عبدالله محمد الارياني - إن مفهوم الوطن هو مفهوم ليس مجرداً.. عندما ينظر إليه من خلال علاقته بالأفراد الذين يعيشون تحت سمائه وعلى أرضه فهذا المفهوم ومن خلال هذه العلاقة ينبثق عنه العديد من المفاهيم التي سوف يتم التطرق لها تباعاً لإظهار علاقة الجزء بالكل وعلاقة الأصل بالفرع.. وما تناولنا لهذه المفاهيم إنما هو للتذكير وليس انتقاصاً لإدراك المجتمع بهذه المفاهيم. بدايةً سوف يتم التطرق لمفهوم الوطن باعتباره الكل الجامع ثم سوف ننتقل للمفاهيم المنبثقة عنه.
أولاً/ مفهوم الوطن:على الرغم من أن كلمة «وطن» تتكون من ثلاثةِ حروفٍ إلا أنها تحمل معاني كثيرة في نفوس أبنائها.. فهو اسمٌ يشير إلى الأرض الأم التي يعيش عليها جماعةً بشريةً لفترةٍ طويلةٍ ينتج عنها نشوء هويةٍ ذات صبغةٍ وطنيةٍ للأفراد ويعد الحب والعز والافتخار والانتماء من أهم مقومات العلاقة بالوطن.
ويجب على الشعوب أن تدرك مفهوم الوطن بشكله الصحيح , إذ يجب على أبناء الوطن والدول الاهتمام بتنمية حب الوطن من خلال الاهتمام بأمنه الداخلي والخارجي والعمل على تطوير القطاعات الخدمية.
ثانياً/ مفهوم مواطنون: مواطنون هو جمع مواطن وهم مجموعة من الناس ينتمون إلى وطنٍ واحدٍ ويتميزون بهوية ٍواحدةٍ وأصلٍ واحدٍ ودينٍ واحدٍ ولغةٍ واحدةٍ ولهم حقوقٌ مدنيةٌ وسياسية ٌ واقتصاديةٌ تختلف بحسب نظام الحكم القائم.
ففي الأنظمة الديمقراطية يمتلك المواطن الحق في التعبير والمشاركةِ والانتخاب- بينما في الأنظمة الديكتاتورية والملكية لا يتمتع المواطن غالباً بحق الانتخاب واختيار ممثليه كونهما أنظمة لا تسمح بالتداول السلمي للسلطةٍ وفي بعض الأحيان يكون هناك قمعٌ وتضييقٌ للحريات العامةِ وحقوقِ الإنسان.
ونحن كمواطنين يمانيين نبلغ من التعداد 27 مليون مواطن تجمعنا هويةٌ واحدةٌ وأصلٌ واحدٌ وتاريخٌ واحدٌ ولغةٌ ودينٌ واحدٌ ونعيش في ظل نظامٍ ديمقراطي هيأ لنا الأجواء والمناخات المناسبة للتغيير والمشاركة المدنية والسياسية واعترف لنا بالحقوق والحريات التي تضمن العيش بحريةٍ وكرامةٍ دون أية قيود تحد من حقوقنا.
ثالثاً/ مفهوم الانتماء الوطني: يقصد بهذا المفهوم الانتساب الفعلي والشعور الكامل بوجود دعائم الحب تجاه الوطن واعتزاز الفرد بوطنه الذي ينتمي إليه بجميع مقوماته مع الحفاظ على استقراره الأمني والعمل على الارتقاء به إلى أعلى المستويات والحرص على جميع مصالحه والمشاركة مع الأفراد والأجهزة الرسمية في حل المشكلات والمعوقات التي قد تنجم.
ويجب علينا كيمنيين شحذ الهمم ومضاعفة الجهود وبذل المزيد من الإخاء لرفعةِ وطننا من خلال الدفع بعجلة التنمية ونبذ العصبيات وتطويع القدرات والإمكانات للحفاظ على وحدته وحماية مكتسباته وأيضاً صيانة أمنه الداخلي والخارجي وأمنه الغذائي والمجتمعي.
رابعاً/ مفهوم المواطنة: هذا المفهوم يعبر عن وحدةِ الانتماءِ والولاءِ من قبل كل المكون السكاني في البلاد على اختلاف تنوعه العرقي والديني والمذهبي للوطن الذي يحتضنهم , الأمر الذي يقتضي أن تذوب كل خلافاتهم واختلافاتهم عند حدود المشاركة والتعاون في بناء الوطن وتنميته والحفاظ على العيش المشترك فيه.
