استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني - رمضان شهر الخير والبركة حلَّ علينا حيث نعيش أجواءه الروحانية، وهو فرصة للإنسان المسلم ليراجع نفسه ويعمل على قطف ثمار هذا الشهر الفضيل، بالبعد عما يغضب الله والتقرب إليه بالعبادة والذكر، فالصوم ليس الامتناع عن الأكل والشرب فقط، بل أيضاً صون اللسان وعدم جرح مشاعر الناس.. لا شك أن رمضان يأتي والناس تعيش ظروفاً صعبة، وتكابد الُأسر مشقة كبيرة في الإيفاء بمتطلبات هذا الشهرالكريم، في ظل انقطاع رواتب، ما جعل الناس في وضعٍ لا يُحسدون عليه، غير أن التكافل والترابط بين اليمنيين يظل إحدى العادات المتأصّلة فيهم، والتي تتجلي بوضح في رمضان شهر الرحمة والغفران والعتق من النار..
وقبل أن ندخل مباشرةً في الموضوع الذي نحن بصدده، علينا أولاً التعريج على ماهية الصوم، وجوهر هذا العمل الذي يقوم به المسلم بامتناعه عن تناول الطعام والشراب في هذا الشهر الكريم، الذي يرى البعض الطقوس الروحانية للإنسان المسلم مستغرَبة في بعض المجتمعات..
فيقول عنها الشيخ محمد الغزالي: فلسفة الصوم عبادة مستغرَبة أو مستنكَرة في جوِّ الحضارة المادية التي تسود العالم؛ واصفاً إياها بالحضارة التي تؤمن بالجسد، ولا تؤمن بالروح، وتؤمن بالحياة العاجلة، ولا تكترث لليوم الآخر!.. ومن ثَـمَّ فهي تكره عبادةً تُـقـيّد الشهوات ولو إلى حين، وتؤدّب هذا البدن المدلَّل، وتلزمه مثلاً أعلى..
وأضاف: إنَّ الأفراد والجماعات في العالم المعاصر تسعى راغبة لتكثير الدخل، ورفع مستوى المعيشة، ولا يعنيها أن تجعل من ذلك وسيلة لحياة أزكى، وتسارع إلى تبرئة الدين من حبِّ الفقر، وخصومة الجسم، فالغِنى سرُّ العافية، والجسم القوي نِـعْم العون على أداء الواجب والنهوض بالأعباء..
فلسفة الصوم
فلسفة التكليف في الإسلام تقوم على التيسير، وهذا يؤكد أنّ الهدف من الصيام -وإن كان فيه مشقّة- ليس التعسير على الإنسان؛ ولهذا فالمريض الذي لا يقوى على الصيام أو يتأذى منه يُعفى منه، ويعطى بدائل أخرى تناسب قدراته، يقول الله سبحانه وتعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا).. فالصيام يدفعك إلى أعلى مستوى من ضبط نفسك لمصلحة دنياك وآخرتك، ولتكون من الله أقرب، ولكنه في الوقت نفسه يعطيك أكبر قدْرٍ من التيسير والتخفيف، والجمع بين هذين المعنيين يشير إلى إحكام كبيرٍ في هذه الشريعة، فهما يضمنان ألا نجد إنساناً يُكلَّفُ بشيء يؤذيه، وهذا ينطبق على جميع شرائع الإسلام.. إنّ الاعتراض على الصيام في هذا العصر هو بحدِّ ذاته مفارقة كبيرة تدلّ على حكمة هذه الفريضة، وعلى ما يمكن أن يفعله الانغماس في الشهوات بلا ضوابط بالإنسان؛ فلم يَعْلُ صوتُ هذه الاعتراضات إلا في عصرنا هذا، عصرِ وسائل التقنية والتكييف والطعام الجاهز، ومع ذلك هناك من يتحدث عن صعوبة الصيام بل “استحالته”!، أي أنّ الاعتراض نفسه يدلّ على الخلل الذي جاء الصيام لضبطه وإصلاحه في النفس الإنسانية، وذلك حين تستسلم لحياة الدَّعة والاستهلاك والشهوات، فيُصبح صيام النهار مستحيلاً عليها حتى مع توافر كل وسائل الراحة!
تضامُن وتآزُر
قايد الوصابي يعتبر حلول شهر رمضان مناسبة دينية عظيمة.. داعياً اليمنيين للتكاتف فيما بينهم وإخلاص النية وعيادة المريض وتفقُّد المساكين.. مشيراً إلى أن هناك أُسراً متعففة تنتظر مدّ يد العون سواءً على المستوي الشعبي أو الرسمي الذي يجب أن يُضطلَع به من خلال تشجيع المبادرات الشبابية والطوعية للإسهام في التخفيف من أوجاع الناس..
الوصابي قال لـ "الميثاق": إن شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركات وموسم الرحمات والطاعات، والتزود بالأعمال الصالحة والغنائم، فرمضان هو الشهر الذي تُرفع فيه الدرجات وتقل فيه العثرات، وتُستجاب فيه الدعوات، فتتضاعف الحسنات وتُمحى السيئات.. رمضان شهر التكافل والتضامن الاجتماعي والتآزُر وتقديم كلّ ما يحتاج إليه الفقراء والمساكين، بل إنّ الإسلام جعل زكاة الفطر شرطاً لتكامل الصيام.. وهو من المواسم المباركة التي تسهم في غرس وتقوية مفهوم التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم.. ويضيف: يظهر التكافل والتعاون بين المسلمين من خلال المساعدات والمساهمات التي يقدمونها لإخوانهم المحتاجين..
