موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


أطلقوا العنان للنشاط الخيري دون قيود - المناضل أحمد محمد ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ.. رائد من رواد التنوير في اليمن - فتح مكة.. نقطة التحوُّل الكبرى لمسيرة الإسلام - 11 من النساء حكمن اليمن قديماً - مزن توزع 100سلة غذائية للأسر المحتاجة في بني الحارث - دولة عربية تسجل 4560 حالة طلاق في شهر واحد - إحالة 10 تجار كهرباء إلى النيابة - ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في غزة إلى 136 - اجتماع مشترك بصنعاء يناقش الوضع الوبائي - بيان هام لـ(السياسي الأعلى) ردا على غارات العدوان -
الأخبار والتقارير
الميثاق نت -

الثلاثاء, 11-أغسطس-2020
د . أحمد محمد الأصبحي -
تكشفت حقيقة المخططات التآمرية على اليمن بوضوح وبدأت دول العدوان وشركاؤها بتنفيذها منذ العام 2011م .. ونظراً لغياب الرؤية حول أهمية اليمن البحرية والاستراتيجية..
"الميثاق" تفتح كتاب "نحو وطن مزهر.. "استراتيجية الموقع وثقافة البحر" للدكتور أحمد محمد الأصبحي حتى يطل القارئ الكريم من خلال فصول على كافة الجوانب المرتبطة بالأمن الاستراتيجي الحساس لليمن.. والذي سيتم نشره في حلقات

