علي محمد المنعي ❊ - الوحدة اليمنية ليست مجرد شعار سياسي أو عنوان لتفاهم تم بين نظامين سياسيين أسفر عن توقيع الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م بل إنها إرادة شعبية أرضاً وإنساناً وضرورة حتمية فرضتها طبيعة المجتمع اليمني من أقصاه إلى أقصاه ولا يجوز لنا القول بأنه قد تمت إعادة اللحمة فالتلاحم كائن وقائم وموجود والأواصر ثابتة من حيث الدم والعرق والأصل والفصل والمصير والتاريخ والجذور التي تؤكد جميعها مقولة مفادها (هنا اليمن) أي الجمهورية اليمنية من أقصاها إلى أقصاها وتلك حقيقة وطنية ثابتة، أما الجمهورية اليمنية المعاصرة الموحدة فإنها لا تمثل نفسها فقط وإنما تمثل الجذور الضاربة في أعماق التاريخ الإنساني من حيث الجغرافية السياسية (الجيوبوليتك) والحراك الإنساني يؤكد أن اليمن يمثل أصل العرب وقبل ذاك يمثل أصل ومنبع حضارات البشرية منذ انتهاء طوفان سيدنا نوح عليه السلام وحتى يومنا هذا، وبالتالي لابد لكل يمني أن يفخر بأنه أصل كل العرب بل وأصل حضارات العالم بأسره.
وساهم اليمانيون منذ مطلع التاريخ القديم عبر الهجرة والتجارة في بناء مجتمعات مدنية تشكل اليوم دولاً تمثل المصاف الأوائل في اقتصاديات العالم أمثال ماليزيا التي يتواجد فيها أكثر من 12 مليون يمني وبالمثل دولة اندونيسيا ودواليك، ومن ثم كان اليمانيون هم الأوائل في الفتوحات الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي، ولعل القرأن الكريم والسيرة النبوية قد شملت بعضاً من مآثر وبطولات اليمنيين حيث وصف الله شعب اليمن بأولي القوة والبأس الشديد، ووصفنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والتسليم بالحكمة والإيمان ودام اليمانيون في استمرار بطولاتهم في كافة مناحي الحياة إلى أن طرأ الاستعمار البريطاني الذي شطر جنوب الوطن عن شماله وتحرر الوطن اليمني بعد ذلك ومنذ ستينيات القرن الماضي سعى اليمانيون إلى توحيد الشطرين من حيث النظامين السياسيين الكائنين في الشطرين غير أن الشعب اليمني كان وما يزال وسيظل يمثل كتلة واحدة لا يبالي بالأنظمة السياسية المتعاقبة وقد تم تحقيق الوحدة اليمنية وإزالة العوائق بين الشطرين وعودة الأب إلى أولاده والأم إلى أولادها والأخ إلى أخيه وعودة الخال والعم إلى ذويه بعد أن تمت إزاحة نقاط التفتيش الفاصلة بين الشطرين(البراميل) وتوحد اليمن في كيان الجمهورية اليمنية بفضل الله ثم القيادتين السياسيتين في البلدين آنذاك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رحمه الله تعالى وفخامة الرئيس علي سالم البيض وقامت الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، وسط ترحيب وإرادة شعبية جماهيرية عارمة شملت كل أصقاع الوطن اليمني الموحد من سقطرى وحتى صعدة ومن باب المندب وحتى مأرب شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وشملت الفرحة كل مواطن ومواطنة في كل بيت وحارة وقرية وحي ومدينة ومحافظة في السهل والوادي والبر والبحر بل وبارك الله الوحدة اليمنية في السماء وبارك الله الوحدة اليمنية لدى الأشقاء العرب المخلصين والمسلمين والأصدقاء في طول العالم وعرضه وبدأت من هنا مسيرة التنمية وشهدت الجمهورية اليمنية طفرة في المشاريع والبنية التحتية من جامعات ومدارس وطرقات ومستشفيات ومصانع شملت كافة الجمهورية اليمنية وأيضاً شهدت الحياة السياسية طفرة في المشاركة السياسية وحرية الرأي والرأي الآخر ونشوء الأحزاب السياسية والتنظيمات وطفرة في الصحف السياسية الحرة والمعارضة والحكومية وساد جو من الديمقراطية كرستها الانتخابات البرلمانية والرئاسية آنذاك التي لاقت نجاحا باهرا بعون الله تعالى ثم إرادة الشعب.