وقد نظم الدستور اليمني للمواطنين من خلال مفهوم المواطنة العديد من القواعد التي ضمنت لهم حرية الاعتقاد والتعبير وحرية الرأي والمشاركةِ السياسيةِ والمدنيةِ بما يضمن العيش المشترك إلا أننا في هذه المرحلة نعيش حالة من التشظي وهي حالة دخيلةٌ على مجتمعنا اليمني افتعلها أعداء الوطن في محاولةٍ منهم للقضاء على هذه اللحمة الوطنية وهذا التنوع البنَّاء وتحويله إلى عامل هدم وعامل خلاف، إلا أن طموحاتهم هذه ذابت أمام قوة وعمق روابط المجتمع اليمني الأصيلة التي رفضت كل ما هو خارج عن الطبيعةِ اليمنيةِ المفعمةِ بالمحبةِ والتلاحمِ والإخاء.
خامساً/ مفهوم الوطنية: الوطنية هي التي ينبغي أن يتحلى بها كل إنسان يعيش على تراب الوطن , فالوطنية تعني الكثير من المعاني وتفرض على الفرد الكثير من الواجبات والالتزامات.
فهي لا تعني الاستفادة من خدمات الوطن واستنزاف مقدراته فقط , فهي أيضاً تدل على حسن الانتماء إلى الوطن والولاء له.. وحتى يحقق الفرد هذا المفهوم يجب أن يكون وطنه أحب إليه من جميعِ الأوطان.. فالفرد الذي يحب وطن غيره يعد ولاؤه ناقصاً وشعوره الوطني مهزوزاً يتغير بتغير الظروفِ والأحوال , بينما الفرد المحب لوطنه أكثر يكون أكثر وطنيةً واخلاصاً وولاءً لوطنه.
وبما أن الإنسان الفرد له حقوق على وطنه حيث إنه يعيش على ترابه وينعم بخيراته ويستفيد من خدماته ومرافقه فإن عليه أن يقابل كل ذلك بمسؤوليةٍ وطنيةٍ تتمثل بالمحافظة على مرافق وطنه وينتفع منها دون أن يسرف فيها أو يهدرها فالحفاظ عليها يعد واجباً وطنياً ومسئوليةً اجتماعيةً بالإضافة إلى أنه يجب على الفرد أن يكون مستعداً للدفاع عن وطنه في أي وقت يتعرض فيه الوطن للاعتداء أو التهديد.. وهنا تتجلى الوطنية الصادقة حينما ترى الفرد لا يتردد للحظة في الدفاع عن وطنه وتلبيته لنداء الواجب والمرابطة في الثغور، بينما الإنسان الفاقد لوطنيته تجده متردداً في الدفاع عن وطنه ولا يشعر بالمسئولية تجاهه.
ووطننا الحبيب يشهد في هذه المرحلة هذين النوعين من الوطنية فهناك من اليمنيون من يبذلون الغالي والنفيس من الأموال والأرواح في سبيل الدفاع والذود عن وطنٍ لطالما قدم ويقدم لهم الكثير من العطايا.. وهناك من قابل عطايا هذا الوطن بالنكران ويقبضون الأموال الطائلة من أجل تدمير وتفكيك وطننا الغالي وسفك دماء أبنائه لمصلحة أعداء اليمن والمتربصين بتاريخه ووحدته المباركة.
وبالنظر إلى هذه المفاهيم يتضح لنا كيمنيين أنه ما زال أمامنا الكثير والكثير لتقديمه لوطننا اليمن الحبيب وخاصة في ظل العدوان السعودي الذي لم يدخر أي آلةٍ أو سياسةٍ أو وسيلةٍ في سبيل القضاء على وطنٍ يمثل مهداً للحضاراتِ ومصنعاً للقدراتِ ومصدراً للقيم الاصيلة، وطنٌ يتطلب منا كأفرادٍ أن نبادله الوفاء بالوفاء وأن نبذل في سبيل حمايته ونهضته كل ما لدينا من إمكاناتٍ وقدراتٍ وأرواحٍ فهو لم يبخل علينا قط بعطائه اللامتناهي.
|