الفصل‮ ‬الثاني
أسياد‮ ‬البحـر‮ ‬والصراع‮ ‬الدولي‮ ‬القديم

‮* ‬فقد‮ ‬أدرك‮ ‬أجدادنا‮ ‬الأوائل‮ (‬من‮ ‬السبئيين‮ ‬والحميريين‮) ‬أن‮ ‬وجودهم‮ ‬في‮ ‬موقع‮ ‬متوسط‮ ‬بين‮ ‬قارات‮ ‬العالم‮ ‬القديم‮ (‬آسيا،‮ ‬وإفريقيا‮ ‬وأوروبا‮) ‬يمكنهم‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬يكونوا‮ ‬حلقة‮ ‬اتصال‮ ‬تجاري‮ ‬وحضاري‮ ‬فيما‮ ‬بينها‮.‬
* وأدركوا أن موقعهم هذا عامل جذب لمختلف القوى الإقليمية والدولية ومحل اهتمامها وتنافسها للسيطرة عليه في مختلف حقب التاريخ القديمة والوسيطة، ولذا فقد عملوا باستمرار على أن يحولوا دون سيطرة تلك القوى عليه.
* ولقرون عديدة، ولفترات طويلة من التاريخ القديم، شيد اليمنيون ممالكم الحضارية (سبأ، ومعين، وحضرموت، وحمير، وقاتبان، وأوسان) ووطدوا ازدهارهم، فقد اشتهرت وظلوا يحكمون سيطرتهم على التجارة البرية والبحرية، حيث نشطت الدول اليمنية القديمة في حقل التجارة نشاطاً يوازي بجهوده الناجحة تلك التي أبدعت فيها في حقلي الزراعة والصناعة؛ فقد جعلت من التجارة الخارجية أحد أهم الموارد المالية الكبرى، التي أسهمت في بناء القوة الاقتصادية ورخاء الدولة اليمنية القديمة، وجعلت منها عنواناً لقوة تلك الدول، وجسراً لعمليات التبادل الثقافي مع شعوب العالم القديم، مؤثرة في لغاتها وثقافتها التي تأثرت بقلم المسند... ولقد أدى موقع اليمن الاستراتيجي في التجارة العالمية إلى معرفة العالم القديم بها، أرض اليمن والبركة والسعادة، كتب عنها قدماء الرحالة والمؤرخين اليونانيين والروم بما هي أهله من الحضارة‮ ‬والعمران،‮ ‬وأطلقوا‮ ‬عليها‮ ‬تسمية‮ ‬العربية‮ ‬السعيدة،‮ ‬فمنها‮ ‬طيوب‮ ‬وبخور‮ ‬معابدهم،‮ ‬وأفاويه‮ ‬وتوابل‮ ‬موائدهم،‮ ‬ومنها‮ ‬زينة‮ ‬وحلى‮ ‬نسائهم،‮ ‬وعدة‮ ‬وسيوف‮ ‬رجالهم،‮ ‬وطيلسان‮ ‬وصولجان‮ ‬عظمائهم‮.‬
لقد‮ ‬مارست‮ ‬الدول‮ ‬اليمنية‮ ‬القديمة‮ ‬التجارة‮ ‬عن‮ ‬علم‮ ‬ودراية،‮ ‬وحذقٍ‮ ‬ومهارة‮... ‬يُنبئ‮ ‬عنها‮ ‬اهتمامها‮ ‬بما‮ ‬يلي‮: (‬8‮)‬
‮* ‬تحديد‮ ‬طرق‮ ‬المواصلات‮ ‬البرية‮ (‬طرق‮ ‬اللبان‮).‬
‮* ‬تأمين‮ ‬طرق‮ ‬اللبان‮ ‬بإنشاء‮ ‬المراكز‮ ‬التجارية‮ ‬والحاميات‮ ‬التي‮ ‬أضحت‮ ‬قرى‮ ‬ظاهرة،‮ ‬ومدناً‮ ‬عامرة،‮ ‬تمتد‮ ‬بين‮ ‬أول‮ ‬الطريق‮ ‬في‮ ‬ظفار‮ ‬الحبوضي‮ ‬والمهرة،‮ ‬وتنتهي‮ ‬في‮ ‬بلاد‮ ‬الشام‮.‬
‮* ‬سن‮ ‬الأنظمة‮ ‬والقوانين‮ ‬التجارية‮ ‬التي‮ ‬تحفظ‮ ‬الحقوق،‮ ‬وتصون‮ ‬الممتلكات،‮ ‬وتقدم‮ ‬رابطة‮ ‬العمل‮ ‬على‮ ‬رابطة‮ ‬القرابة‮ ‬والدم‮ ‬عنْد‮ ‬توزيع‮ ‬المهام‮ ‬والأعمال‮.‬
‮* ‬الإحاطة‮ ‬الدقيقة‮ ‬بخطوط‮ ‬الملاحة‮ ‬البحرية،‮ ‬وحركة‮ ‬الرياح‮ ‬الموسمية‮ ‬في‮ ‬المحيط‮ ‬الهندي‮.‬
‮* ‬تأسيس‮ ‬العديد‮ ‬من‮ ‬الموانئ‮ ‬التجارية‮ ‬على‮ ‬طول‮ ‬السواحل‮ ‬اليمنية‮ ‬والسواحل‮ ‬المقابلة‮ ‬لها‮ ‬في‮ ‬البحر‮ ‬الأحمر‮ ‬والساحل‮ ‬الأفريقي‮ ‬الشرقي‮.‬
ولذلك كله بالغ الدلالة على ما كانت تتمتع به الدول اليمنية القديمة من حظ وافر في ثقافة البر والبحر الخاصة بالتجارة، وبما تحملهُ من رسالة حضارية اضطلعت بها الجاليات اليمنية التي أقامت في تلك الحواضر على طريق القوافل بين اليمن وأرض الشام. أو في الموانئ المنتشرة على طول الساحل الشرقي الإفريقي، ومدن الساحل الغربي للبحر الأحمر.. أو بما كان يتحلى به التاجر اليمني من دماثة الأخلاق، وحُسن التعامل، وشعوره بأنه سفير لبلاده أينما حل.. فقد ارتاد أسواق فلسطين، ومصر، واليونان، ودمشق وبابل وغيرها... وكسب ثقة أهلها واحتل بينهم‮ ‬مكانة‮ ‬مرموقة،‮ ‬
من‮ ‬ذلك‮ ‬ما‮ ‬عثر‮ ‬في‮ ‬الجيزة‮ ‬بمصر‮ ‬على‮ ‬قبر‮ ‬تاجر‮ ‬معيني‮ ‬نقش‮ ‬عليه‮ ‬اسمه‮ (‬زيد‮ ‬آل‮ ‬زيد‮) ‬والذي‮ ‬أضحى‮ ‬كاهناً‮ ‬في‮ ‬أحد‮ ‬معابد‮ ‬مصر،‮ ‬وكان‮ ‬يتاجر‮ ‬بالمر‮ ‬والقرفة‮ ‬أيام‮ ‬بطليموس‮ ‬الثاني‮ ‬حوالي‮ ‬264‮ ‬ق‮.‬م‮.‬

