محمد علي اللوزي - تبقى اليمن المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط، لارتباطها الوثيق مع القضية الفلسطينية ومواجهة العدوان الأوروأمريكي الشرس، الذي يستهدف طمس فلسطين كوجود تاريخي منذ الأزل بحكم موقعها الجغرافي أولاً، وإيمانها العميق بفلسطين كوجود حضاري تاريخي ثانياً، وبما يرمز إليه من عناوين دينية وموقع أطماع القوى الصليبية الغربية عبر امتداد التاريخ ثالثاً..
اليمن في هذا المنحى تدرك جيداً فحوى ومغزى التآمر الدولي الكبير على هذه المنطقة، في محاولة استلابها وجودها وإخضاعها للأطماع الصهيوأوروأمريكية، عبر الكيان الصهيوني الطارئ، الذي استطاع أن يتغلغل في جسد الأمة ويوجِد شروخات كبيرة تمكّنه من اللعب على أوراق عِدة للقضاء المبرَم على فلسطين كوجود وهوية، ومعه البترودولار العربي الذي قدم نفسه كمتعهد للدخلاء في خلخلة نسيج هذه الأمة، وإنكار فلسطين كقضية، وأحقية إسرائيل الطارئة في إقامة دولتها وتمكينها من قيادة دول المنطقة، وما يستتبع ذلك من تبعية عمياء للصهيونية العالمية، وترجيح كفة الميزان للإمبريالية العالمية في مواجهة الشرق..
أوليس الوطن العربي هو قلب الشرق الأوسط، وأينما يميل فإنه يرجّح الكفة لصالح من يميل إليه.. والبترودولار ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالغرب، وجعل لأمريكا قوة حضور رأسمالي كبير.. فلولا دول البترودولار وارتباطها الوثيق مع أمريكا وبيعها النفط العربي بالدولار الأخضر، لما كان لأمريكا كل هذه الهيمنة وهذا الصلف في امتهان حقوق الأوطان والشعوب، والبقاء كدولة راعية للإرهاب، وحامية للنازية الصهيونية، وصولاً إلى مستوى ألا تكون هناك جغرافيا اسمها فلسطين، ولقد كادت أن تنطمس ويتعالى صوت المطبّعين والخونة، الذين نرى بقاياهم على السوشل ميديا، وفي قنوات العار الصهيوعربية، وفي المنتديات والمحافل الدولية..
لقد استطاع طوفان الأقصى أن يعجن كل هذه المؤامرات، وأن يغيّر معادلات شرق أوسطية وعالمية، وأن يفتح مساراً نضالياً مقدساً يقيم وزناً للمقاومة، ويعرقل مسار التطبيع، ويفتح أفقاً واسعاً لوجودٍ فلسطيني ومقاومة شريفة لا تقبل بغير الحق، ولا يمكنها أن تتنازل عن كرامة وشرف الأمة، وأن تنجز مهامها التاريخية الكبرى في الانتصار لغزة بدلالتها الوجودية وبما قدمته من نموذج ناصع في لملمة الصف الإسلامي؛لتفشل رهانات المطبّعين الذين أرادوها حرباً سُنية شيعية، بدلاً من كونها حرباً بين فسطاطين هما الحق والباطل.. بين التاريخ كهوية، والطارئ كوجود عارض زائل، بين قِيَم إنسانية، وقوى شريرة نازية..
هكذا طوفان الأقصى فِعْلٌ إرادوي صنع معجزات أذهل الغرب كله، وكشف زيف ادّعائه بحقوق الإنسان، لنرى الجماهير في كل بلدان العالم تندّد بالغرب كمنتهك للحقوق والحريات، وللصهيونية كنازية وُجِدت من رحم النازية الألمانية، وتمثَّلتها وسارت ألعن منها في الدمار والقتل والتشريد وصناعة (الهولوكوست والابارتايد)، لتكشف عن الطغاة الجدد ومن يتساوق معهم من عرب سوائم، يمنُّون أنفسهم بالدعة والرخاء لو أن يهودياً نازياً انتصر؛ غير أن معركة الوعد الحق والجهاد المقدس، خربشت كل مخططات الأعداء، واعتلت قوى إيمانية موقعها الذي يجب أن تكون فيه من البطولة والتضحية والفداء.. اليمن ومعه محور المقاومة كان وما يزال الأنضج في فهم أبعاد المؤامرة الأوروأمريكية والصهيوخليجية..
لذلك اشتغل على جبهات القتال وأعدَّ من القوة ما أذهل الغرب الإمبريالي وفي مقدمته أمريكا التي رأت نفسها عاجزة عن مواجهة اليمن المقاوِم بكل قوتها البحرية من مدمرات وحاملات طائرات غربية وتحالف أوروأمريكي أرعن عجز عن تحقيق شيء ولو بسيط في مواجهة القوات اليمنية..
يقابل هذا في الجانب الآخر المقاومة في غزة والضفة ولبنان والعراق..