ولا يخفى أن حرب صيف 94 قد مثلت تحدياً للوحدة اليمنية بل وهددت بزوالها، ودعمت تلكم الحرب أيادٍ خارجية هدفت إلى تمزيق الوحدة الوطنية بل والقضاء على اليمن أرضا وإنسانا وتصدر تلكم الحرب الغاشمة تيارات راديكالية انفصالية من أقصى اليسار (بعض قادة الحزب الاشتراكي) وتيارات إسلامية متشددة من أقصى اليمين (الإخوان المسلمين) حزب الإصلاح وتمحورت مابين مزعوم إسلام ومزعوم كفرة، وبرز تنظيم المؤتمر الشعبي العام الوسطي النابع من أعماق الشعب اليمني وأصالته ليصحح المسار ويجبر الضرر مابين مسمى الانفصاليين وضحايا ذلكم النزاع باعتبار أبناء اليمن لُحمة واحدة لا فرق بين اسود ولا ابيض ولا اشتراكي على إصلاحي، وشكل المؤتمر الشعبي العام آنذاك لجاناً استوعبت كل المتضررين وجبر خواطرهم واستيعاب كافة العسكريين وإدماجهم في منظومة جيش الجمهورية اليمنية دون حساب أو عقاب وتواصلت مسيرة النماء وحقق المؤتمر طفرة في المشاريع ومنها تكريس الديمقراطية بإقامة انتخابات 97م البرلمانية والرئاسية وتواصلت مسيرة النماء وصولاً إلى انتخابات 2006م التي اكتسح فيها المؤتمر الشعبي العام بنجاح باهر غالبية المقاعد النيابية والمجالس المحلية والرئاسة شهد العالم بنزاهتها وكافة المراقبين الدوليين الحاضرين بل وكافة الخصوم السياسيين المشاركين في الانتخابات .
ومن هنا استمر التآمر على اليمن ووحدته وشعبه أرضاً وإنساناً بدعم من النظام السعودي الحاقد والنظام القطري الإرهابي العميل للصهيونية ولتبدأ المعارضة العميلة للخارج من الداخل بتشكيل ما تُسمى أحزاب اللقاء المشترك، ومن العجيب والغريب أن ذلك اللقاء المشئوم قد شمل النقيضين بل العدوين اللذين خاضا صراع صيف 94م وكبد كل منها الآخر (ولم يحسم ذلك الصراع إلا برجال الوطن الشرفاء في كافة مناحي الحياة) لنجدهما في ما يسمى اللقاء المشترك قد أصبحا شريكين في عملية ومؤامرة إجهاض العملية الديموقراطية بل وتدمير الوحدة اليمنية وتمزيق اليمن أرضاً وإنساناً ترجمة ذلك الاتفاق المعادي لليمن في ما تُسمى ثورة الربيع العربي أو بالأصح العبري 2011م بعد أن فشلوا في الوصول إلى السلطة بالوسائل الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع بالانتخابات لذلك نجدهم قد ركبوا موجة الربيع العبري وقادوا المظاهرات وقطعوا السبل والطرقات وأقاموا المخيمات وسفكوا الدماء بدون وجه حق ونفذوا مخططات الغرب والصهاينة الرامية إلى إسقاط الأنظمة العربية وصولاً إلى الدولة الفاشلة، وليس ببعيد عنَّا جميعا ما تم في تونس ومصر وسوريا والعراق وليبيا والسودان .
وأمام تلكم التحديات كان ومازال وسيظل اليمن موحداً من أقصاه إلى أقصاه في مكون الجمهورية اليمنية والشعب اليمني الأبي رغم ظهور مكونات منذ عام 2011م تدعو إلى الانفصال ولكن المؤتمر الشعبي العام قد احتوى تلكم الطلبات التي كانت في حقيقة الأمر تمثل مطالب حقوقية لبعض المتضررين من أبناء المحافظات الجنوبية وتم حل الكثير منها وإدراج ما تبقى منها ضمن حوارات كان آخرها الحوار الوطني الذي أفشله هادي الدنبوع المنشق وتنظيم الإخوان بقيادة علي محسن قائد الجناح العسكري لتنظيم الإخوان والزنداني المرجع الديني وبعض أولاد عبدالله الأحمر كجناح قبلي الذين طالبوا وفقاً لتعليمات الخارج بأنشاء ما يسمى اليمن الاتحادي وتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، في الوقت الذي يسعى العالم إلى الوحدة كما الاتحاد الأوروبي والتعاون الخليجي، وليس ببعيد عنَّا الوحدة الألمانية التي أخذت عن التجربة اليمنية كبرنامج لها لتحقيق وحدتها وكذا سعي دولتي كوريا الشمالية والجنوبية على مسار ونموذج الوحدة اليمنية الخالدة لتحقيق الوحدة الكورية.
ختاماً نقول لقد خاب كل من حاول ويحاول تشطير الوحدة اليمنية إلى كيانات أو أقاليم أو كنتونات في الداخل والخارج وستظل الجمهورية اليمنية قائمة شامخة حتى قيام الساعة بعون الله تعالى القائل (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا) ثم بفضل كل أبناء الشعب اليمني الموحد.. ولعل الجميع يتذكر مؤخراً فوز منتخبنا للناشئين وحصولهم على كأس غرب آسيا الذي مثل الجمهورية اليمنية وعمت الفرحة قلب كل مواطن يمني وكل بيت وحارة وحي وقرية ومدينة ومحافظة في البر والبحر على امتداد مساحة الجمهورية اليمنية أرضا وإنسانا فالجميع على قلب رجل واحد.. فليتعظ الجميع وليكن شعارنا بالروح بالدم نفديك يا يمن وتحيا الجمهورية اليمنية خالدة مستقلة أبية عصية رائدة.
الرحمة والخلود للشهداء
والنصر والشموخ للوطن
ولا نامت أعين الجبناء
❊ محام وناشط حقوقي
عضو المؤتمر الشعبي العام
|