الميثاق نت - تقرير / جمال الورد: - أجبرت الحالة المعيشية الناجمة عن العدوان والحصار آلاف الأسر اليمنية على الخروج إلى أرصفة الشوارع ومدّ يدها للتسوّل بسبب حالة الفقر المدقع والجوع التي تواجهه غالبيتها، لكن عصابات منظمة استغلت أيضاً تردي الأوضاع الإنسانية، وأجبرت أطفالاً على التسوّل لحسابها.
بعض فقراء اليمن لم يملكوا مع تردي الأوضاع الإنسانية عاماً بعد عام إلا خيار التسول، في وقت تؤكد الأمم المتحدة أن 20 مليون شخص يشكلون ثلثي عدد سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدة، منهم 12 مليوناً يجب توفير مساعدات غذائية ملحة لهم لتجنيبهم الجوع، ما يعني أن ظاهرة التسوّل ليست حديثة النشأة في مدن اليمن، لكن الأوضاع الإنسانية التي أفرزها العدوان والحصار وانعدام مصادر الدخل وارتفاع أسعار السلع فاقمت الظاهرة بشكل غير مسبوق.
أن تجبر الطفل ظروفه على التسول فذاك شيء وان يجبره والده على التسول فذاك شيء آخر..
ما اقسى ان ترى طفلا وقد اثقلته الهموم وتلاطمته لفحات الشمس الحارقة وانسلت الى جسده برودة الجو في الليل تاركة على وجهه آثاراً دامية .. تراه يمد يده يمنة ويسرة الى الناس تتجاذبه عيون المارة بشفقة لتسقط عليه بعض الريالات بعد أن تنتهكه آلاف الاهوال والهموم ..
ما يثقل الكاهل عندما يدفع الأب بابنه وفلذة كبده الى التسول للحصول على "حق القات " وكأن القات اصبح احب اليه من ولده ..
خوف ورعب
الطفلة هناء البالغة من العمر 10 سنوات تمسك بقوة بيد اختها الصغرى وعيناها ممتلئتان بالخوف والرعب تقف بين صفوف السيارات المتقاربة امام جامعة صنعاء تقف امام زجاج السيارة تلو الاخرى محاولة الحصول منهم على ما تيسر .. ثم تستوطن الرصيف حينما تهم السيارات بالانصراف السريع ..تستوقفك براءتها خوفها وترقبها ..اشياء كثيرة مختبئة في عينيها الصغيرتين المحفورتين في وجهها الملائكي منظرها يثير الشفقة والتساؤل في نفس الوقت .. تُرى ما قصة هناء.. ولماذا تمتلئ عيناها بالخوف والرعب.. اسئلة كثيرة تواجهك اذا تأملت تلك الطفلة؟
هناء.. لم تعرف من الهناء والراحة سوى الاسم فقط، توفيت والدتها وهي تبلغ 5 سنوات من عمرها ووجدت نفسها وحيدة مع اختها الصغرى ووالدتها في منزل يكاد يخلو من كل شيء .. لم تلقَ هناء نفسها إلا وهي مسئولة ومنذ نعومة اظفارها على اختها الصغرى وعلى منزل وعلى أب لا يعرف الرحمة..
تقول هناء: يوقظني ابي في الصباح الباكر لتوفير قيمة الغداء ثم اعود مجدداً لأوفر له قيمة القات واذا لم أحضر له قيمة القات يظل يضربني ويشتمني ويردني الى الشارع ليلاً ولا يفتح لي الباب الا اذا اتيته بقيمة "ربطة قات" .
وتضيف هناء : ما يبقيني دوماً خائفة انه في احد المرات لم استطع توفير قيمة القات لأبي فأخرجني بعد المغرب مع اختي الى الشارع وعندها حاول رجل اللحاق بنا ولكننا كنا قريبتين من المنزل فعدنا اليه ومن ذلك اليوم وعندي خوف شديد من الناس جميعا واخاف ايضا على اختي..
حرمان من التعليم
يتعرض الاطفال المتسولون الى الاستغلال والعديد من مخاطر الطرق والمواصلات والى الارهاق الجسماني المستمر كون بنية الاطفال ما زالت في طور النمو والاكتمال، كما يعانون من سوء المعاملة والحرمان والاهمال من الاسر والحرمان من التعليم..
عمر طفل في الحادية عشرة من العمر يتنقل من جولة الى اخرى ويتسول من سيارة الى اخرى ومن المارين جميعا يحاول جمع ما يمكنه من شراء ربطة القات لوالده..
