غسان حيدر - منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، اتخذ اليمن، رغم ظروفه الداخلية وتعقيداته السياسية والاقتصادية، موقفاً بطولياً وإنسانياً نابعاً من ضمير شعبي وإرادة وطنية، عبر دعمه المستمر والمباشر للشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة..
وقد تميَّز هذا الدعم بجرأة سياسية وعسكرية، حيث اختار اليمن أن يكون في طليعة القوى الإقليمية التي ترفض الصمت والتواطؤ، وتقاوم الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة..
في المقابل، ورغم فظاعة المجازر المرتكَبة يومياً في قطاع غزة، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين من النساء والأطفال، فإن الموقف العربي الرسمي، باستثناء سلطنة عُمان، اتسم إما بالصمت المخزي، أو بإدانة خجولة لم ترقَ إلى مستوى المجازر المرتكَبة..
بل إنّ هذا الصمت قد تكرَّس بشكل أكثر خطورةً بعد القصف الأمريكي المتكرر على الأراضي اليمنية، بحُجَج واهية تتعلق بحرية الملاحة، في حين أن الحقيقة هي معاقبة اليمن على موقفه الداعم لغزة، وكشْفِهِ زيف مواقف الآخرين..
اللافت في المشهد أن أغلب دول الجوار لم تُدِنْ بشكل صريح هذا القصف الأمريكي على اليمن، ما يفتح الباب واسعاً أمام قراءة هذا الصمت كنوع من الموافقة المبطَّنة، أو على الأقل توفير غطاء سياسي وإعلامي للهجمات، وهو ما يعادل عملياً مشاركة غير مباشرة في العدوان الأمريكي على الشعب اليمني.. هذا الموقف لا يمكن فصله عن معادلة التحالفات الإقليمية والدولية، حيث تبرز تبعية بعض الأنظمة للسياسات الأمريكية، ولو على حساب الشعوب العربية والإسلامية..
إنّ تجاهل الجرائم التي تُرتكَب ضد المدنيين في اليمن، من نساء وأطفال، ومنشآت مدنية، يعكس حجم الانحدار الأخلاقي في المنظومة الإقليمية، التي تتعامل بمعايير مزدوَجة مع العدالة والإنسانية..
فبينما تبرّر هذه الدول القصف الأمريكي بذريعة الأمن القومي أو التهدئة، فإنها تغضُّ الطرف عن جرائم حرب مكتملة الأركان، تمارسها طائرات أمريكية على أراضٍ عربية..
اليمن، رغم كل شيء، اختار أن لا يكون شاهد زور، ولا تابعاً خاضعاً.. انحاز إلى الموقف الأخلاقي والإنساني في دعم فلسطين، ورفض أن تُستباح دماء العرب والمسلمين تحت أعلام التحالفات الدولية الزائفة؛ وموقفه هذا يحرج المتقاعسين، ويُعرّي المتآمرين، ويكشف بوضوح أن الحرب على اليمن ليست فقط رداً على تهديد للملاحة، بل هي انتقام من موقف حُر، ودعم صادق لغزة..
وفي ظل هذا المشهد، يبقى الرهان الحقيقي على الشعوب، لا على الأنظمة؛ فالشعوب العربية، وإنْ كانت مكبَّلة إعلامياً وسياسياً، لا تزال تملك نبضاً مشترَكاً، يعيد ربط ما فُصل من قضايا، ويرى في اليمن وفلسطين جبهتين متكاملتين في وجه الاستعمار الجديد، الذي يتخفى وراء شعارات الأمن والسلام.
|