د.علي العثربي -
< عندما يدور الحديث العلمي عن الدولة اليمنية يجب أن يكون حديثاً موضوعياً متأنياً بعيداً عن العاطفة والرغبات الشخصية، وينبغي أن يتضمن طرح الموضوع ببعد استراتيجي يضمن مستقبل أجيال اليمن، ويعبر بجدية عن الطموح الذي ينبغي أن يسود خلال المرحلة المقبلة التي يفترض فيها الاتجاه الحقيقي نحو بناء القوة القوية للجمهورية اليمنية كونها استطاعت أن تأخذ مكانة محددة لها شأنها في العلاقات الدولية، وكانت الدول اليمنية القديمة الثلاث قد أخذت هذه المكانة قولاً وعملاً، وهذه الدول هي الدولة المعينية والدولة السبئية والدولة الحميرية، ولا أجد نفسي مضطراً الى التذكير بذلك التاريخ العريق الضارب بجذوره في أعماق التاريخ.
إن المتحاورين اليوم عليهم أن يعكسوا آمال وطموحات الشعب الكبرى التي تسعى نحو العَلياء التي تروم العزة والقوة والشموخ، ولا تقبل الذل والانكسار والانكفاء أو الاختفاء والاختباء، لأن الطموح المشروع لا تقف أمامه إرادات شخصية ولا إرادات إنهزامية ولا رغبات عدوانية ولا أجندة وهمية ولا خيلاء طوباوية ولا كتل كيدية مهما كانت، لأن الآمال المشروعة تستمد قوتها من الإرادة الإلهية التي لا غالب لها على الإطلاق انطلاقاً من قول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، وهنا ينبغي الالتزام بتنفيذ أمر الله الذي هو أدرى بشئون خلقه. لا أريد التعليق على الذين يريدون لليمن الشتات والتمزق، لأنهم أوضح من عين الشمس، ولكنني أوجه الخطاب الى أحرار اليمن الذين يرومون العزة والقوة والشموخ لكي يدركوا بأن اليمن مستهدف بالإنقسامات، ولذا فعليهم أن يكونوا أكثر حرصاً، وليس هناك من مانع لإخضاع النماذج المطروحة للحوار العلمي الموضوعي الجاد، والتأكيد من جديد أن القوالب الجاهزة التي يحاول البعض فرضها على اليمن لا يمكن أن تحقق الصلاح ما لم تخضع للخصوصية البشرية والجغرافية لليمن. إن الوقوف أمام الآراء والأفكار سواءً أكانت متعلقة بشكل الدولة أم شكل نظام الحكم يحتاج إلى النظرة العلمية الموضوعية التي تخلو من العاطفة وتتجرد من الرغبات الذاتية والأنانية الفوضوية وتؤمن بالبعد الاستراتيجي لمستقبل الأجيال وليس مجرد الجيل الحالي فقط، ويخطئ كل من يعتقد أنه يخلد في هذه الحياة ثم يعمل لجيله فقط ويحقق طموحه الذي لا ينظر أبعد من تحت قدمه وإن تجاوزها قد يصل الى قريته ليتباها بذلك الفعل أمام أقرانه. إن الإيمان بحق الأجيال القادمة في حياة آمنة ومستقرة بعزة وكرامة وقوة إرادة يحتاج الى العودة المنطقية الى التأني والتروي والعقلانية والدراسة الهادئة المبنية على المنهج العلمي الذي يوفر الاسباب والمسببات ويطرح البدائل ويتنبأ بالآثار الايجابية والسلبية ويعطي قدراً من الوضوح ويجعل من اتخاذ القرار علمياً فضاءً رحباً يؤمّن مستقبل الأجيال، ومؤتمر الحوار الوطني قد أُعطيت له مساحة زمنية كافية للبحث والتقصي والتدقيق والتنبؤ والاستنتاج، على اعتبار أن البحث العلمي يعد جهداً مضنياً، ولذلك وفر العالم الحر كل المقومات للحوار الوطني الشامل من أجل صنع مستقبل اليمن الجديد.