توفيق الشرعبي - أربعة عشر عاماً مرت على الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بعض عواصم الجمهوريات العربية؛ ونعتقد أن هذه الفترة كانت كافية لإعادة قراءة وفهم أحداث نهاية 2010 وبداية2011م..
ولفهمها بصورة موضوعية ينبغي أولاً الاعتراف بأن الأنظمة العربية بملكياتها وجمهورياتها -مع بعض الاستثناءات- منذ أمد بعيد كانت تحتاج لتغيير ثوري حقيقي بعد أن أوصلت تلك الأنظمة شعوبها -بفسادها- إلى حالة انسداد لا يمكن فتحها إلا بثورات تغييرية حقيقية..
هذا كان مُدرَكاً من قِبَل الغرب وتحديداً الدول التي تعتبر الشرق الأوسط والمنطقة العربية محور استراتيجية السيطرة على العالم بمنظومتها الرأسمالية التي انتصارها على المنظومة الاشتراكية جعلها ترى البديل في العولمة المتوحشة بنموذجها الرأسمالي الأمريكي بما يملكه من قدرات استخباراتية ومراكز أبحاث خلصت إلى أن عالَماً يقوم على نظام أحادي القطبية يحتاح إلى إعادة رسم الخارطة العالمية والبداية من الشرق الأوسط وكانت الحروب الذرائعية المبنية على مبررات كاذبة هي أقصر الطرق لشرق أوسط أمريكي جديد..
وهنا نشير إلى حرب الخليج الأولى والثانية واحتلال العراق وقبله غزو واحتلال افغانستان.. وبعد أن تبيَّن لأمريكا أن الحروب لم تحقق الغاية التي أُريدت منها بدأت تعمل انطلاقاً من فهمها لطبيعة الأنظمة التابعة لها والسياسات التي دفعتها للقيام بها أنها ستؤدي إلى ثورات حقيقية ليست في صالح استراتيجيتها فكان لا بد من قطع الطريق على هذه الثورات المحتمَلة قبل اندلاعها بالعمل على تفجير احتجاجات "الألوان" و"الفصول" والتي كانت نظرياتها جاهزة في العديد من مؤلفات منظّرين غربيين يمينيين وذوي توجهات صهيونية، وكان عليهم أيضاً من وقت مبكر إيجاد الأدوات لهذه الاحتجاجات للسيطرة عليها وتوجيهها باتجاهات تخدم الأجندة الأمريكية والأوروبية الغربية وتحديداً بريطانيا وفرنسا بحكم خبراتهما كمستعمر قديم لهذه المنطقة..
وكانت تلك الأداة هي جماعة "الإخوان المسلمين" التي بحكم أدبيات فكرها الأيديولوجي الديني وارتباطها الوثيق منذ خمسينيات القرن الماضي بالأنظمة النفطية في الخليج هي رجعية ولا تؤمن بالتغيير والعمل الثوري الهادف إلى تحقيق تطلعات الشعوب بالسيادة والكرامة والاستقلال؛ وتمت تهيئة الظروف لهذه الجماعة -التي تمارس السياسة بغرائز الكيد والمكر والكتمان- من اتجاهين:
الأول: ضرب كل القوى السياسية في الساحات والمجتمعات العربية لصالح وجود معادلة فساد الأنظمة وتطرُّف الجماعات الدينية..
والثاني: العمل على أن تصبح جماعة الاخوان في لحظة بروز أي توجهات تغييرية للشعوب هي المتصدرة لها والمسيطرة على تحريكها بالاتجاه المؤدي إلى الفوضى المنبثقة من الصراعات الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية والعشائرية، مع إمكانية إعادة إنتاج النظام القديم في أسوأ صوره لتتحول الحالة الثورية للاحتجاجات إلى فقدان أمل وإحباط ويأس يجعل المجتمعات والشعوب العربية لا تفكر بأي سعي للتغيير، والأسوأ من هذا تفتيتها إلى جماعات متناحرة..
وهذا هو واقع الحال اليوم في الوطن العربي من تونس مروراً بمصر وليبيا وانتهاءً باليمن وحتى سوريا التي لحقها الضرر بعد أن كانت قد قاومت -لأزْيَد من عقد- مشروع الربيع..!!
وكي نقف على هذه الصورة التي رسمناها لما آلت إليه الأمور علينا أن ننظر لما نحن فيه في اليمن من حالة تمزق اجتماعي وانحطاط سياسي وأخلاقي، فيه انكشف الجميع أمام الجميع بعد أن انتهت احتجاجات فبراير النكبة في "وجهها الإخواني" وما أنتجته من سلطة وأزمات قادت إلى عدوان هدفه غزو اليمن واحتلاله ودفن مواقفه المبدئية والثابتة مع القضية الفلسطينية ضد المشروع الصهيوأمريكي وأدواته من الأنظمة الرجعية في المنطقة التي لن يطول عليها الوقت حتى تجرفها ثورات حقيقية نُذُرها ـ تلوح وتختفي ـ تهدد عروش الطُغاة وفي مقدمتهم السعودية والامارات..!!
|