، وإن كان يعلم بذلك فواجبه أن يشكل لجنة تحقيق في هذه الجريمة.. سوف يناقش ويقر مجلس النواب قريباً مشروع قانون العدالة الانتقالية، والعدالة تقتضي الكشف عن هؤلاء المجهولين الذين قتلوا في ظروف الأزمة التي يشملها القانون، فلا معنى للقانون ولا للعدالة الانتقالية إذا ظل أصحاب تلك الجثث «مجهولين» ولم يتم التعرف على ظروف قتلهم وإعادة الاعتبار لهم ولذويهم بما في ذلك التعويض المستحق.. والتعويض لا يكون لمجهول.