عبدالفتاح علي البنوس -
الشعب المصري أسقط شرعية مرسي التي منحه اياها في الانتخابات الرئاسية العام الماضي.. أكثر من 33 مليون مصري خرجوا للساحات في مختلف المدن المصرية ووقعوا على سحب الثقة منه بعد عام من حكم الاخوان المسلمين بدعوة من حركة تمرد التي رفعت الكرت الأحمر في وجه الاخوان بعد ان وصلت الاوضاع في مصر الى حالة متردية في ظل سياسة الاقصاء والاستحواذ وعملية اخونة مصر وتوظيف كافة قدرات وممتلكات ومؤسسات الشعب المصري من أجل ترسيخ أقدام الاخوان في السلطة واقصاء كل من يعارض افكارهم ومخططاتهم.
لقد ارتكب مرسي الكثير من الاخطاء ولعل اكثرها فداحة هو الارتماء في احضان مكتب المرشد وجماعة الاخوان وادارة مصر بسياسة الاخوان وهو ما اكسب سياسته حالة من السخط والرفض الشعبي، ورغم النصائح التي قدمت لمرسي إلا انه أصر على غيه وسار خلف المرشد والجماعة وتنكر للشعب الذي منحه الثقة وذلك بعد ان اقتنع بان الاخوان وليس غيرهم هم من انتخبوه ومادون ذلك هم من بقايا النظام والفلول والبلطجية وغيرها من المصطلحات.
في الـ30 من يونيو خرج المصريون عن بكرة أبيهم في مسيرات واعتصامات لم تشهد لها مصر مثيلاً من قبل وقالوا ارحل يا مرسي وهتفوا بحناجرهم العابقة بحب «الوطن يسقط.. يسقط حكم المرشد» في مشهد ديمقراطي سلمي أبهر العالم وكانت هذه الجموع كفيلة بإسقاط شرعية مرسي حتى ولو لم يعلن ذلك وظن الجميع ان مرسي سيخضع لرغبة وارادة الشعب ويعلن تنحيه عن السلطة ويدعو الى انتخابات مبكرة ولكنه خضع لرغبة ومطالب المرشد وجماعة الاخوان فخرج على الجماهير بخطاب انفعالي متشنج لم يخلُ من التهديد والتخويف والاتهامات والاساءات لأبناء الشعب الذين منحوه اصواتهم فقال بأنهم من الفلول والعصابات والعملاء والبلطجية واعداء الشرعية وأصر على البقاء في السلطة مستنداً الى الشرعية الدستورية التي قال بأنها تمنحه ثلاث سنوات قادمة لحكم مصر غير مبالٍ بالحشود المليونية التي خرجت لاسقاطه.
غطرسة مرسي وغرور جماعته تبخرت في الجو عندما تدخل الجيش المصري وأعلن عن عزل مرسي وطرح خارطة طريق لادارة شئون مصر خلال المرحلة الانتقالية وتسمية رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيساً انتقالياً لمصر، ولكن مرسي اوقع نفسه في فخ الاخوان وأعلن رفضه لخارطة الطريق وأصر على التمسك بالشرعية الدستورية والتي سبق وان ذكر خلال خطابه في ميدان التحرير عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية حيث أكد أن الشعب هو مصدر الشرعية يمنحها متى أراد ويسحبها متى شاء، واصفاً ما حصل بالإنقلاب وعمد وقادة جماعته على التحريض ضد الجيش والرئيس الجديد والدعوة الى الجهاد والنفير من أجل استعادة الشرعية.
إرهاب وعنف الاخوان واستعدادهم لقتل كل من خرجوا الى الساحات لاسقاط مرسي وتدمير مصر من أجل عودة مرسي الى السلطة أدى الى سفك الدماء وإزهاق الأرواح ووصل بهم الحال الى التحريض على الانقسام داخل صفوف الجيش الذين هتفوا بإسقاطه وساقوا في حق قيادته أبشع الأوصاف لأنه عزل مرسي رغم أنه نفس الجيش الذي أسقط الرئيس السابق محمد حسني مبارك حيث وصفوه حينها بأنه حامي الثورة وكأنهم يريدون مصر وجيشها وخيراتها «عزبة إخوانية» لا يشاركهم فيها أحد.