التجارة‮ ‬البـرية
‮( ‬طريق‮ ‬اللبان‮ ) ‬طريق‮ ‬البخور‮ ...‬
‭?‬وَجَعَلْنَا‮ ‬بَيْنَهُمْ‮ ‬وَبَيْنَ‮ ‬الْقُرَى‮ ‬الَّتِي‮ ‬بَارَكْنَا‮ ‬فِيهَا‮ ‬قُرًى‮ ‬ظَاهِرَةً‮ ‬وَقَدَّرْنَا‮ ‬فِيهَا‮ ‬السَّيْرَ‮ ‬سِيرُوا‮ ‬فِيهَا‮ ‬لَيَالِيَ‮ ‬وَأَيَّامًا‮ ‬آَمِنِينَ‭? [‬سورة‮ ‬سبأ‮: ‬الآية‮ ‬15‭]‬
عُرفت‮ ‬اليمن‮ ‬بغابات‮ ‬أشجار‮ ‬الطيوب،‮ ‬وبخاصة‮ ‬اللبان‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬من‮ ‬أهم‮ ‬وأحب‮ ‬وأغلى‮ ‬أنواع‮ ‬الطيوب‮ ‬المستخدمة‮ ‬بخوراً‮ ‬في‮ ‬معابد‮ ‬بلدان‮ ‬الشرق‮ ‬القديم‮ ‬وحوض‮ ‬البحر‮ ‬المتوسط‮.‬
وقد‮ ‬أدى‮ ‬الطلب‮ ‬المتزايد‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬اليمن‮ ‬إلى‮ ‬تطوير‮ ‬تجارة‮ ‬واسعة‮ ‬نشطة‮ ‬تركزت‮ ‬حول‮ ‬هذه‮ ‬السلعة‮ ‬التي‮ ‬تنمو‮ ‬في‮ ‬الجزء‮ ‬الأوسط‮ ‬من‮ ‬الساحل‮ ‬الجنوبي‮ ‬لليمن‮ ‬في‮ ‬بلاد‮ ‬المهرة‮ ‬وظفار‮ ‬الحبوضي‮ ‬بعمان‮.‬
ولذا‮ ‬عُني‮ ‬اليمنيون‮ ‬بالطريق‮ ‬الذي‮ ‬اختطوه‮ ‬لقوافلهم‮ ‬التجارية،‮ ‬والذي‮ ‬عرف‮ ‬بطريق‮ ‬اللبان‮.‬
ويبدأ طريق اللبان من ظفار الحبوضي بعمان المصدر الرئيس لإنتاج اللبان، ويتخذ في بدايته مسلكاً بحرياً إلى ميناء قنا الواقعة على بحر العرب بالقرب من حصن الغراب، ومصب وادي ميفعة، ومنها يبدأ الطريق البري الطويل الذي يمر بمدن الدول اليمنية القديمة (شبوة، وتمنع، ومأرب، وبراقش، ومعين بوادي الجوف...)، وفي منتصف الطريق إلى نجران يلتقي بمسلك بري من ظفار الحبوضي بعمان عبر وادي حضرموت فالعبر.. ومن نجران يتفرع طريق اللبان إلى فرعين أحدهما فرعي ويمر عبر قرية (الفاو) في وادي الدواسر، ومنه إلى منطقة اليمامة ثم إلى (هجر) فإلى (جرها) ومنها إلى جنوب وادي الرافدين، والآخر وهو الطريق الرئيس، ويمتد من نجران في اتجاه الشمال إلى مكة، والذي عُرف لاحقاً بدرب أسعد الكامل ثم سُمي درب أصحاب الفيل، ومنها إلى يثرب ثم إلى (ددان) في شمال الحجاز المسماة حالياً (العُلا) ومنها إلى (معان) وكلتاهما من المراكز التجارية التي استحدثها المعينيون، ثم يتجه الطريق بعد ذلك إلى مدينة (سلع) عاصمة الأنباط، وعندها يتفرع إلى فرعين: فرع رئيس يتجه إلى ميناء غزة، وفرع آخر إلى دمشق ومنها إلى مدن الساحل الفينيقي.
ولقد ظلت (سبأ) الدولة الكبيرة الأم صاحبة الشأن الأكبر في تجارة اللبان، حتى القرن الخامس ق. م. حين اتخذ المعينيون على كاهلهم بناء المراكز التجارية والحاميات من جوف المعينيين وحتى بلاد الشام، فيما عُني القتبانيون بسنّ الشرائع، ووضع القوانين التي تنظم أمورهم الاقتصادية، ومن ذلك ما اشتملت عليه مسلة ما زالت قائمة في عاصمتها (تمنع) بهجر كحلان حالياً، نقش على جوانبها تعاليم خاصة بسوقهم القديم (سوق شمر)، ويبين النقش: حظر عمليات البيع والشراء ليلاً لضمان جباية الضرائب، والرسوم المفروضة على التجار وتركيز التجارة في أبناء‮ ‬قاتبان‮ ‬الأصليين،‮ ‬وفرض‮ ‬رسوم‮ ‬إضافية‮ ‬على‮ ‬غير‮ ‬القاتبانيين‮.‬
وقد أحسن القتبانيون استثمار موقعهم على طريق اللبان التجاري، فجنوا من الزراعة والتجارة الخير الوفير.. ولكن هل استمرت تلك الدول تأخذ بأسباب العمران.. أم أنها أسقطت من حسابها الأسباب، فكان ذلك إيذاناً بزوال العمران!.

