محمد علي عناش -
وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق تم إعداد المحاور المختلفة لمؤتمر الحوار الوطني، وكذا الضوابط والآليات التي تكفل سلامة الاجراءات وسلامة سير وانضباط الجلسات والمداولات والنقاشات وطرح الحلول والرؤى الوطنية لمجمل القضايا والمشاكل وفقاً لأولياتها الوطنية والمرحلية.. لتأتي قرارات ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني معبرة عن إرادة وتطلعات غالبية ابناء الشعب اليمني وطموحاته في التغيير وبناء الدولة المدنية، ولا يمكن الوصول الى هذه المخرجات إلا من خلال تفكير جميع المتحاورين بوعي المؤسسة والدولة والتنمية والأمن والاستقرار. إذاً لماذا قدم أمين عام الاصلاح محمد اليدومي استقالته؟: ولماذا قاطع حميد الأحمر وتوكل كرمان المؤتمر؟ ولماذا يتعمد البعض التغيب عن حضور الجلسات؟ المبررات التي يتذرع بها هؤلاء واهية وغير منطقية ولا تعبر إلا عن حالة إفلاس حقيقي أمام استحقاقات لحظة التغيير التاريخية التي سترسم ملامح اليمن الجديد من خلال إنجاح مؤتمر الحوار الوطني. الأمر متعلق في حقيقته بعقلية الوصاية الاصلاحية التي اصطدمت بإرادة واسعة للتغيير وبآليات وضوابط حوارية متقنة الإعداد، رأوا فيها أنها لن تمكنهم من السيطرة على أجواء الحوار وبالتالي التأثير على قراراته ومخرجاته المتعلقة بجميع المحاور وخاصة هيكلة الجيش والامن وشكل الدولة ونظام الحكم. معلوم أنه لا يوجد طرف بعينه يمثل أغلبية في قوام مؤتمر الحوار الوطني، ومع ذلك تبدو بعض قيادات الاصلاح السياسية والقبلية منزعجة، بل وتحاول تسميم أجواء الحوار الوطني وجره الى دائرة الاشخاص ومراوح الرجال، لا القضايا الوطنية المصيرية. إنها ثقافة الوصاية ونزعة السيطرة والاستحواذ التي لم تجد لها مجالاً متاحاً وملعباً واسعاً للتحرك فيه داخل مؤتمر الحوار الوطني، لذا يعمدون الى الإرباك وتسميم الاجواء بنقل مفردات وخطاب الأزمة الى داخل المؤتمر بالتوازي مع الممارسات والانتهاكات التي ترتكبها قوى الاصلاح خارج المؤتمر، بطرق وأدوات متعددة. حقيقةً.. إن مؤتمر الحوار الوطني وضع الجميع في محك حقيقي وأمام أمر واقع، فإما أن يرتفعوا الى مستوى المسؤولية التاريخية أمام الوطن والشعب وأمام استحقاقات لحظة التغيير، ويثبتوا مصداقيتهم ويترجموا تعهداتهم وخطاباتهم طوال فترة الأزمة، وإما سيضعون أنفسهم أمام المحكمة الشعبية كأعداء للتغيير وأعداء للوطن والشعب. يدرك الإصلاح هذا الأمر جيداً، لذا يبدو مرتبكاً وغير قادر على أن يتعاطى مع اللحظة بمصداقية لأنه لم يتعود طوال تجربته السياسية والحزبية أن يعيش بمصداقية وأن يقدم التنازلات وأن يخلص للمصلحة العامة ومصلحة البلد والامن والاستقرار، وإنما عاش تجربة انتهازية ونفعية في علاقاته وتحالفاته، ولا يتعامل إلا وفقاً لحسبة مدروسة وجاهزة، كم سيحقق من مكاسب وأين سيكون موقعه ودوره؟! لذا هو يخلص لنفسه وذاته بمختلف الوسائل والطرق، وعلى أكتاف الآخرين وتهميشهم وإقصائهم وبالقفز على منطق الأشياء والحقائق، كتوجه وممارسة وأسلوب في التفكير، كنتاج لإرادة غير بريئة وإنما إرادة مراوغة وذهنية تآمرية. تجربته مع بقية أحزاب اللقاء المشترك أكدت هذه المسألة، وتجربته في الساحات عززت هذه الحقيقة، كما أن أداء ممثليه في حكومة الوفاق الوطني عكست هذه الثقافة والذهنية القائمة على الوصاية والتربص والإقصاء والتآمر. فكل مؤتمري معتز بانتمائه هو لدى الاصلاح فاسد لابد من تغييره، إلا من حوَّل جلده أو أذعن ولبَّى مطالبهم ورغباتهم، من الملائكة وثوري من طراز جيفارا، وكل صوت اشتراكي معارض لتوجهاته كلفوا له الزنداني وجماعته لإصدار فتاوى تكفيره واتهامه بالإلحاد، أما شباب الصمود فمحظور عليهم أن يعبروا عن آرائهم أو القيام بالمسيرات المنددة بجرائم الاصلاح، وعلى جنود الفرقة الذراع العسكري التابع له أن يقوم بواجبه تجاههم حتى ولو بقتلهم وسفك دمائهم كما حصل الاسبوع الماضي في ساحة جامعة صنعاء. إننا أمام حالة غير حوارية ولا توافقية وإنما أمام حالة وصاية مقيتة يمارسها الاصلاح الذي أثبت أنه لا يبحث عن حلول ومعالجات وطنية بقدر ما يبحث عن متسع من الوقت كي يستكمل أخونة المؤسسات وجميع هياكل الدولة. وعليه.. فإن إرادة وأهداف الغالبية العظمى من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الذين ينحازون لإرادة التغيير وبناء الدولة المدنية وتجاوز هذا المنعطف الخطير الذي تمر به البلاد، تصطدم بإرادة وذهنية قوى الاصلاح المتربصة بمؤتمر الحوار الوطني كامتداد لتربصهم بالسلطة والحكم والثروة. نمط ثوري ثائر رفع شعارات التغيير ونادى بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية، كما أنه في نفس الوقت ألبس القائد علي محسن الأحمر في الساحات رداء الطهر والثورية والتاريخ النضالي الناصع، وها هو اليوم يقلده في كل أسبوع وسام الثورة ويمنحه رتبة رجل المرحلة، ويبارك تمرداته وتقطعاته وفساده. ابحثوا عن هذا الثائر كنمط في الثورة والمدنية والتفكير والسلوك، ستجدونه تياراً واسعاً يبدأ من واشنطن بمنير الماوري ولا ينتهي بجرادي الأهالي.. اكتشفوا فيهم مشكلة وطن وتعثر مرحلة..