محمد علي الجعاشي # - يلتقي المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني في قاعاتهم المغلقة ليلتحق كل بفريق عمله في واحدة من الفرق او القضايا التسع وفي المقدمة القضية الجنوبية، وذلك بعد أن شاهد الجميع واستمع خلال الأسبوعيين الماضيين الى الخطابات والبيانات التي القاها المشاركون في المؤتمر وافرغ كل واحد ما في جعبته من بديع القول والبيان، وازالة ما في الرؤوس والنفوس من انتفاخ واحتقان، بكل حرية وديمقراطية وشفافية، بحيث لم يعترض على احد ولم يقاطع احد على ما يقوله الشخص وترك لكل واحد أن يفرغ شحناته وكبته بما فاق حتى ما يقال في (الهايد بارك) من اجل ان تهدأ النفوس وتجبر الخواطر، ولكي يعلم الجميع ان هذا مؤتمر الشعب ومن اجله انعقد، يقول الانسان المشارك فيه ما يريد لما فيه مصلحة الشعب وليس من اجل المصلحة الفردية والحزبية الضيقة، إنه مؤتمر ال25 مليون يمني وليس 565 مندوبا فقط.
ومن منطلق الحرص وحسب ما اعلنته امانة مؤتمر الحوار أنه بأمكان أي شخص أن يدلي برأيه وافكاره ومقترحاته من اجل اثراء المؤتمر باعتباره نائبا لكل الشعب، ومن هنا يتوجب على كل مواطن أن يدلي برأيه في هذا الوقت المهم والمصيري والحاسم وعبر كافة الوسائل المتاحة وستصل بالتالي الى امانة المؤتمر، والمؤتمر نفسه، وستؤخذ بعين الاعتبار والاهتمام وهذا ما نرجوه ونأمله.
وكمغترب عاش خارج الوطن متنقلا بين الفيافي والمرافي والمطارات والقطارات، للأمانة اقول فقد وجدت خلال ترحالي كل احترام وتقدير في كل بلد احل بها او احط رحالي عندها، ذلك لأني اضع نصب عيني مقولة (احترم تُحترم) واجد من المقابل الأحترام والادب نفسه، بل وربما فاقني ادبا واحتراما، خصوصا عندما يعلم من ألتقيه انني من موطن العروبة الاول، وممن حمل اجدادهم راية الدعوة والجهاد في غابر الازمان والعصور .
ولم اجد نفسي غريبا الا في مسقط رأسي، ليس بالمقاييس المادية ولكن لأتساع المسافة في الرؤى وفيما نفكر فيه،ليس من باب التعالي- عياذا بالله- ولكن من قبيل الحزن الذي اشعر به جراء بقاء الغالبية عند هذا المستوى من العزلة والجهل والتخلف وشظف العيش وقساوة الحياة، فأجد نفسي مثقل بالهم والشعور بوخز الضمير لأني لا استطيع أن اقدم لهم ما يريدون وما يحلمون به من تعليم وصحة وطرق وكهرباء ومياه أبسطها مياه الشرب وهو فوق مقدوري، فذلك من اختصاص السلطات وجهات الاختصاص، وهو أمر بات اليوم في ملعب مؤتمر الحوار الوطني الذي اصبح من واجبه بحث كل تلك الامور وايصال كافة الخدمات الى كل مواطن في أيّة بقعة من ارض الجمهورية.