عمر لم يكمل سنته الدراسية الاولى بل خرج من المدرسة الى الشارع ومن التعليم الى التسول..
يقول عمر : احب المدرسة كثيرا واتمنى لو اني استطيع ان ادرس واتعلم كبقية الاطفال ولكن أبي منعني من الدراسة وحرمني من التعليم ويخرجني صباحا من البيت ويقول لي " ياويلك ترجع بدون حق القات "
عمر يقضي معظم وقته في الشوارع ما بين تسول ولعب ولا يعرف طريق البيت سوى الظهيرة ليعطي والده حق قيمة القات ثم يعود الى الشارع ليرجع في منتصف الليل ..
فمن المسئول يا تُرى عن مصير هذا الطفل والذي اردف قائلا : اصعب المواقف حزناً عندما اقف الى جوار المدرسة وارى زملائي الذين كنت معهم وهم يدرسون.
حقوق الطفل
ينص الاعلان العالمي لحقوق الطفل على "وجوب كفالة ووقاية الطفل من ضروب الاهمال والقسوة والاستغلال وان لا يتعرض للاتجار بأي وسيلة من الوسائل وان لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسبة وان لا يسمح له بتولي حرفة او عمل يضر بصحته او يعرقل تعليمه او يضر بنموه البدني او العقلي او الاخلاقي"..
حيث ان من حق الطفل في اليمن ان يعيش كبقية اقرانه..
استغلال مادي وجسدي
اكدت دراسة أمريكية حديثة أجراها بعض الأطباء النفسيين أنه يوجد أكثر من 100 مليون طفل مشرد في العالم، أربعة ملايين منهم يعانون من الشلل الدائم بسبب العنف الذي يتعرضون له أو إصابتهم بجروح نتيجة الحروب المحيطة بهم، وأربعة ملايين طفل آخرين يعيشون لاجئين في المخيمات.
وتقول الدراسة إن هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم وهم على اتصال دائم بالشارع، فالأبوان يمتهنان التسول أو حرفًا بسيطة مثل العمل في جمع النفايات، فنجد الآلاف من هؤلاء الأطفال يولدون في الشوارع ويترعرعون فيها، حتى يتحول الشارع إلى بيت لهم، وأعمار هؤلاء الأطفال المتسولين بين ست وثماني سنوات وتمثل الإناث الغالبية العظمى منهم.
وينحدر غالبية الأطفال المتسولين من أسر بسيطة جداً أو تكاد تكون معدمة تتميز بكثرة عدد أفرادها، ويعيش غالبية هؤلاء الأطفال في بيوت بسيطة تتكون في معظم الأحيان من غرفة واحدة، والوالدان غير مثقفين أو بمعنى أصح أميين، ويدرس الغالبية منهم في المرحلة الابتدائية، ثم يتركون الدراسة بعد ذلك ليقضوا أكثر من خمس ساعات في التسول خارج المنزل وبتشجيع من أمهاتهم وآبائهم..
وغالباً ما يتعرض الطفل المتسول الى الاستغلال المادي والجسدي، وعادةً ما يتجه البعض من الاطفال الى السرقة.. ويرجح الباحثون ان الاطفال الذين يتسولون عادةً ما يحبون هذه المهنة بعد ممارستها لفترة طويلة ذلك لانهم يجدون في الشارع نوعا من الحرية الوهمية والتهرب من معايير الحياة الاسرية وتشددها برغم ان في داخلهم يودون الرجوع الى البيت والعيش في ظروف مغايرة ومستقرة.. ويقول العلماء النفسانيون الى ان الاطفال الذين في الشوارع يلازمهم الشعور بالقهر من الظروف القاسية وربما يلجأ الى أي شيء امامه لممارسته مثل المخدرات او الخمر وايضاً نجد ان نفسية الطفل المتسول متعبة جداً ونجده لا يثق بأي احد ويتنامى لديه الاحساس بعدم القدرة على الاندماج في المجتمع..
ويرجح علماء النفس انه غالباً ما تدفع الطفل ظروفه الى ممارسة مهنة التسول، واحياناً يكون احد الابوين عاملاً اساسياً للدفع بالطفل الى التسول ويحدث ذلك نتيجة الظروف الاجتماعية والاختلافات العائلية فلا يوجد ابوان سويان يدفعان بطفلهما وفلذة كبدهما إلى الشوارع للتسول ومعاناة الاهوال . |