معانٍ سامية
هذه الأعمال تظهر وبصورة جلية في المجتمع المسلم في شهر رمضان المبارك، وخصوصاً في بلادنا التي نحن أحوج ما نكون في الوقوف مع بعضنا، فهناك مظاهر خاصة بالمودة والرحمة بين الأصدقاء والأسر اليمنية تشتمل على الكثير من المعاني السامية والمشاعر الراقية التي يسعى اليمنيون لتجسيدها، فقد حث الإسلام على تأصيلها في نفوس أبناء المجتمع المسلم، حيث يسهم التعاون والتكافل في تعزيز وحدة المجتمع وتقوية أواصر تكافله والروابط بين أبنائه والتي يجب أن تستمر.. واختتم الوصابي قائلاً: ان الإسلام في جوهره قائم على المودة والرحمة والأخوة التي يتميز بها عن غيره من الأديان فهو دين الفطرة السوية بعيداً عن المظاهر المادية النهمة التي لا تراعي إنسانية الإنسان وتسلخه عن آدميته..
مدرسة التهذيب
الأستاذ عادل القديمي يقول: إن لهذا الشهر أهمية خاصة لدى المسلمين، ففيه تُفتح أبواب الجنة وتوصَد أبواب النار.. هذا الشهر مدرسة تربوية لتعلُّم التقوى، فالعبد المسلم عندما يصوم رمضان فإنه يؤدي فريضة من فرائض الله، وركناً من أركان الإسلام.. ويشير القديمي إلى أن شهر رمضان مدرسة لتهذيب الأخلاق وفرصة للتغيير وتدريب النفس لترك المحرمات من النظر إلى ما يُغضِب الله، أو الكذب وقول الزور.. رمضان فرصة سانحة لتصافح قلبك وتبتسم لذاتك، فيه مصالحة للنفس وطرد الأحزان..
غسل القلوب
علينا ترتيب النفس، ولملمة البقايا المتعثرة في داخل الإنسان، واكتشاف مواطِن الخير في الداخل الإنساني، وهزيمة النفس الأمارة بالسوء ومجاهدتها قدر الاستطاعة، وبغسل القلوب قبل الأجساد، واللسان قبل اليدين، وإفشال محاولات الشياطين لإفساد الصيام.. وأضاف القديمي: في رمضان أغمض عينيك بعمق لتدرك حجم نعمة البصر، ولتتذكر القبر، وظلمته ووحشته.. وتذكَّر مَنْ رحلوا تاركين خلفهم حزناً بامتداد الأرض، وجرحاً باتساع السماء، وبقايا ذكريات مؤلمة، ثم ابكِ وارفع يديك إلى ربك بالدعاء لعل الله يغفر لك ولهم.. وأضاف: ولا ننسى في هذا الشهر المحتاجين والمتعففين والذين يجب أن ينالوا اهتمامنا، فمبدأ التكافل والتراحم بين الناس مهم جداً لأنه يقوّي الروابط بين المسلمين، ولذلك كان الإسلام قد حث على هذا المبدأ ليس في رمضان فحسب، بل في كل الشهور..
معاناة وحاجة
لكن أم رباب ترى أن شهر رمضان يحل في ظروف صعبة، ففي كل سنة تزداد المعاناة، وكلما قلنا العام القادم سيأتي والأمور في تحسُّن، نجد أن الأمر والوضع لم يتغير بعد.. أم رباب التي تعمل عاملة نظافة في إحدى المشافي وتعول 4 أبناء، تستفسر عن الكيفية التي يتم فيها توزيع زكاة رمضان وبأنها مستحَقة، لكنها لا تحصل على شيء وبالكاد تغطي مصاريف البيت من عملها.. وأضافت: متى يشعر الميسورون بالفقراء والمساكين الذين أغلبهم في وضع صعب، الناس تغيروا كثيراً، لكن الله كريم لا ينسى أحداً.. نحصل على بعض التمر وقليل زيت وسكر من بعض فاعلي الخير، لكن بقية الناس ماذا تعمل ؟!
التكافل الاجتماعي
أيمن العميسي يرى أن التكافل الإجتماعي مهم، ويعرّفه بأنه التعاون بين أفراد المجتمع بحيث يقدم القوي العون للضعيف كي يتحقق العدل والتوازن الاجتماعي.. وهو يتماشى مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ نفَّس عن مؤمن كربة من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة".. وعلينا أن نتفقد إخواننا المعوزين والفقراء في هذا الشهر فالتكافل معناه كبير، التعاون والمواساة ومساندة ومساعدة بعضنا البعض بما يعود علينا بالخير في الدنيا والثواب في الآخرة، والله لاينسى أجر المحسنين.. ويشير إلى أن للتكافل جوانب منها الأسري والمجتمعي، ومن أبرز إيجابياته أنه يحد من الفقر والجريمة، وينشر المحبة والتعاون بين الأفراد، ويسهم في بناء مجتمع متماسك؛ وأن نشر ثقافة التكافل وتعزيزها يُعد مسئولية مشترَكة بين الأفراد والدولة لتحقيق مجتمع أكثر تماسكاً، ونحن مقبلون على شهر الرحمة.. داعياً إلى استغلال هذا الشهر في التواد والتراحم ومواساة بعضنا البعض وجبر خواطر المحتاجين وإكرام الجيران وتفقُّد أحوالهم وصلة الأرحام، والدال على الخير كفاعله.. وجزاكم الله ألف خير وشهركم مبارك.. أسأل الله أن يدخله على جميع المسلمين والمسلمات بالخير والعافية.. ودُمتم سالمين.
|