التنافس‮ ‬بداية‮ ‬النهاية‮.. (9‬)‬
‭?‬فَقَالُوا‮ ‬رَبَّنَا‮ ‬بَاعِدْ‮ ‬بَيْنَ‮ ‬أَسْفَارِنَا‮ ‬وَظَلَمُوا‮ ‬أَنْفُسَهُمْ‮ ‬فَجَعَلْنَاهُمْ‮ ‬أَحَادِيثَ‮ ‬وَمَزَّقْنَاهُمْ‮ ‬كُلَّ‮ ‬مُمَزَّقٍ‮ ‬إِنَّ‮ ‬فِي‮ ‬ذَلِكَ‮ ‬لَآَيَاتٍ‮ ‬لِكُلِّ‮ ‬صَبَّارٍ‮ ‬شَكُورٍ‮ ‬‭ ‬سورة‮ ‬سبأ‮: ‬الآية‮ ‬19‭‬
نمت الدولة اليمنية القديمة بفضل الزراعة والتجارة نمواً سريعاً حتى غدت الدول الناشئة تضاهي الدولة الأم، سبأ، بقوتها، ودخلت معها في تنافس محموم، وشاركتها نفوذها السياسي والتجاري، واعتمد الجميع كثيراً على الرخاء الذي تدره عليهم القوافل التجارية، وأهملوا الأرض والزراعة وتكرر انكسار السد أكثر من مرة، وتكرست الفرقة، وبلغ التنافس أشده في القرنين الثاني والأول ق. م. ودخلت الدول الخمس (سبأ، قاتبان، ومعين، وحضرموت، وحمير) في صراعات وحروب، وتصحرت القلوب من خضرة الأخوة والتعاون، فتصحرت تبعاً لها الأرض وأضحى الاعتماد على التجارة دون الزراعة، طيراناً مهيضاً، واستحالت عواصم تلك الدول باستثناء (حمير) التي كانت في طور الفتوة، إلى أشبه ما تكون بدول مدن القوافل التي يخضع ازدهارها وسقوطها للأوضاع التجارية والأطماع السياسية، كما حدث للبتراء، وتدمر والحَضَر، في شمال جزيرة العرب، فقد أدى بها ضعف قوتها إلى النَّيل من هيبتها، فطمع بها الناس دولاً وقبائل، فكانت حملة (إليوس جاليوس) الرومانية التي أخفقت عند أسوار مأرب عام 24 ق. م. في محاولة للسيطرة على الطريق البري والاستيلاء على طريق اللبان، من جهة أخرى طمعت القبائل البدوية المتنقلة في الصحراء بحواضر الدول اليمنية ومحطاتها التجارية، خاصة بعد أن تضرر أهل البادية أنفسهم من نقص مواردهم التي كانوا يجنونها من الطريق كجَمَّالة أو حماة قوافل، وأخذوا يشنون غارات السلب والنهب، مما اضطر سكان تلك الحواضر إلى هجر ديارهم والاحتماء بالمرتفعات الداخلية‮.‬
واستحدثت الدولة الحميرية طريقاً تجارياً في المرتفعات، يمتد من عدن عبر ظفار يريم، وصنعاء ونجران، ويصل إلى الطائف، وقد عرف بعضه بدرب أسعد الكامل، ويتصل هذا الطريق بالبحر عن طريق ميناء مَوَزعْ عبر مدينة السوا بالحجرية.

