د/عادل الشجاع -
من الإنصاف القول إن إيمان وقناعة الرئيس علي عبدالله صالح بأهمية تواصل الحوار ومبادرته للإصلاح السياسي ودعوته كل الأحزاب إلى تصحيح أوضاعها الداخلية وتفعيل دورها في الشارع السياسي، هي دعوة لتحريك المياه الراكدة، كما أن برنامج الرئيس الانتخابي ومبادرته الأخيرة، كل ذلك كان جزءاً من معركة الإصلاح الديمقراطي التي خاض بها الرئيس الانتخابات الرئاسية العام الماضي.
ومن هنا فإن الأحزاب السياسية مدعوة للجلوس على طاولة الحوار والاتفاق على أربعة محاور أساسية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحاضر اليمن ومستقبلها، وتعكس شواغل أبنائها في واقع يمني متحول، ومحيط إقليمي ودولي مغاير، المحور الأول يتعلق بقضية التنمية والاستثمار والحفاظ على ما تم تحقيقه وكيفية تعزيز خطوات جديدة والعمل على إيجاد سبل كفيلة بجذب الاستثمار وتحقيق عدالة التوزيع بين أبناء الوطن.
المحور الثاني يتعلق بقضية الخدمات العامة والعدالة الاجتماعية، بانعكاساتها المباشرة على المواطنين بوجه عام، وغير القادرين منهم بوجه خاص، ولا بد أن يكون هدف الجميع هو الارتقاء بما يقدم للمواطن من خدمات في حياته اليومية كالتعليم والرعاية الصحية والإسكان وغير ذلك، والأهم من ذلك كله هو حماية الفقراء ومحدودي الدخل، وتحقيق انعكاسات الإصلاحات الاقتصادية وخاصة في المرحلة الانتقالية الراهنة والعمل على تحقيق العدالة في توزيع عوائد الإصلاح والتنمية بين المواطنين.
أما المحور الثالث فيتعلق بقضية أمن اليمن، بأبعادها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وما يتفرع عن ذلك من قضايا أخرى بالغة الأهمية، فأمن اليمن هو الدرع الواقي لأرض الوطن وسيادته في منطقة صعبة تموج بالازمات، وهو الدفاع الحقيقي عن استقلال الإرادة الوطنية، في مواجهة الضغوط والمشروطات الإقليمية والدولية.
ينبغي أن يكون أمن اليمن ذو أولوية قصوى وخطاً أحمر عند السلطة والمعارضة لا نسمح لأحد بتجاوزه.
المحور الرابع، يتعلق بقضية الإصلاحات السياسية وصلتها بمبادرة رئيس الجمهورية والعمل على تحويلها إلى واقع عملي وملموس، وستظل تجربتنا الديمقراطية رهنا بقدرتنا جميعاً على احترام وتعزيز قيم المواطنة، بعيداً عن أي تربص بالآخر أو اقتناص الأخطاء وتضخيمها، وهذا يستدعي الموازنة الدقيقة بين حقوق الفرد وحق المجتمع وسلامه واستقراره.
وتظل التجربة الديمقراطية مرهونة بالحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ومرهونة بتعزيز ثقافة الديمقراطية وقيمها ومبادئها ومرهونة أيضاً بالوعي وسلامة القصد والفكر المستنير وصدق الانتماء لهذا الوطن واحترام إرادة هذا الشعب.
إذَنْ.. لا بد من الاتفاق على المحاور الأربعة واعتبارها قاعدة أساسية لتطوير وتعزيز التحول الديمقراطي، وعلى المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة الالتزام بسياسات العدالة الاجتماعية ومساندة الأسر الفقيرة، فإن ذلك هو البداية الحقيقية لانطلاقة اجتماعية ترتكز على تطوير مفهوم محدد للفقر وخصائص الفقراء والحوار على هذه المحاور تأكيد على التمسك بالتعددية الحزبية واحترام الأغلبية ودعم القانون.
وعلى المؤتمر الشعبي العام أن يتحمل مسؤوليته كحزب حاكم يقود مشروعاً للإصلاح، واتصور أنه معني بدرجة أساسية أن يعيد صياغة المبادئ الأساسية لتأكيد رؤيته الفكرية لتتماشى مع برنامج الرئىس الانتخابي ومواجهة عناصر الفساد التي تعيق تحقيق هذا البرنامج، خاصة وأن المؤتمر الشعبي العام اثبت أنه حزب ديمقراطي صاحب مشروع حضاري واثبت كذلك أنه حزب الدولة المدنية الذي يتمسك بالديمقراطية بين أبناء الوطن الواحد وهو حزب يضم كل فئات وطبقات المجتمع.
لا شك أن على المؤتمر مسؤولية إنجاح الحوار مع أحزاب المعارضة بوصفه حزب الأغلبية وصاحب مشروع وطني للنهوض بهذا البلد، لذا فهو مطالب بالبحث عن القواسم المشتركة في برنامج الرئيس مع الأحزاب الأخرى، وأن يعيد فتح باب الحوار معها، فلا أظن أن أحزاب المعارضة يمكن أن تختلف مع حزب الأغلبية في قضية احترام الأغلبية والتمسك بالأمن الوطني وبناء اليمن الجديد ومواصلة مسيرة الإصلاح، وبمدنية الدولة والبعد الاجتماعي في الإصلاح الاقتصادي، وتمكين المرأة واستقلالية الحكم المحلي واسع الصلاحيات والحفاظ على الوحدة الوطنية.
وعلى المؤتمر الشعبي العام أن يواصل ما بدأ به الرئيس علي عبدالله صالح من حوار جاد مع منظمات المجتمع المدني وعلى الأحزاب الأخرى أن تنظم هذا الحوار اتساقاً من حرص الجميع على إنضاج العمل الديمقراطي وخلق توافق وطني حول القضايا المهمة.
إن قليلاً من الصدق والجهد لإعادة بناء جسور الثقة والتفاهم كفيل بإنهاء حالة الفراق والقطيعة بين المؤتمر وأحزاب المعارضة، فالكل في سفينة واحدة هي سفينة الوطن الذي يضم الجميع، والأمواج والرياخ الداخلية والخارجية تستهدف الجميع، فالحوار مع الخلاف لن يضر أحداً والوصول إلى توافق حول الثوابت الوطنية في مشروع بناء اليمن الجديد يحمي الجميع ويصون الوحدة الوطنية.
إن الاستقرار يوسع من شبكة الضمان الاجتماعي ويعمل على محاصرة الفقر وهذا يحتاج إلى جهود كل الوطنيين المخلصين الذين يسهمون في التصدي لمشكلات المواطنين ويحققون طموحاتهم المشروعة كحاضر ومستقبل أفضل.