جميـل الجعـدبي - مما لاشك فيه أنّ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م، شكّل بارقة أمل وحيدة في سماء المنطقة العربية التي شهدت ومازالت تشهد انقسامات متعددة، يقابلها تكتلات وتحالفات دولية، وتضارب مصالح جيوسياسية، ومحاولات نشوء تحالفات دولية جديدة في ظل هيمنة القطب الواحد بعد تفتت الاتحاد السوفييتي في تلك الحقبة الزمنية.
اليوم وبعد نحو 3 عقود على إعلان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، تبدو الحاجة أكثر من ماسة لتجسيد مفاهيم وقيم الوحدة وتعزيز أواصر الانتماء والمصير المشترك ليس لليمنيين فقط بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية، وإنما أيضاً لشعوب المنطقة في دول الجوار في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
وفي ظل صور التجاذبات الدولية الحاصلة والحروب الباردة، والتطورات التقنية والمخاطر والتهديدات الصحية والامنية المشتركة، وتداعيات وآثار ثورة الانترنت والاتصال التي شهدها العالم اواخر القرن الـ21 وبداية الالفية الجديدة، والتي كان آخرها ظهور فيروس كورونا ومتحوراته، والحرب الروسية الاوكرانية وتأثيراتها على المنطقة العربية والعالم،، فانه يمكن القول إنّ أهمية الوحدة اليمنية، تكمن في كونها استبقت كل هذه التحديات والمخاطر، فجاءت كما لو أنها إجراء احترازي استباقي تنبأ بهذه التهديدات المشتركة للإنسانية على سطح المعمورة، كما إنه في ظل هذه التطورات يمكن القول إن الوحدة اليمنية مازالت تجربة قابلة للاستلهام ونموذجاً يقتدى به لمواجهة المخاطر المستقبلية، كتجربة قابلة للتمدد والاستنساخ في المنطقة العربية والعالم.
إن حالة الهوان والضعف العربي تحديداً وانهيار وتبدل موازين القوى عالمياً، والذي تشهده المنطقة العربية منذ هبوب رياح فوضى 2011م، وصولاً الى إنتشار فيروس كورونا، ما كان لهذا الضعف والهوان العربي ان يكون، لو كان هناك قدر معقول من العمل العربي المشترك، ولو كان هناك توحيد لجهود وزارات الصحة العرب (على سبيل المثال)، وصولاً الى مرحلة التكامل وتحقيق الأمن الصحي، بدلاً من البقاء في حالة العاجز المنتظر شراء منتجات أدوية مشكوك في سلامتها.
لقد وحدت ثورة الإنترنت والاتصال الرقمي الاجتماعي العالم قاطبة، وشهدنا عقد المؤتمرات العالمية والندوات التعليمية والمباحثات السياسية في غرفة دردشة واحدة، وبضغطة زر واحدة، كما شهدنا خلال السنوات الماضية كيف ان فيروس كورونا »covid 19« كسر حاجز الحدود الجغرافية، ووحدّ حكومات وشعوب العالم حول مخاوف واحدة وهموم واحدة، حيث شكّلت غرف العمليات الصحية المشتركة، متجاوزةً مفاهيم السيادة وتأشيرات السفر وشروط التنقل بين الدول.
ومما لاشك فيه أن هذه التطورات العلمية والصحية والأمنية تشكل في طبيعتها وسائل أمن وحماية مجتمعية شعبية للوحدة اليمنية، التي تكمل عامها الـ32 وسط امواج عاتية ساقها تحالف العدوان الاعرابي وما يزال، مستهدفاً بذلك ضرب النسيج المجتمعي اليمني وإثارة النعرات المناطقية والمذهبية والجهوية والقروية، وضرب روح الوحدة في وجدان المواطن، والتقليل من شأنها في الوعي الشعبي العام، وجعلها مقرونة بمظاهر الفساد المالي والاداري، والحروب والنزاعات، وتدهور الأوضاع المعيشية في جميع محافظات الجمهورية.
ولعل من الأهمية بمكان، وفي ظل المتغيرات الدولية المتسارعة، والثورة الرقمية الحاصلة، إعادة النظر في قراءة مفهوم ومعنى وقيمة الوحدة اليمنية، بعيداً عن الشطط الانفعالي والمسميات الجغرافية وحتى الرايات القماشية، فالوحدة اليمنية مصير أمة وقرار شعب، وليست ولن تكون خرقة قماشية على سطح مبنى حكومي، أو نزوة سياسية في أجندة مسئول يمني، أو سلعة رائجة في سوق الابتزاز السياسي، أو حتى مسمى بروتوكولي على ورق رسمي..
إن حالة التمزق والضعف التي تشهدها بلادنا اليمن اليوم، إنما هي في الواقع نتيجة طبيعية لحالة الانقسام السياسي الذي بدأ مطلع العام 2011م، والاحتراب والعدوان الخارجي والاحتلال لجزء من اراضي الجمهورية اليمنية، وهي الحالة التي جاءت كنتيجة طبيعية لمآلات ومخططات موجة فوضى ما أُسمي بالربيع العربي كفوضى خلاقة لقوى الاستعمار والاحتلال القديم- الجديد، وهي بالتأكيد حالة عارضة أو فترة استثنائية، فالثابت تاريخياً أن الشعب اليمني بقي موحداً حتى في فترات الصراعات والتشظي، وأن الوحدة هي الحقيقة الراسخة، وأن اليمن شعب واحد منذ الأزل ثقافة وهوية ولغة وتاريخاً وجغرافيا، وما واحدية معاناة اليمنيين اليوم جراء تفاقم الاوضاع المعيشية والحصار والعدوان في الشمال والجنوب والشرق والغرب إلاّ خير شاهد على ذلك.
|