لذلك أجدها فرصة اليوم بأن يندرج موضوعي هذا تحت عنوان او بند ما سمي بالتنمية المستدامة والشاملة والتي وردت من ضمن المواضيع او القضايا التسع التي يناقشها مؤتمر الحوار الوطني لأضع امامهم مقترحين هما من الاهمية بمكان والذي أمل أن يندرجا ضمن المخرجات التي سيتمخض عنها مؤتمر الحوار، وهما مشكلة القات وازمة المياه، فالقات وجوده يرتبط اربتاطا عضويا ووثيقا بوجود الماء بل وتهدر الكثير من المياه في سقيه وزراعته، أما مشكلة المياه فإنها تتفاقم يوماً بعد اخر وتريد حلا عاجلا وملحا، فبعد أن عمت البلاد أشهر من الجفاف نضبت فيها حتى ابار مياه الشرب التي كانت تزود الناس بالمياه اللازمة الضروية للشرب خصوصا في الارياف، لذلك فإننا نستطيع ان نسميه بأم (المصايب) فقد بات داء ينخر في الجسد اليمني من جميع النواحي المادية والصحية والنفسية، وهذا ما نريده اليوم من مؤتمر الحوار بأن يولي هذه المسألة جل عنايته واهتمامه، إذ أن معظم المشاكل واغلبها تأتي بسبب هذه النبته (المضرة) والتي تسبب كثيرا من الامراض وعلى وجه الخصوص امراض السرطان بسبب المواد الكيماوية التي تنثر على اغصانه كي تنمو سريعا فتتسرب هذه المواد الكيماوية الى جسم الانسان عند مضغه للقات فينتج عن ذلك سرطانات لا حصر لها سواء في الدم او معدة الانسان او في اسنانه وفمه الخ.. كذلك ما يسببه من نزاعات وخصومات بين الناس لأن متعاطي القات يحلم كثيرا وعندما يعود الى الحقيقة يصطدم بالواقع المرير مما يتسبب معه للشخص المتعاطي ان يفتعل ويختلق الخصومات والمشاكل حتى مع أهله واسرته، وهو كذلك مسبب رئيسي للفقر ايضا بأهدار المال في شرائه وتعاطيه وحرمان الانسان لنفسه واسرته من التغذية الجيدة واهدار معظم دخله او كله من اجل شراء اوراق القات، وهو ما يعد سفها واشبه باللغة، وعليه نأمل من المؤتمر البحث عن بدائل لهذه المادة بالتشجيع على زراعة الاشجار البديلة للقات كزراعة البن واشجار الفاكهة واشجار اللوز والخضروات ودفع اعانات مالية لمن يقلع اشجار القات في الخمس السنوات الاولى حتى تصبح الاشجار البديلة تعطي ثمارها وتبدأ في تحقيق عائد اقتصادي لزارعها وللبلد ككل، عند ذلك سوف يحقق البلد استثمارا جيدا وعائدا سواء على مستوى ميزان المدفوعات التجاري بجلب عملة صعبة للبلد جراء تصدير الفواكه والخضروات والبن وتوظيف تلك العوائد في استثمارات وصناعات ونهوض اقتصادي وعمراني، او تشغيل عدد كبير من الايادي العاملة وامتصاص البطالة في البلد الخ..
ويتلخص مقترحي في انشاء هيئة وطنية تسمى (الهيئة الوطنية لمكافحة تعاطي وزراعة القات)وانشاء صندوق يتم من خلاله شراء البذور والمشاتل للأشجار البديلة التي ستزرع مكان القات وبما يتناسب ومع التربة ومع الكيفية والكم بحيث يعطي محصولا وعائدا سنويا لصاحب الارض بما يوازي عائد القات الذي كان يحصل عليه من ارضه ودفع دعم سنوي لمن استبدل القات حتى يبدأ الحصول على عائد اقتصادي من الاشجار البديلة، وعلى أن يكون من مهام هذه الهيئة نشر المراكز الثقافية والاندية الرياضية في جميع المدن والمحافظات والتوعية بأضرار القات ويضاف اليه الدخان ايضا، واقامة المكتبات العامة في كل المدن وتزويدها بالكتب الثقافية والتاريخية والدينية الخ..مع انشاء قاعة مجهزة بالكمبيوتر وشبكة النت من اجل الدراسة والبحث مما سيمكن الغالبية من الناس بأن يقضوا اوقات فراغهم فيها بعيدا عن مقايل القات لخلق جو جديد يمكن أن يعتادوا عليه مع مرور الوقت وبالتالي الاقلاع عن تعاطي القات ومسحه من اذهانهم وعقولهم ومن ذاكراتهم ايضا.