محاور عدة لهدف واحد، الانتصار لغزة وفكّ الحصار عنها، وتثبيت نصر طوفان الأقصى لقادمٍ يجيئ حتماً، لفعلٍ مقاومٍ إضافي ينجز الوعد الحق والجهاد المقدس.. ضمن هذا البُعد الاستراتيجي تقدم اليمن بقيادتها الإيمانية ممثلةً في السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- ما يزلزل الأعداء ويوقع بهم الهزائم، وينكّس راية الاستكبار العالمي، ويقضّ مضاجع الطُغاة، ويحطم البرواز الكبير لأمريكا الاستعلائية المهيمنة.. وقد سقط فعلاً، وإلا ما الذي يسوق أمريكا ومعها إسرائيل لتقديم شكوى لمجلس الأمن ولأول مرة في التاريخ؟!.. كما هي أول مرة تقصف (تل أبيب) في العمق بالصواريخ الفرط صوتية الساحقة المدمرة..
ما الذي يجعل أمريكا تندب حظها في البحر، وتتحول أساطيلها وقواعدها إلى عبء عليها ومجرد قوى وهمية تجبرها على إعادة حساباتها في مسألة العسكرتارية الأمريكية واعتبارها من التاريخ، أمام فشلها في مواجهة القوات المسلحة اليمنية؟!
أمريكا اليوم تقر وتعترف بأن بحريتها أصبحت من الماضي، وعليها أن تفكر جيداً في بديل يخرجها من ورطتها كدولة أعجز عن أن تكون قوة بحرية ضاربة..
لقد استطاعت اليمن أن تثبت بالتجربة وخيارات المقاومة وعمقها الإيماني ورؤيتها لتحولات الواقع وآفاق المستقبل، أن تصنع غداً جديداً وفتحاً مبيناً وانتصاراً يمحق كل مخططات المؤامرة الغربية والصهيوعربية؛ وتعيد المجد والتاريخ البهي لمعنى حركة التحرر النضالية..
اليمن أسقطت فعلاً هيبة أمريكا ومعها الكيان الصهيوني الذي حاصرته وأجبرته على دفع الثمن غالياً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ليغرق في مشروعه التدميري اللاأخلاقي..
وإذاً فإن اليمن في مواجهتها القوية والفاعلة للغرب والصهيونية شكَّلت الحارس الأمين والقوي والصادق والإيماني، في إبقاء جذوة النصر متقدة..
لقد أدركت أمريكا والكيان الصهيوني معضلة باب المندب اليمني وأهمية اليمن كموقع استراتيجي وهزيمتها أمام الفعل المقاوم وعلى وجه الخصوص مع اليمن؛فسعت إلى اتجاهات أخرى عَلَّها تكسب الرهان للفوز بوأد القضية الفلسطينية عند القضاء على المقاومة في غزة؛وطرحت في هذا المنحى جملة من المغريات أمام القيادة الإيمانية، ظناً منها أنها قد تغريها بالكف عن مناصرة غزة ليتفرد بها العدو، ومن ثم يعبث بفلسطين كهوية ووجود وتاريخ ومعه خونة العرب..
العائق الكبير هنا هو اليمن الذي أبى أن يخضع لأي مغرى مهما كان مقابل الكف عن نصرة الأقصى وغزة.. وحدها القيادة الربانية -ممثلةً في السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي- من أدرك البُعد الخطير الذي يحاول الغرب كله إقصاء اليمن كمعادلة صعبة من المقاومة ليتمكن الصهيوأمريكي من القضاء على المقاومة بكل سهولة حين تكف المقاومة في اليمن عن حصار الكيان الصهيوني وتهديد وجوده..
يسهل على الغرب الإمبريالي أن يوقع في المقاومة الهزيمة أو هكذا يُخيَّل له بمجرد تحييد المقاومة في اليمن؛لإدراكه أن مكمن الخطر في مواجهة تحديات القادم، فيما لو أنهى معركته مع المقاومة في غزة تتمثل بقوة وفاعلية في اليمن الذي يقدر بلا شك تحويل الحرب من بينية مع المقاومة، إلى حرب شاملة لا تُبقي ولا تذر عند أول منعطف خطير تتعرض له المقاومة، وإذاً فلا بترول، ولا مضائق بحار مفتوحة، ولامنشآت اقتصادية، ولا قواعد أمريكية، ولا مطارات، أو حركة سفن وموانئ.. كل شيء سيطاله الخراب وقابل للانهيار..
اليمن هي الوجود الحقيقي والكبير لغزة وفلسطين والمقاومة..
البُعد الاستراتيجي الكبير الذي تمثّله اليمن موقعاً جغرافياً وقوة عسكرية ضاربة، تجعل كل دول البترودولار ومكتسباتها رهائن.. فلسطين أو الدمار.. هذا ما يخشاه الغرب، وفطن إليه وأدركه بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.. من هنا تأتي اليمن قوة فاعلة وخطيرة وقادرة على تحقيق النصر الإيماني، كوعد حق وجهاد مقدس.. من هنا أيضاً تراهن المقاومة في استمرارية مواجهة العدوان على الجبهات في الداخل المحتل وجنوب لبنان وفي العراق، وهي تكتسب زخم قوتها من سندها ودعمها وشد عودها في مواجهة الطغيان من اليمن، من القيادة المؤمنة صادقة الوعد والعهد التي جعلت العدو يُسقِط من حساباته كل مخططاته من المغريات المالية والجغراسياسية والتمكين من دولة كاملة السيادة إلى المدمرات والبوارج وحاملات الطائرات والشبح B2 وما إلى ذلك من القوة الغاشمة.. لتجفل كل هذه الرهانات أمام قوة الإيمان بعدالة القضية والانتصار للإنسان الرافض للعبودية والخنوع.. هو إذاً نضال تحرري بقالب إيماني.
|