أمين الوائلي -
اليمنيون أمام تحدي مصيري لا سبيل إلى تأجيله أو إلغائه، كما لا سبيل إلى الاستعاضة عنه بسواه إنه تحدي التنمية والتنمية الشاملة أولاً وأخيراً وهناك من يعمل بوتيرة عالية وجهد شاق، إنما: ضد التنمية!!
كانت وتظل التنمية هي المشكلة الأهم والأكبر في حياة مجتمع يكافح للخروج من عنق زجاجة أوضاع اقتصادية واجتماعية غاية في التعقيد والتشابك.
وتبقى أعمال وأفعال التنمية الحقيقية والشاملة هي المحك الأوحد في هذه المرحلة بالنسبة إلى جميع المؤسسات والسلطات المختلفة، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية.. والمدنية.
ومن دون التخفف من عناء وأعباء التجاذبات والتأزمات السياسية المرهقة والمجحفة بحق المجتمع والدولة والمواطنين وبحق الاستقرار المطلوب لتأمين أجواء وبيئة ملائمين، يظل شرط التنمية مقصياً ومبعداً عن الواقع وإمكانات الظفر بواحدة من حالات الاستتباب أو «فعل الشرط» اللازمة لإنجاز تنموي يقدم ما يمكن اعتباره «جواب الشرط».
للأسف تبدو الانحرافات والانهزامية هي السائدة في كل تفاصيل وقضايا المعترك الحزبي الملبد بالأزمات المتعاقبة والمتراكمة ما يجعل من الهامش مكاناً وحيداً لتكريس وإزاحة قضايا وطنية مهمة بحجم وخطورة التنمية.
ويبقى المتن مشغولاً بأعمال تبديدية وتأزمات لا آخر لها، وفي هذا المجال يبرز المجتمع الحزبي وتجاويفه المختلفة هنا وهناك، كقوة اعتراضية كابحة ومعطلة، تماماً لطموحات وتطلعات المجتمع ومؤسسات التغيير والتطوير نحو احداث حراك تنموي يعول عليه لخدمة الجميع وملاحقة الشيء الكثير والكثير مما فاتنا في هذا السياق.
طغيان المد السياسي والحزبي المتحالف مع المصلحية الفئوية الضيقة ومع المصالح والحسابات الفردية والشللية والقبلية، وسواها من الاعتبارات المتضادة مع معنى ومفهوم الجماعة وقيم المجتمع الواسع والكبير والواحد، يعمل ضد آمال وأحلام تراود البلاد والسكان في التحرك قدماً وانجاز خطوات ملموسة إلى الأمام.
في الوقت والمرحلة الراهنين تتحدد المواقع تبعاً للمواقف المحكومة سلفاً بشروط كل حزب وفئة وجماعة.. ومصالحها والحسابات الخاصة بهؤلاء على حساب شروط النهضة المطلوبة والتنمية المجتمعية المنتظرة والشاملة.
ليس من قبل التحامل أو المبالغة والإشارة الى حقيقة ماثلة وهي أن أعدى أعداد المستقبل قبل الحاضر الراهن هو هذا الارتجال والتكالب الحزبي على كل ما من شأنه تعميق الشروخ وتوسيع الهوة بين المجتمع، بكامل احتياجاته وطموحاته وآماله وآلامه، وبين الآليات والاشتراطات المواتية لمواكبة الحاضر واستهداف الغد المنشود.
تفعل الأحزاب ماتريد وما يعن لها ويبقى الخاسر الأكبر من كل ذلك هو المواطن العادي والمجتمع الواسع والكبير والأحزاب تبحث عن غدها لا عن غدنا!
آخر ما قد تفكر فيه هذه العقلية الحزبية المجبولة على التبديد وزراعة الوقيد هو أول ما يجب أن تفكر وتعمل عليه! وعوضاً عن استثمار مناخات التعددية وكياناتها المدنية والحزبية في مكاثرة إيجابية لآليات وبدائل كافية لاستهداف الطموح التنموي غرق الجميع في قار التنازعات والمكيدة المستفحلة وتتعطل التنمية.. ولا أحد يأسف لذلك!
الدولة لا تدار فقط بما تسميه الأحزاب رؤى وبرامج خاصة، يجعل منها كل فريق الخيار الأوحد والأمثل ومن غير المعقول أن تجعل الاحزاب أفكارها ومشاريعها عقبة في طريق الدولة المدنية والمؤسسات المسئولة عن إدارة المجتمع وقطاعاته المختلفة.
من حق الأحزاب أن تقدم أفكاراً وتناضل في سبيلها، كما أنه من حق المجتمع أن يحصل على أحزاب لا تكون سبباً لتعطيل الحياة والتنمية بل خدمتهما أولاً.
حان الوقت ولقد حان قبل هذا بكثير لأن نحرر أنفسنا ومشروعنا المدني والتنموي من الابتزاز الحزبي والمراهنات المتحالفة في ما بينها لتعويق التنمية المجتمعية الشاملة.
بات الحال أكثر من مؤسف ونحن نعيش صخب تأزمات مفتعلة من كل نوع وشكل تعمل على تشتيت الجهود وصرف الأنظار والاهتمامات عن التنمية وصلبها في بؤرة أزمة يراد لها يوماً عن يوم، أن تتحول إلى ثقب أسود يبتلع الدولة والمجتمع بكامله.
ينبغي أن تتطهر الثقافة السياسية من عقلية الكيد، والفيد، والمؤامرة وينبغي قبل وبعد ذلك أن نحدد تماماً مجال ومواضيع وقضايا الجدل والمناورات الحزبية بحيث لا تطغى على مجال ومواضيع وقضايا الدولة والمجتمع ولا تعطلها أو تكون سبباً لتعطيل أعمالها.
ويبقى أن العقلية السياسية بحاجة إلى تجديد نفسها وأدواتها ومفاهيمها النظرية والعملية هذا الموجود والمتوافر الآن، لا يقدم خيارات عملية مبشرة ولا يجد عقل المجتمع أو مفهوم العقد الاجتماعي المحسوم سلفاً.