سند محمد -
كان صعباً ان يصل المرء بسهولة الى صالح رئيساً، هذا المنصب عادة ما يعني "العزل" عن الناس بكثير من الحواجز الوظيفية والمصطنعة، ورغم ذلك.. لم ارغب يوماً في اللقاء به بينما لا يزال رئيساً للبلاد.. بقدر ما رغبت في الاقتراب منه وقد حط عن كاهله هذا العبء .. وددت ان اسمع صالح "الانسان" والمواطن - غير البسيط عطفاً على تاريخه المشبع بالتفاصيل- وما يقوله وما يفكر به بعيداً عن بروتوكولات السلطة وتعقيداتها..
وكان مقيل الجمعة كافيا لإشباع النهم المتراكم منذ سنين ، والوصول لقناعة بأن صالح كان وسيظل "محطة بارزة " في تاريخ اليمن المعاصر .. ليس شاهداً على مرحلة عمرها 33 سنة وحسب .. بل مسيرة حياة تمتد من نشأته حتى اللحظة ، وما رافقها من منعطفات ومشاهد وافرازات ، بل واستنتاجات ..
اللقاء بهذا الرجل وقد اصبح خارج أطر السلطة يسقط ظنون المصلحة وشائعات التملق والمطامع .. قابلته وجلست طويلاً وكثير من الزملاء في مجلسه ، ولم يقدم لنا سوى قناني المياه والمشروبات الغازية.. غادرناه مثلما وفدنا اليه، دون مكافآت او وعود كما قد يتوقع البعض ممن يروق لهم الحديث عن المادة .. لكننا ، بادلناه الحديث ، سمعناه واستمع لنا ، لم يترك شيئاً لم يود قوله وكذلك الحاضرين من اعلاميي حزب المؤتمر والتحالف.. ثم غادرناه مشبعين بالتفاصيل التي لم نعرفها عن الكثير من الماضي وكذلك الحاضر ..
هذا الرجل ، لا يزال حريصاً على البلاد أكثر من تلك الاسماء التي تتولى دفة الامور في البلاد الآن، خبيراً بشئون الوطن وبحساسية التفاصيل ، كان في حديثه متسامياً عما جرى.. كما لا يزال حريصاً على ان لا يرد بالمثل ، على اولئك الذين ارادوا له الموت والاساءة والتشهير ولا يزالون.. هكذا بدا، حصيفاً، ومسئولاً.. وكبيراً، رغم ان اللقاء اتخذ صفة اجتماعية وخلا من الكاميرات والتلفونات وكل آلات الرصد الاعلامي..
في حديثه الذي عاد الى الماضي، أعاد صالح رسم صور لحقيقة ومحتوى شخصيات حاضرة في المشهد السياسي الآن.. أطَّرها لنا وفق الواقع الذي تعيشه والذي يعرفه عنها.. واستغربنا ونحن نأخذ عنها صورة مغايرة لما نشهده او نسمع عنه سلباً او أيجاباً..
في اكثر من مرة ، طلب منا الصدق والمسئولية في مهنتنا ، طالبنا بالاقتراب من قضايا الناس وهمومهم .. كما طالبنا بتجسيد ثقافة نبذ العنف والتطرف والبعد عن الاشاعات وتزييف الحقائق في رسالتنا ... ولم ينسَ ان يجدد دعمه لسلفه هادي .. والتزامه بمواثيق هندسها ورسمها هو لتجنيب الوطن مزالق الحرب والنزيف تمثلت في مبادرة الخليج وآليتها ..
سأظل أستذكر الكثير من تلك الزيارة التي لم اعرج على تفاصيلها الا بهذه الخلاصة ، ويبقى صالح تاريخاً وطنياً لا يخلو من التقدير والاجلال.. إذا ما كتب بإنصاف دون غلو في مديح أو هجاء .