أحمد الزبيري -
< الاستاذ أحمد قاسم دماج رحل.. غادرنا الاستاذ لينتقل الى جوار ربه في لحظة فارقة وخطرة يعيشها الوطن اليمني الذي سكن عقله وقلبه حتى كاد أن يكون همّه الوحيد.. تماهى الى حد الذوبان في رحلة حياته النضالية الاجتماعية السياسية والثقافية مع قضاياه بكل تعقيداتها المفرحة والمحزنة وانعطافات مساراتها الايجابية والسلبية.. تراجع وسقط الكثيرون على تعرجات وانحناءات طريقها الممتدة لسنوات وعقود طويلة.. أخذت رياح الأحداث الى آفاق بعيدة.. غرق الكثيرون في خضم بحر السياسة والمناصب والشهرة والثروة، ليبقى الاستاذ أحمد قاسم دماج القادر على الاحتفاظ بتوازنه رغم اشتداد العواصف والأعاصير في مختلف الفترات والمراحل التي مر بها الوطن.. فكان محل محبة واحترام جميع من صادقه وزامله وعرفه وسمع به وقرأ له وعنه.

الاستاذ أحمد قاسم دماج مثلما رحل في لحظة فارقة، ناضل وكافح حتى كانت حياته علامة فارقة في التاريخ السياسي والثقافي والأدبي لليمن المعاصر- شماله وجنوبه..

لقد كان أديب السياسيين وسياسي الأدباء، قضى حياته من أجل وحدة وحرية واستقلال وسيادة اليمن الموحد الديمقراطي، يمن يعيش أبناؤه على أرضه أحراراً يصنعون دولتهم المدنية، الديمقراطية الموحدة الحديثة بإرادتهم بعيداً عن الوصاية الخارجية.. دولة العدالة والمواطنة المتساوية.. وكان يعي عن معرفة وإدراك أن قدر الجغرافيا الذي وجد اليمن عليه بجوار مملكة نفطية وظيفية يجعل هذا الطريق إن لم يكن مستحيلاً فهو شاق وصعب، الا أن هذا لم يمنعه من المضي فيه مع كوكبة من الاساتذة المناضلين الرواد كالاستاذ عبدالله الوصابي والاستاذ عمر الجاوي والاستاذ عبدالله البردوني والذين لم يقبلوا السقوط في وحل النفط أو الاستغراق في الشعارات الفضفاضة لتوجهات خارج سياق الواقع الاجتماعي التاريخي اليمني، وحتى لا يفلت منهم الحلم الوطني فكانت الانطلاقة نحو أول كيان وطني موحد إنه اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين الذي جمع خيرة العقول المبدعة المناضلة، ومنه بدأ مشروع وحدة الشعب المدني.. ثغرة النور التي تحدث عنها الدكتور عبدالعزيز المقالح في إحدى قصائده مستبدلين بذلك الموت على ظهر الجدار.

الاستاذ أحمد قاسم دماج اختاره الله الى جواره في فترة اختلط فيها الحابل بالنابل وبلغ الانحطاط السياسي والثقافي والقيم ذروته، فكان هذا أكبر من احتمال جسده النحيل وقلبه الممتلئ بحبه لليمن واليمنيين على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم وأخطائهم التي تجاوزها البعض الى الخطيئة.. لم يكن أحمد قاسم دماج استاذاً في الوطنية والأدب والشعر فحسب، بل كان استاذاً في التواضع والبساطة والزهد العظيم.. ترجَّل آخر فرسان رعيل المناضلين اليمنيين الوطنيين النبلاء.. رحمة الله تغشاك.. وعزاؤنا أنك ستبقى خالداً في ذاكرة الشعب..