التجارة‮ ‬البحرية‮.. (10)
كان للدولة اليمنية القديمة في التجارة البحرية صولة وجولة، أحكمت فيها سيطرتها على الملاحة الدولية، في المحيط الهندي والبحر الأحمر، ومارست نشاطها التجاري بين الهند وكل من الحبشة والساحل الشرقي الأفريقي (بلادبُنْت) وجزيرة العرب، ومصر، والشام، ووادي الرافدين.
ولإحكام‮ ‬سيطرتها‮ ‬على‮ ‬التجارة‮ ‬البحرية،‮ ‬أقامت‮ ‬الموانئ‮ ‬على‮ ‬الساحل‮ ‬اليمني‮ ‬المطل‮ ‬على‮ ‬المحيط‮ ‬الهندي‮ ‬وعلى‮ ‬البحر‮ ‬الأحمر‮ (‬الشحر،‮ ‬قنا،‮ ‬عدن،‮ ‬موزع،‮ "‬المخا‮"‬،‮ ‬وموشج،‮ ‬وغليفقة‮ ‬والفازة‮...).‬
وقد استوطن الأوسانيون السواحل الأفريقية الشرقية في القرن السادس ق.م. ومنها توسعوا نحو السواحل الجنوبية، وأسسوا لهم فيها مراكز وحكومات مستقلة ارتبطت بوطنهم الأصلي اليمن.. ومن هذه المستوطنات التي أقاموها: زنجبار وأكسوم، ومشيخات في الصومال يرأسها حاكم يمني.
وكانت ميناء (موزع المخا) مركز البحر الأحمر، ومما جاء في وصف سوقها لصاحب كتاب الطواف حول البحر الأرتيري (50 ـــ 60م) قوله: (كان يرد إليها من البضائع أنواع الأقمشة الأرجوانية، ناعمها وخشنها، وألبسة خيطت على الزي العربي، ذات أردان قد تكون بسيطة أو عادية، أو مطرزة وموشاة بالذهب، أو الزعفران، وقصب الذريرة، وأنسجة القطن الشفافة، والأعبئة والأحزمة (البطانيات) ـ وهي ليست كثيرة ـ بعضها بسيط، وبعضها مصنوع على الطريقة البلدية، ومناطق ذات ألوان عديدة، ودهون وعطور بكميات معتدلة، والخمر، وقليل من الحنطة؛ لأنّ البلاد
لا‮ ‬تنتج‮ ‬إلاّ‮ ‬اليسير‮ ‬من‮ ‬المر‮ ‬الفاخر،‮ ‬والصمغ‮ ‬والرخام‮ ‬اللين‮ "‬المرمر‮ ‬القمري‮" ‬وسائر‮ ‬ما‮ ‬أسلفنا‮ ‬القول،‮ ‬وذلك‮ ‬كان‮ ‬يصل‮ ‬إليها‮ ‬من‮ ‬عوباليت،‮ ‬وأقصى‮ ‬الساحل‮ ..).‬
وقد‮ ‬استمر‮ ‬اليمنيون‮ ‬يسيطرون‮ ‬على‮ ‬هذه‮ ‬الطرق‮ ‬البحرية،‮ ‬متميزونْ‮ ‬على‮ ‬من‮ ‬سواهم‮ ‬بقدرتهم‮ ‬الملاحية‮ ‬التي‮ ‬اكتشفوا‮ ‬فيها‮ ‬حركة‮ ‬الرياح‮ ‬الموسمية‮ ‬على‮ ‬مدار‮ ‬السنة‮.‬
الملاحــة البحـريـة في البحـر الأحمــر، وخليج عــدن، والبحـر العـربــي، ويمارسون نشاطهم التجاري، ويستخدمون هذا البحر خطاً تجارياً لهم بين الهند والهند الصينية والصين، وجزيرة العرب، وبلاد الشام ومصر، وبلاد الحبشة والساحل الشرقي لأفريقيا.
وأسسوا‮ ‬الموانئ‮ ‬الجنوبية‮ ‬عليه‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬حصن‮ ‬الغراب‮ (‬قنا‮) ‬بشبوة‮ ‬وعدن‮.. ‬والمخا‮ ‬وغليفقة‮ ‬والفازة‮ ‬على‮ ‬ساحل‮ ‬تهامة‮.‬
إذاً‮ ‬فقد‮ ‬اشتهرت‮ ‬دولة‮ ‬سبأ‮ ‬وحمير‮ (11)‮ بالأبهة‮‮ ‬والعظمة‮ ‬وبالستين‮ ‬هيكلاً‮ ‬وأواني‮ ‬الذهب‮ ‬والفضة‮ ‬وأعمدة‮ ‬الرخام‮ ‬وعجلات‮ ‬مأرب‮.‬
