احمد مهدي سالم -
القوميون الاسلاميون لايؤمنون بالديمقراطية، وما آمنوا بها أو مشوا مرغمين صاغرين في ركابها او مضوا متظاهرين باتخاذها طريقاًِ حضارياً للعملية السياسية الموصلة الى السلطة بانتخابات إلا بعد ضوء أخضر من كاهنهم الأعظم.. هبل العم سام.
بداية التدخل.. باسم المنظمات الحقوقية، حقوق الاقليات مناصرة المرأة، تمكين الفئات المهمشة، بانشاء وتفريخ منظمات مجتمع مدني، وتدريب نشطائها في عواصم غربية أو عربية، واغراقهم بحوالات وندوات وشعارات واستثمار ذكي لمنجزات التطور التقني في التواصل الاجتماعي.
ونستخدم هنا التركيب الوصفي.. الممارسة الديمقراطية بتحفظ لأن العملية لاتتم إلاَّ في اطار هامشي محدود في ظل واقع مشدود الى الموروث الميت بتعبير مالك بن نبي، واقع متشبث بكلابيب التخلف والسحب الى الخلف، ووسط مفخخ بفعل التوجيه، والاستقطاب والتمويل والتحويل والتأويل والتصميل.. بحيث تستمر حوادث الاختطاف، القتل، الانشقاقات، التخريبات، حوادث الاغتيالات، تدمير المؤسسات الامنية والعسكرية ببطء يصاحبه تفتت مدروس لبنى وفاعليات ومكونات الدولة والمجتمع.
رأينا قبل أربع صدمات ونكبات كيف أن كفة الاسلاميين وجماعات الأسلام السياسي علت على القوميين والليبراليين والماركسيين والمستقلين لأنهم ثمرة بناء ثمانين عاماً، وقريبون من شرائح كثيرة «خدمات، وجمعيات خيرية» فيما كان رصيد منافسيهم صفرين على الشمال، لذا نجح الاسلاميون بسرعة فاجأتهم هم قبل غيرهم من خصومهم، أو المتابعين- على مسافة ما- لعملية الاسلام السياسي.
الغرب بذكاء مفكريه ودهاء منظريه، وعمق فكر معاهده ومراكز أبحاثه «الذكاء الخبيث».. الغرب يدرك أن ثمة شرائح : مجموعات ضغط، مراكز نفوذ، جماعات مناطقية، تكتلات قبلية وغيرها تموت وتحن الى كراسي السلطة، وتتشهاها، وليس لديها قدرة على المنافسة الانتخابية لضآلة حجمها في المجتمع.. بقدر ما لديها من قابلية للعمالة والاستعمار والاستحمار واستجابة لإملاءات الخارج اللئيم ولو مقابل التضحية بمقدرات وطن، وتراث وثروات أمة، والهم الأكبر أن تصعد، فبدأ يشتغل ولكل قطر.. خصوصية على وجود كثير من ملامح التشابه في جانب الارتهان والانبطاح والتفريط.. مثلاً كانت تحكم قبل سبعين، وستين عاماً، وأطيح بها بثورات شعبية.. يشرع في مغازلتها.. واختراق مكامن القوة فيها حتى تصير مطواعة ومنقادة.. يحركها متى ما تضاربت مصالحه مع السلطة الرسمية أو الشرعية، او متى ما زاد نهمه لابتلاع ثروات أكثر في البلد المستهدف «بفتح الدال» فيصبح نصعاً لأفتك السهام وأعنف أشكال الهجوم ليبدأ السقوط تدريجياً في مستنقع عنف لا أفق له ولا حدود.
هذا النوع من السيناريوهات ظهرت تجلياته المحرقة وثمراته السامة كأنضج وأوضح وابشع ماتكون في ثورات أو حركات الربيع العبري التي ماتزال شعوب المنطقة وبلدانها تدفع الكلفة الباهظة الموجعة يومياً.. حتى اللحظة، ولم تتعظ النخب التي كانت أكبر بلوة وابتلاء وأمهر تسويقاً للمخططات التآمرية الأكثر قذارة وقد نجحوا في تطويع قدراتها وتليين قناتها وتيسير انبطاحها وشراء ذممها النتنة بأثمان بخسة هي قيمة هذه النخب المتكلسة النحسة ولن ألوث لساني وأقول النجسة.
وإذا نظرنا الى الحالة السياسية في مصر كبلد مرتكز ومحور قيادة وتأثير في المنطقة العربية نلمس ان الاحزاب اليسارية والليبرالية شاخت فخلال عشرين أو ثلاثين سنة لم تحقق سوى مقعد أو مقعدين أو اربعة في البرلمان امثال حزب الوفد، التجمع، الناصري، وغيرها، في حين ان الاحزاب الاسلامية تنطلق بسرعة أفضل وخطوات نجاح مقبولة بعد أن سيطرت على معظم النقابات حتى صعدت على رافعة موجة الربيع العبري إلى رأس السلطة وبرلمانها ومجلسها وحكومتها، وبقي الفتات لاحزاب الثرثرة والشتات، وهي تنظيمات التنظير الفارغ الأجوف البعيد عن نبض الشارع.. المستجر أمجاداً ماضوية في العشرينيات أو في مطلع الخميسينيات، ومسارح بطولاتهم وعنترياتهم.. ساحات الاعلام وصفحات الصحف، والندوات الثقافية المحدودة الحضور أما في الشارع ثقلهم مثل وزن الريشة وقد استمرأت هذه الاحزاب كلها أو بعضها على العيش في كنف السلطة أو بتلقي دعومات ومساعدات من الاحزاب الاصل الى الفروع البعثيين مثلاً ولهذا يمكن القول ان مستقبل الاحزاب القومية غامض.. أو الى زوال لأن مشاريعها سقطت.
ويبقى الغائب الأبرز احزاب وتنظيمات الشباب، وهم اصحاب التضحيات ووقود التغيير وصناع اللحظة الحاضرة.. فهؤلاء الصناع يتعامل معهم كأتباع وهتيفة وصريخة لمزعوم مسيرات الجياع، وقلبي عليك يامشغل البال ملتاع.. هم الغائبون والمغيبون.
اتقوا الله في شباب الأمة المخلص والأمين ومرتكزها الحضاري الحصين، وحبلها القوي المتين.
هم يموتون.. يجرحون.. يضيعون ليصعد على ظهورهم ودمائهم عجائز السياسة ونخب الفكر المتكلس وشيوخ الدين الجديد الذي هو غير الشريعة الغراء المتسامحة التي جاء بها محمد بن عبدالله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وما تزال آثار المآسي تضرب بقسوة في جسوم مواطني دول الربيع العبري، والجهود تبذل بأقصى سرعة وأوفر طاقة لتخرج الشعوب من الدائرة الحلزونية المغلقة والدهاليز الكثيرة المغلقة ومحاولة تعبيد طرق آمنة تتحرك في مساراتها على أمل استئناف الحركة من جديد ومداواة جروحها بمرور الأيام وبعميق الاستفادة من أكاذيب الشعارات، وأعاصير الموجات، وطوفان المقولات، وتسونامي المسيرات.
ايماءة:
قال تعالى : «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون» (الروم : 41).
آخر الكلام
أُعَادَى على ما يُوجب الحب للفتى
وأهدأُ والأفكار فيّ تجولُ
سوى وجع الحساد داو فإنه
إذا حلّ في قلبٍ فليس يحول
ولاتطمعنْ من حاسدٍ في مودةٍ
وإن كنت تُبديها له وتنيل
«المتنبي»