سمير النمر -
لاشك أن الاحداث التي مرت بها البلاد خلال العامين الماضيين قد وضعت المؤتمر الشعبي العام أمام امتحان صعب وعسير لتجاوز هذه العاصفة التي كادت أن تقتلعه من جذوره.. وقد راهن الكثير من خصوم المؤتمر على انهياره واختفائه من المشهد السياسي اليمني نهائياً إلاّ أن ثبات المؤتمر الشعبي العام وصموده أفشل كل الرهانات والمحاولات التي سعت الى اجتثاثه واستئصاله من الخارطة السياسية في اليمن، ولهذا فإنني أجزم بأن المؤتمر ما كان له أن يصمد هذا الصمود لولا المساندة والاجماع الشعبي من قبل أعضاء وكوادر وأنصار المؤتمر في كل سهل وجبل وقرية ومدينة والذين تقاطروا الى الساحات والميادين شعثاً غبراً حباً لهذا الوطن ودفاعاً عنه ضد كل المؤامرات التي تستهدف أمنه واستقراره ووحدته وسيادته الوطنية، ضاربين أروع الأمثلة في الثبات والصمود والوفاء للمؤتمر وللوطن دون أن ينتظروا جزاءً أو شكوراً من أحد، لأن حب الوطن والحفاظ عليه هو غايتهم وجزاؤهم الذي ينتظرونه. أما القوى الانتهازية والفاسدة التي اندست الى المؤتمر فقد تهاووا وسقطوا في أول منعطف كما تتساقط أوراق الخريف، فمنهم من قفز الى الضفة الأخرى أملاً في النجاة ومنهم من التزم الصمت وتوارى عن المشهد متوجساً ومترقباً وخائفاً، ومنهم من لا يزال داخل المؤتمر ينخر في صفوفه من الداخل الى حد الآن، ومع ذلك فلابد من الوقوف إجلالاً وإكباراً وشكراً لأصحاب المواقف الوطنية والتنظيمية للكثير من قيادات المؤتمر الوطنية الذين لا يقبلون المكوث في المنطقة الرمادية ولم يساوموا في مواقفهم تجاه الكثير من القضايا الوطنية، فهؤلاء هم الصادقون والمخلصون ويستحقون منا كل الشكر والتقدير والعرفان نظير هذه المواقف البطولية التي سطروها بأحرف من نور في ملحمة العشق الخالد لتراب الوطن ورحابه الطاهرة، أما الذين يعشقون العيش في المنطقة الرمادية فإنهم يشكلون عبئاً كبيراً على المؤتمر والوطن ويسيئون اليه بشكل كبير وقد حان الوقت لضرورة تحديد مواقفهم ومغادرة المنطقة الرمادية أو مغادرة المؤتمر نهائياً، لأن الأيادي المرتعشة لا تقوى على البناء.. ومن هنا لابد من الإشارة الى سلبيات المؤتمر الشعبي العام سواءً على المستوى التنظيمي أو المستوى السياسي والوطني والتي تتطلب منه تحديد موقفه بصورة واضحة تجاه عدد من القضايا الوطنية والمتعلقة بسيادة الوطن وأمنه واستقراره.. ولاشك أن عدم تحديد مواقف واضحة تجاه عدد من القضايا سيؤثر بشكل سلبي على تدني شعبية المؤتمر في أوساطه الجماهيرية المخلصة ويوسع الهوة بين القاعدة والقيادة بشكل كبير نتيجة لانتهاج مثل هذه السياسة الضبابية دون أن نعلم ما هي المبررات والدواعي لمثل هذه السياسة، فقد كنا نعتقد ومازلنا أن التجربة العصيبة والمرة التي مر بها المؤتمر الشعبي العام خلال العامين الماضيين لهي كفيلة بتلقين المؤتمر دروساً كثيرة لابد من الاستفادة منها في التعاطي مع القضايا الوطنية والتنظيمية، وهذه التجربة تحتم على المؤتمر مراجعة الكثير من سياساته وحساباته على مختلف الأصعدة ورغم إدراكنا لاستيعاب المؤتمر للكثير من الدروس واقتناعه بضرورة التخلص من الرواسب والسياسات الخاطئة التي انتهجها في الماضي الا أن هناك الكثير من علامات الاستفهام التي لا نجد لها تفسيراً بسبب استمرار المؤتمر بنفس الأساليب القديمة وكأنه مازال يتعامل بعقلية السلطة رغم تخلصه من أعبائها التي كانت تتحكم في سياسة الحزب وتجعله خاضعاً لحساباتها، فالأداء التنظيمي في المؤتمر يعاني من ركود كبير على المستوى المركزي أو على مستوى المحافظات كما أن هناك عناصر مازالت تمارس الإقصاء والتهميش للقوى الشابة والفاعلة والقادرة على تحريك البرك الآسنة التي أصبحت بمثابة المناخ الخصب لتكاثر الطفيليات التنظيمية التي خلفت وتخلف الكثير من الآثار السلبية على حركة المؤتمر وديناميكيته، وأعتقد أن استمرار بعض قيادات المؤتمر بنفس العقلية القديمة وعدم إدراكها وتفاعلها مع التحولات والمعطيات الجديدة التي أفرزتها الاحداث على البلد على المستوى السياسي والوطني لهو كفيل بتوسيع الهوة بين قيادة المؤتمر وقاعدته الشعبية ونخبه الشبابية والثقافية القادرة على تحريك المياه الآسنة. وهذا الأمر لابد من إدراكه وأخذه بعين الاعتبار، فالمؤتمر الشعبي العام ليس بحاجة الى تعزيز وتكريس مبدأ الصنمية السياسية وإنما هو بحاجة الى العمل بشكل مؤسسي ومهني قائم على احترام الكفاءات وتوظيف الطاقات بما يساعد على تطوير أداء التنظيم بصورة إيجابية بعيداً عن المجاملات والمحسوبيات والعلاقات الشخصية. ونأمل أن يتوقف هذا المسلسل التدميري الذي ينخر في التنظيم من الداخل ويحمل بذور انهياره.. ويتاح المجال للقوى الفاعلة في المؤتمر لتواصل مسيرة التنظيم والعمل على خلق مناخات جديدة تمكنهم من العطاء والبذل اللامحدود بما يعود على الوطن بالنفع والفائدة ويحقق طموح أبناء شعبنا..