وإنَّ‮ ‬أطلال‮ ‬القناطر‮ ‬المقامة‮ ‬على‮ ‬الأعمدة‮ ‬لتوصيل‮ ‬ماء‮ ‬الشرب‮ ‬للمدن،‮ ‬وهذه‮ ‬السدود‮ ‬والأحواض‮ ‬لتكشف‮ ‬عن‮ ‬براعة‮ ‬الرسم‮ ‬ومتانة‮ ‬البناء،‮ ‬التي‮ ‬بلغتها‮ ‬دولة‮ ‬سبأ‮ ‬في‮ ‬فن‮ ‬العمارة‮ ‬ومعرفتهم‮ ‬التامة‮ ‬بنظام‮ ‬الرّي‮.‬
وتُعتبر‮ ‬الملكة‮ ‬بلقيس‮ ‬من‮ ‬أشهر‮ ‬ملوك‮ ‬سبأ،‮ ‬والتي‮ ‬ورد‮ ‬ذكرها‮ ‬في‮ ‬القرآن‮ ‬الكريم‮ ‬والتوراة‮ ‬بلقب‮ ‬ملكة‮ ‬سبأ‮.. ‬وقد‮ ‬امتدت‮ ‬هذه‮ ‬الشُهرة‮ ‬إلى‮ ‬دولة‮ ‬حِمْيَّر‮.‬
وقد ساعد سبأ وحمير على الاستقرار ذلك الخصب الذي امتاز به هذا الأقليم الذي كانوا يسكنونه من بلاد العرب، كما كان لتجارتهم المضطردة الواسعة النطاق مع مصر وسوريا وبابل أثر كبير في تدفق موارد الثروة على هذه البلاد، وكان بعضهم يزرع الحقول، وبعضهم الآخر يتجر في البهار‮ ‬الذي‮ ‬تُقلهُ‮ ‬بلادهم،‮ ‬أو‮ ‬الذي‮ ‬يستجلب‮ ‬من‮ ‬الهند‮ ‬والهند‮ ‬الصينية‮ ‬والصين،‮ ‬وكان‮ ‬لسبأ‮ ‬أسطول‮ ‬بحري‮ ‬ثم‮ ‬ما‮ ‬لبث‮ ‬أن‮ ‬توسع‮ ‬في‮ ‬عهد‮ ‬الحميريين‮.‬
وقد كان لسبأ ذلك المركز التجاري؛ كما كان لها قوافل تخترق الصحراء إلى الشام وفلسطين لنقل السلع التجارية بينها وبين البلاد الأخرى، وقد تم التوسع في هذه القوافل وسُميت بطريق اللبان، وقد حافظ الحميريون على هذه الطريق، ولمَّا كثُرت الحروب بين سبأ وحمير، أقام الحميريون‮ ‬بديلاً‮ ‬لها‮ ‬على‮ ‬الهضبة‮ ‬والمرتفعات‮ ‬الجنوبية،‮ ‬والذي‮ ‬سُمي‮ ‬فيما‮ ‬بعد‮ ‬بدرب‮ ‬أسعد‮ ‬الكامل‮.‬
وكان‮ ‬مما‮ ‬ميزّ‮ ‬الدولة‮ ‬الحميرية‮ ‬قوّتها‮ ‬التي‮ ‬اتسمت‮ ‬بالفتوح‮ ‬التي‮ ‬وصلوا‮ ‬فيها‮ ‬إلى‮ ‬العراق‮ ‬وفارس‮ ‬وخراسان‮ ‬وشمال‮ ‬أفريقيا‮.‬
ومن‮ ‬أشهر‮ ‬ملوكهم‮ ‬شمرّيهرعش‮ ‬الذي‮ ‬ذكرت‮ ‬الروايات‮
‬وخربها‮ ‬وراء‮ ‬نهر‮ ‬حيحون،‮ ‬ثم‮ ‬بنى‮ ‬هناك‮ ‬مدينة‮ ‬سمرقند‮.‬
ومن ملوك حمير أسعد الكامل أبو كرب الذي قيل أنه غزا أذربيجان، وهزم ملك الفرس، كما هزم ملك سمرقند وقتله، وزعمت الروايات العربية أن جيوشه حاصرت روما، وأن القسطنطينية أدت له الجزية، وأنه غزا يثرب، وكسا الكعبة.. ورصف الطريق للإبل الذي عرف باسمه، والذي لازالت آثاره‮ ‬باقيه‮.‬
ومن ملوك حمير يوسف ذي نواس الذي حكم ببلاد نجران واضطهد المسيحيين وأحرقهم في الأخدود، واستبد بالحكم فلم يكن يؤمن بحرية الفكر والمعتقد، وكان ذلك مؤشراً خطيراً لزوال حكم الحميريين وانتشار الفساد الذي انتهى بسقوط الدولة الحميرية، وغرق ذي نواس في البحر كما تذكر‮ ‬الروايات،‮ ‬غير‮ ‬أن‮ ‬البدايات‮ ‬للسقوط‮ ‬تمثلت‮ ‬بغفلة‮ ‬الحميريين‮ ‬وطمع‮ ‬الآخرين‮ ‬بالموقع‮.‬
