د.عادل الشجاع -
بقراءة متعجلة لافتتاحية صحيفة »الصحوة« في عددها »٨٨٠١« نرى أن مصير اليمن يحوطه الغموض المشوب بالتشاؤم، فالصحوة بدأت في افتتاحيتها كما لو كانت تهبط بنا الى قاع عميق من العدمية المخضبة بالدماء، فقد طالبت الصحيفة الأحزاب والمنظمات والمواطنين ليقوموا بواجبهم الشرعي تجاه السلطة، وعدم السماح للحكام -كما قالت- أن يستخفوا بالشعب تحت مسمى طاعتهم، إنها دعوة للخروج على ولي الأمر وعدم طاعته.
يترتب على هذه الدعوة أن نطرح الأسئلة التالية:
ما رأي أحزاب اللقاء المشترك فيما طرحته صحيفة »الصحوة«؟
هل يسعى حزب الاصلاح الى تكرار ما فعلته حركة حماس في قطاع غزة؟
وهي أسئلة تقودنا الى قناعة أننا نغادر العصر متجهين الى لا مستقبل.. فقد ذهبت الصحوة لسان حال حزب الاصلاح الى أن ما يجري في اليمن يُعد اعتداء على القانون الإلهي.. وهذا ما كنا قد اشرنا اليه في مقالات سابقة بأن اقحام الدين في السياسة يؤدي الى كوارث انسانية، فالذين يربطون الدين بالسياسة لا يعون أن الذي يتصدى للعمل بالسياسة لابد أن يكون مستعداً للتعامل مع واقع معقد قد لا يتوافق وما يحمله من أفكار طوباوية، فالقضية في النهاية تتجاوز مسألة الشعارات المرفوعة الى المسئولية عن حياة البشر.. يترتب على ذلك أن تسعى الأحزاب لتجسيد فكرة العلمانية، فهي ليست مجرد مقولة فصل الدين عن الدولة، وانما هي نظام وفلسفة حياة، فالعلمانية تحتفظ بالدين كعلاقة روحية خاصة بين العبد وخالقه، وأن يؤسس علاقاته اليومية والحياتية المادية بكل مناحيها المختلفة على أساس العلم.. فالمجتمع العلماني هو الذي تحكمه قوانين مستمدة من الدستور وليست تأويلات دينية.
إن ما تدعو اليه »الصحوة« دليل قاطع على خطورة خلط الدين بالسياسة، فنحن أمام صراع سياسي قد تكون له أسبابه الموضوعية، لكنه عندما يرتبط بالدين يتحول الى صراع ديني بين مؤمنين وكفار.
ماذا يجدي أن يكون حزب الاصلاح ضمن المنظومة الديمقراطية وهو لا يعترف صراحةً أن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه الحاكم لنفسه والمشرع لنشاطاته السياسية والاقتصادية.. إن حزب الاصلاح اعتمد اسلوب الانتخابات، من دون وجود أساس فكري للديمقراطية، فهو يهتبل الفرصة ليثب على السلطة وثبة لا ينزل بعدها أبداً عن صهوتها.. وحجة الغاء تداول السلطة عنده موجودة سلفاً: فهو الحزب المعبر عن روح الأمة ووكيل الله وخليفته على الأرض.
قد يقول قائل: إنك تتحامل على حزب الاصلاح، فهو حزب يقوم على التقوى والورع ويقيم فرائض الدين ولا يمكن أن يدعو الى العنف.. أقول: من كان يتصور أن قادة حماس الذين كانوا يقيمون فرائض الدين على أتم ما يكون، أن يقوموا بسحل اخوة لهم ناضلوا معهم ضد العدو، وأن يمثلوا بجثثهم.
علينا أن نقرأ ما قالته »الصحوة« بدقة: »وحتى نستطيع الخروج من أزمتنا والتأسيس لمواطنة متساوية تضمن للمظلوم حقه في الانتصار، يجب أن نبسط أمرنا العام على مائدة التداول والتناول الشوروي على جميع المواطنين جنباً الى جنب مع اقامة الصلاة«.
إنه كلام انشائي حول نظام الحكم الشوروي، وهي تؤكد رفضها لنهج الديمقراطية! والمسكوت عنه في افتتاحية »الصحوة« واضح تماماً، ومعناه أن النظام الديمقراطي كافر مخالف للشورى.. هل وعينا الآن المغزى الفاشي المعارض جذرياً للديمقراطية شكلاً ومضموناً.
إن حزب الاصلاح مثله مثل بقية الأحزاب والجماعات الدينية التي تأتي مفرداتها متماثلة والتي تتمثل بالدعوة لاقامة خلافة، ينوب الخليفة فيها عن الرسول »صلى الله عليه وسلم«.. وهنا تكمن خطورة هؤلاء انصار الاسلام السياسي، فهم يريدون تأسيس حكومات دينية، سواءً بالعنف أو بالاجراءات الديمقراطية.
وما فعلته حماس ليس ببعيد.. والأقرب منه فتية وفتيان مدرستي الفريدية وحفصة التابعة للمسجد الأحمر الذين تحصنوا في المسجد الأسبوع الماضي وقاتلوا أفراد الشرطة الباكستانية من أجل تطبيق الشريعة الاسلامية في البلاد.. فهؤلاء الفتية لم يتعلموا في مدارسهم الدينية الفقه والشريعة، أي علوم عصرية، بل تعلموا حمل السلاح والعصي للدفاع عن أئمة المساجد.. وقد انتشر هؤلاء الفتية في الشوارع والطرقات لمعرفة لماذا تظهر هذه خصلة من شعرها أسفل الحجاب.. ولماذا يطيل هذا سرواله مخالفاً للسنة؟
وكم لدينا من مثل هذه المدارس تتبع حزب الاصلاح والجماعات السلفية الأخرى تعمل على غسل أدمغة الطلاب بمناهج جهادية وتسعى الى تكفير المجتمع.. هل آن الأوان لوزارة التعليم العالي أن تشرف على جامعة الإيمان؟ وهل آن لوزارة التربية والتعليم أن تشرف على المدارس الخاصة.. وللأوقاف أن تشرف على مدارس تحفيظ القرآن.. فهذه جميعها لن تعد للمجتمع سوى تكفيريين وانتحاريين يبيحون دماء من يختلف معهم.
أعود فأقول إن دعوة صحيفة »الصحوة« للخروج على السلطة، ليست اعتباطية، فالصحيفة لسان حال حزب الاصلاح، وهو حزب يرتبط بحركة الاخوان المسلمين التي نص نظامها العام على: »تحرير الوطن الاسلامي بكل اجزائه من كل سلطان غير اسلامي، اعداد الأمة اعداداً جهادياً لتقف جبهة واحدة في وجه الغزاة المتسلطين من اعداء الله تمهيداً لاقامة الدولة الاسلامية الراشدة«.
فمتى تفك أحزاب اليسار ارتباطها بهذا الحزب الذي يعيق المستقبل ويدمر فكرة الدولة؟
صحيفة «الصحوة» تدعو إلى الخروج على السلطة!!