يعكس ذلك الخطاب التحريضي لقادة الاخوان وعناصرهم المتواجدة في ميدان رابعة العدوية، الخطاب الدموي الذي يُجسد أخلاق ومبادئ هذه الجماعة التي تريد أن تحكم مصر بالقوة لأنها تدرك جيداً أن الفئة الصامتة التي لم تشارك في الانتخابات السابقة كسرت حاجز الصمت وخرجت للتعبير عن نفسها وهو ما سيجعل فوز مرسي في حال الدعوة الى انتخابات مبكرة شبه مستحيل وخصوصاً بعد أن انكشف المستور وظهر الاخوان على حقيقتهم.
ولعل المضحك هنا أن الاخوان المسلمين جعلوا من عزل مرسي وسقوطه بأنه سقوط للإسلام وتسابقوا على اتهام قائد الجيش بالعمالة وقالوا بأن الرئيس الجديد يهودي وأن ما حصل هو إنقلاب برعاية اسرائيلية أمريكية خليجية وروجوا بأن الرئيس الجديد أصدر قراره الأول بإغلاق معبر رفح استمراراً لمنهج الكذب والتدليس، متناسين أن مرسي هو من دمر الانفاق الخاصة بالمقاومة الفلسطينية وهو من سمح لأثيوبيا بتغيير مسار النيل بإقامة سد مائي وهو من قطع علاقات مصر مع سوريا وتنكّر لكل ما قدمته الإمارات لمصر من أجل جماعة الاخوان، هو من تطاول على استقلالية القضاء وهو من شرعن لإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية في مصر وهو من عبث بالدستور وأساء استخدام الوظيفة العامة ومنح الشرعية لمجلس الشورى المنحل بأمر القضاء، وإذا بالاخوان يصنعون منه العجب وتصل بأحدهم الجرأة الى الإدعاء بأن الرسول حضر مع مرسي الى رابعة العدوية وقدّم مرسي ليصلي به وأحدهم قال بأنه رأى جبريل وكلها هلواسات اخوانية تذكرني «بالاخواني محمد الحزمي» وهو يسرد رؤيا أحد أئمة مساجد الإصلاح الذي قال بأنه رأى الرسول في ساحة التغيير وطالب الشباب بالثبات ووعدهم بالنصر.
ولعل مايثير الدهشة تلكم الاستماتة الاصلاحية للدفاع عن مرسي في اليمن والتي وصلت الى حد انتقاد الرئيس عبدربه منصور هادي على خلفية ارساله برقية تهنئة الى الرئيس المصري الجديد، وتحويل المساجد الى منابر للدعاء لمرسي واستعادة الدولة الاسلامية والشرعية الدستورية التي سبق لهم عدم القبول بها في الحالة اليمنية رغم ان من خرجوا لاسقاط النظام في اليمن أقل بكثير جداً من انصار النظام، حتى الشرعية الدستورية وظفوها لخدمة مصالحهم فقط، فشرعية علي عبدالله صالح التي كان من المقرر ان تنتهي في العام 2013م ليست شرعية وطالبوا بالتسليم لرغبة من خرجوا للساحات، اما شرعية محمد مرسي الاخوانية فهي لاتسقط حتى ولو خرجت مصر عن بكرة ابيها للمطالبة بإسقاطه، وهذه هي شرعية الاخوان التي ارادوا من خلالها اخونة المنطقة وفرض اجندتهم عليها.
ومن شاهد حماس الاصلاحيين وحنقهم على عزل مرسي يشعر وكأنهم أكثر ولاء للاخوان من ولائهم لليمن واليمنيين.. ولاغرابة ان نسمع عن جبهة نصرة اخوانية جديدة في مصر على غرار ما هو قائم في سوريا، ولاغرابة ان يصدر الزنداني او صعتر او الآنسي او الحزمي او المسوري فتوى بوجوب السفر الى مصر للجهاد مع الاخوان من أجل استعادة دولة الخلافة الاخوانية من العلمانيين والعملاء واليهود- على حد وصفهم.. ولكن الحقيقة التي يجب ان يفهمها الاخوان في مصر واليمن وفي كل مكان ان سقوط مرسي لايعني سقوط الاسلام، وان منطق إما احكمك او اقتلك مرفوض وغير مقبول على الاطلاق.. ودمتم سالمين..