ثانيا: إنشاء وزارة خاصة تسمى(وزارة المياه والري) مستقلة عن وزارة الزراعة، وتعنى بالمياه من حيث حماية مصادرها،وحماية الاحواض الجوفية من الأستنزاف وارشاد المزارعين عن كيفية استخدام انظمة ري حديثة باستخدام التقطير على قدر الحاجة مما يساعد على التوسع في الرقعة الزراعية وبالتالي نحقيق الوفر في كمية المحصول، والابتعاد عن الري بطريقة الغمر التي تهدر كمية المياه بدون عائد مجزى.
ومن مهام هذه الوزارة ايضا البحث عن مصادر مياه جديدة بانشاء وبناء السدود لأستيعاب مياه الامطار والسيول الساقطة من الجبال بإنشاء احواض وسدود وكواريف لاحتوائها بدلا من ان تذهب هدرا إما الى البحار واما ان تتبخر وإما ان تتسرب في تربة لا يستفاد منها، وهذه السدود والاحواض سوف يستفاد منها من كافة النواحي، لتوفير مياه للشرب بإقامة محطات تنقية وتصفية لها وكذلك لسقي الزراعة والماشية تحت اشراف وادارة جهاز متخصص لمثل تلك الامور، أما وزارة الزراعة فيبقى اختصاصها العناية بالتربة وخصوبتها وحمايتها من السموم وتوفير البذور المحسنة والشتلات ورسم الخرائط الجغرافية للأراضي الزراعية ومحاصيلها وانواعها الخ..
فاليمن ليس فيها انهار ولا بحيرات مياه ولكن الله حباها وعوضها عن ذلك بأن وفر لها الرياح الموسمية الصيفية المشبعة بالمياه الآتية من البحر الأحمر وبحر الهند طوال ستة اشهر من السنة بما فيها اشهر الصيف فتسقط هذه الامطار على معظم انحاء اليمن فتسيل بذلك الجبال والشعاب والأودية بالسيول فتشرب الارض والانسان، ولو استغلت كما قلنا مساقط تلك السيول بإقامة السدود والاحواض والكواريف من اجل حجز المياه في طول اليمن وعرضها لأصبح اليمن غنيا وبلدا زراعيا تتوفر فيه كافة المحاصيل الزراعية وتحقق له الاكتفاء الذاتي من القمح والحبوب والخضروات والفواكه بل واصبح مصدرا لها، وعم الرخاء والازدهار كافة انحاء اليمن من الزراعة والمياه فقط، ناهيك عن الثروات الاخرى المعدنية والبترولية والغازية المكتشفة وغير المكتشفة،وهذا ما نعول عليه من مؤتمر الحوار أن يولي هذه المسائل المذكورة (المياه) و(القات)كل اهتمامه ودراسته وبحثه واصدار بحث خاص بالمياه والزام الحكومات المستقبلية بتنفيذ كافة التوصيات والقرارات الخاصة بذلك، لأن موضوع المياه جد خطير وهام وملح وعاجل، فلا يمكن لأنسان اوحيوان او نبات أن يعيش بدون الماء.
هذا ما اردت ان اوجزه بخصوص موضوعي المياه والقات والفت نظر المؤتمرين اليه، عسى ان اكون قد ادليت بدلوي في قضية تؤرق الجميع وتهم الوطن وقلت حقا براءة للذمة، قال تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
آمل وارجو من مؤتمر الحوار الوطني الشامل تبني المقترحين السابقين وتزكيتهما بحيث يدرجان على طاولة البحث ويتضمنهما التقرير النهائي لمخرجات الحوار، في اطار البند الخاص بهما (التنمية المستدامة والشامل).
والله الهادي الى سواء السبيل.
# كاتب يمني مغترب في المملكة العربيةالسعودية.
|