فقد كان سكان النيل(12) اكتشفوا في الحميريين أنهم وسطاء نشطون، يسهلون لهم سبل إيصال تجارة الشرق إلى بلادهم أو قريباً منها، رغم أنهم وجدوا فيهم في ذات الوقت منافسين مهرة، يستأثرون بجانب كبير من تلك التجارة وما تعود به من منافع، الأمر الذي دفع البطالمة والرومان من بعدهم إلى محاولة تقليص الدور الذي يقوم به الحميريون في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، فحاولوا الاقتراب منهم بالطرق الدبلوماسية، ووقعوا معهم معاهدة تعاون، فيما عاد الفرس في عهد الأسرة الساسانية إلى منافستهم، وظل الصراع قائماً بينهما في الخليج والبحر‮ ‬الأحمر‮.‬
* ولما آل أمر دولة حمير إلى الضعف لفساد الحكم، والاحتراب والفرقة، وظلم الإنسان، أضحى الرومان مسيطرين على الملاحة في البحر الأحمر، وتحالفوا مع الأحباش الذين استقووا بهم، وقاموا باحتلال اليمن وبسط نفوذهم على الطريق البري وعلى التجارة مع الهند، ولكن ذلك لم يطل،‮ ‬
فقد قام اليمنيون بطردهم، ولما حاول بعض الحميريين العودة إلى ممارسة نشاطهم البحري والتجاري، فقد أرّق ذلك الرومان، وسعوا ثانية إلى تأليب الأحباش على غزو اليمن، واحتلوها عام 542م. للمرة الثانية، وبقوا فيها حتى عام 575م. حين استعان سيف بن ذي يزن بالفرس تمكن من طرد الأحباش، ولكن الفرس مالبثوا أن حلوا محلهم في اليمن، وبقيت خاضعة للنفوذ ثم الحكم الفارسي حتى ظهور الإسلام، فيما ظل التنافس بين الفرس والرومان على الملاحة والتجارة في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والخليج والمحيط الهندي، حتى تلاشت الامبراطوريتان وحلت‮ ‬محلهما‮ ‬الدولة‮ ‬العربية‮ ‬الإسلامية‮.‬
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "الأخبار والتقارير"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
الجديد - القديم في المؤامرة ..!!
د. عبدالوهاب الروحاني

إلى هنا وكفى
أحمد الزبيري

إياك تقول أنا عربي
علي أحمد مثنى

المناخ مسؤولية الجميع
د. محمد العبادي

اليمن كلها أوقاف !!
عبدالرحمن حسين العابد

البعد المسكوت عنه في (العالمية) كمُنتَج غربي
محمد علي اللوزي

تَـقِـيَّـة
عبدالرحمن بجاش

تَصَاعُد وعي العالم بمأساة غزة
السيد شبل

التبعية الإيجابية والتبعية السلبية في تاريخ الحضارة اليمنية
إبراهيم ناصر الجرفي

من عملية التاسع من رمضان إلى ما بعد الرياض.. وَعْدٌ يتجسَّد
أصيل نايف حيدان

السنوار القائد والعقل المدبّر لهجمات 7 أكتوبر
سعيد مسعود عوض الجريري*

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)