محمد علي عناش -

< على الرغم مما تمر به البلاد من ظروف سيئة وأزمات خانقة وعاصفة سياسية هوجاء زعزعت الأمن والاستقرار، وخلخلت قيم الانتماء والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية وكرست ثقافة الكراهية والتطرف والارهاب، وثقافة الفيد والحروب وغريزة التدمير والفوضى الاجتماعية والانتهازية السياسية. من المؤكد أن الفساد هو الفاعل الرئيسي في التأزيم الراهن وفي تمييع اللحظة مايزال يعيش في قلب الأزمة وأساطينه ودهاقنته مازالوا ينهبون مقدرات الوطن وخيراته، مستغلين حالة الفراغ والفوضى التي تسببوا فيها بتحالفهم مع القوى الانتهازية والنفعية من مراكز النفوذ. الفساد داء ومرض منهك في جسد الدولة والنظام الراهن، لم تتمكن لحظة التغيير من محاصرته وتحجيمه لأن الشعور الوطني والإحساس بالمسؤولية مفقود، لذا لم يهتز للفاسدين جفن ولم ينبض لديهم ضمير حي، بل زاد شرههم وجرأتهم وخاصة وقد أصبح لديهم غطاء واسع من الفساد السياسي المنظم من قبل القوى السياسية ومن قبل حكومة الوفاق الوطني التي أصبحت بمثابة الرأس في حلف الفساد ومنظومته العنكبوتية. ففي ظل هذه الحكومة المترهلة والفاشلة لم يقف الفساد عند سقف معين بل لقد وصل الى أعلى مستوياته وبلغة المليارات المهولة التي تهدر وتنهب عيني عينك يساهم الاحتقان السياسي في تمييعها والتغاضي عنها. الفساد غول يلتهم مقدرات وإمكانات البلد، ويلتهم معها أحلام وتطلعات الملايين من أبناء الشعب اليمني، ليس هذا فحسب، بل ويحدث جراحات غائرة في المجتمع وعاهات وإعاقات مستديمة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي، عندما يغدو الفساد مصدراً لسعادة وثراء المئات على حساب بؤس وشقاء الملايين.. وعندما يغدو أداة لبناء القصور على حساب بناء مراكز ووحدات غسيل الكلى وأورام السرطان وأمراض القلب.. الآثار والنتائج السلبية والكارثية التي يخلفها الفساد ليس لها حدود، تطال كل شيء حتى القيم والأخلاق تنهار في حضرة الفساد وتنتشر الجريمة في البيئات المسحوقة التي سلبها الفساد حقوقها وتعليمها وتنميتها وكرامتها.. غير أن الفساد يغدو أكثر قبحاً وأكثر بشاعة عندما يُرتكب تحت غطاء سياسي وإعلامي فاسد، ويُحمى من قبل مراكز قوى قبلية وعسكرية وحزبية. هذا هو فساد اليوم الذي صار ظاهرة رسمية وصار جزءاً أصيلاً في تركيبة اللحظة الفوضوية التي تتمسك بها بعض القوى الفاسدة والانتهازية ولا تريد مغادرتها الى لحظة وطنية حقيقية تصنع مستقبل بلد وشعب بالكامل لا مستقبل أفراد وجماعات.. يصير أكثر قبحاً عندما يحاط الفساد والمفسدون بهالة من القدسية والشعارات الثورية، وعندما تغدو لحظة التغيير تقاوم بشدة من قبل قوى فاسدة في الميدان وثورية في الإعلام.. نقول هذا الكلام وبين أيدينا تقارير كارثية عن حجم الفساد والذي يحدث في منفذ حرض، وحرض كما هو معروف ليست فقط بلاد الإنس والجن والملائكة وأهم ترانزيت بري لتهريب المخدرات والأطفال واللاجئين، بل هي أيضاً حلم كل مواطن وكل جندي يريدأن يبني مسكناً ويشتري سيارة في أقل من سنة، هي حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، ولكن بلغة المليارات ومئات الملايين التي تضل طريقها الى خزينة الدولة، وإنما الى جيوب وكروش كبار مفسدي البلد.. تقرير اللجنة المكلفة من قبل محافظ حجة اللواء/ علي بن علي القيسي برئاسة الشيخ محمد صبار الجماعي عضو المجلس المحلي بالمحافظة للاطلاع على سير العمل في منفذ حرض وتقديم الرؤى والتصورات لتطوير آلية عمله، كشف عن فضائح فساد بالمليارات نتيجة للتلاعب في تحصيل الرسوم المتعددة والتلاعب والغش في الكشف والتأشير على حمولات البضائع، كما تكلم عن حكاية يوم الخميس الذي هو يوم عطلة رسمية بالنسبة للموظفين تجف فيه الاقلام وتطوى فيه الصحف، الا أن الجيوب لا تطوى والكشف والتأشير على البضائع لا يتوقف لكن خارج كل السجلات والقسائم والاستمارات. كان الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح قد استشعر بأحقية محافظة حجة لرسوم «التربتك» فوجه بتوريد 50% من عائدتها لصالح موازنة البرنامج الاستثماري للمحافظة الا أن هناك من وقفوا حائلاً وسداً منيعاً دون تنفيذ ذلك. ثم وجه الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية بأن تورد رسوم «التربتك» الى ح/ موازنة البرنامج الاستثماري للمحافظة ضمن الخطة الاستثنائية التي وجه باعتمادها استشعاراً وتقديراً منه لحالة التهميش والحرمان الذي عانت وتعاني منه المحافظة ولكون مثل هذه الرسوم في جميع تشريعات وقوانين العالم تُحصَّل بغرض تطوير وتحسين المكان الذي تُحصَّل فيه، الا أن هناك من يقفون مرة أخرى حائلاً دون التنفيذ، وأداتهم في ذلك وزير المالية صخر الوجيه الذي يعيش حالياً في حالة اشتباك ومواجهة مع قيادات وأبناء محافظة حجة جراء رفضه تنفيذ الخطة الاستثنائية وتجميده لمشاريع المحافظة.. تقرير اللجنة أثار لغطاً سياسياً كبيراً وصل الى حد الاتهامات المتبادلة لمحاولات الاغتيال بين الشيخ محمد صبار الجماعي رئيس اللجنة وبين مدير الجمرك المدعوم بكتيبة من جنود الفرقة. غير أن تقرير لجنة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والتي كلفت لنفس الغرض والمهمة، عززت وأكدت ما ورد في لجنة المحافظة وكشفت كيف تعامل معها مدير الجمرك وكأنه سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية للمحافظة. من المؤكد أن قضية الفساد من القضايا الرئيسية المطروحة على طاولة مؤتمر الحوار الوطني، ومن المؤكد أيضاً أن المؤتمر لن يغفل منفذ حرض ولن يتركه إقطاعية لمراكز قوى حزبية وعسكرية نافذة، كون منفذ حرض بؤرة من بؤر الفساد الكبير الذي يتطلب الأمر إنهاءه وتجفيفه.