مطهر الاشموري - في الوقت الذي مارس ترامب ما يعتبر من التهدئة ربطاً بمرونة «ترطيب العلاقة مع روسيا»، فإن أمريكا تريد في الظاهر والعلن والإعلام أن تمارس تشدداً مع الصين ومع إيران..
كأنما أمريكا «ترامب» تريد التعامل بهذا التشدد كعمل سياسي، ولكن الواضح أن أمريكا لا تريد مواجهة عسكرية أو حرباً لا مع الصين و لا حتى مع إيران، وكأن أقصى ما تريده واقعياً هو تخفيف أو تخفيض موقف روسيا سواءً في الخلاف مع الصين أو في التفاوض مع إيران وما سيفضي إليه..
ولذلك فإن أمريكا عندما تقول إنها قد تنسحب من المفاوضات وحتى من التحرُّك باتجاه حل المشكلة الأوكرانية، فذلك بمثابة ضغط على روسيا لإحداث تغيير لصالح أمريكا فيما يجري مع الصين وإيران..
وكل هذا يؤكد أن التشدد الأمريكي الإعلامي الإعلاني مع الصين وإيران هو لانتراع أقصى ممكن من التنازلات، فيما أمريكا لا تريد واقعياً الحرب..
ولهذا، فأمريكا في إطار هذا التفعيل استعملت وتستعمل ورقة «إسرائيل» للضغط على على إيران عبر الترويج بأن إسرائيل تستعد أو استعدت لضرب المنشآت النووية الإيرانية..
إذا أمريكا في هذا السياق تستعمل ورقة إسرائيل في إطار الضغوط على إيران فالعالم يُجمِع على أن ما عُرِفت بالحرب الهندية الباكستانية وراءها أمريكا، وفيها تستعمل الهند ومتراكم خلافات مع الصين للضغط على الصين، ويؤكد ذلك بتوصيف ترامب الهجوم الهندي على باكستان بـ «المخزي»، كما يؤكده وقوف الصين الواضح المباشر مع باكستان..
استعمال أمريكا ورقة إسرائيل مع إيران وللهند في إطار الخلاف مع الصين ما يؤكد أن أمريكا لا تريد حرباً مع الصين، كما ليست مستعدة لحرب تزعمها مع إيران..
في جانب آخر متصل، فإنه عندما يأمر الرئيس الروسي «بوتين» بعمل حزام أمني مع أوكرانيا فذلك يؤكد مستوى من انعدام الثقة لا يزال مع أمريكا، واحتمالية أن يصبح الخلاف الأمريكي ـ الأوروبي مجرد لعب أدوار.. من البداهة أن أوروبا هي أعجز عن أن تواجه روسيا في أوكرانيا بدون أمريكا علناً أو سراً..
هذا يؤكد أن روسيا لن تتخلى عن إيران في حالة العدوان عليها، ولكن روسيا ستدعم بل وتمارس التوسُّط للوصول إلى اتفاق يرضي إيران وأمريكا، أما غير أو بعد ذلك فروسيا ستمارس تفعيل اتفاقها الاستراتيجي مع إيران ربطاً وبشكل مباشر بالأمن القومي لروسيا..
ولهذا فكل مستطاع روسيا ربطاً بتحسُّن علاقتها مع أمريكا هو دورها في فترة التفاوض والمفاوضات، ولكنها لن تفرّط بأمنها القومي ربطاً بتحسُّن علاقتها في حالة عدوان على إيران، خاصةً والطرح الإيراني وجيه ومعمول به عالمياً في حقها السيادي في تخصيب اليورانيوم مع التزامها للعالم بعدم امتلاك وتصنيع السلاح النووي..
لاحِظوا أن الغرب أجمع على أن قنبلة اليورانيوم المخصب على جبل نقم هي قنبلة إسرائيلية، وأن الطائرة التي ألقت القنبلة إسرائيلية مع "سعودة" شكْلها.. في ذات الوقت فأمريكا والغرب يرفضون مجرد طرح أو حتى طَرْق نووية إسرائيل، فكيف يقارَن ذلك باستعداد إيران لالتزام لكل العالم بعدم امتلاك أو تصنيع سلاح نووي، وكيف للعالم أن يظل يقبل هذه المزاوجة والازدواجية الأمريكية الغربية؟!..
إذا أمريكا قررت وسارت في غزو العراق خارج الشرعية الدولية، فإنه ليس الإنسانية ولا الأخلاق ولا معايير الشرعية الدولية هي التي تمنعها من شن حرب على إيران، وإنما لأن أمريكا لا تستطيع تحمُّل كلفة ونتائج وتداعيات هذه الحرب، وإذا من عوامل إلى جانب ذلك فهي المتغيرات الدولية وإتفاقات إيران الاستراتيجية مع روسيا والصين وقوى أخرى كما كوريا الشمالية..
إذا أمريكا وأوروبا هبُّوا لحماية إسرائيل والدفاع عنها أمام طوفان الأقصى ومن قبل سكان غزة المحاصرة لعقدين، فالأقوى والأكثر حُجةً وإقناعاً حيوية وحتمية إيران للأمن القومي الروسي والأمن القومي الصيني، وإنْ ظل البلدان في فترة الهيمنة الاستثنائية الأمريكية عالمياً يتحملان بمرارة وألم تجاوز مثل ذلك، إلا أن المستحيل بات تحمّل مثله أو تكراره..
ولهذا فأمريكا بـ«بايدنها» أو بـ«ترامبها» معنية ومن أجل ذاتها ومن ثم الآخرين أن تتعامل بواقعية مع العالم المتغيّر ومع متغيّرات العالم، ولم يعد الدفع بالهند إلى حرب أو التهديد بورقة إسرائيل لإيران مجدياً ولا مردود له، وإذا أمريكا والغرب عجزوا عن إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في أوكرانيا، فروسيا لم تعد التي تُشترى بتحسين العلاقات معها؛ ولترامب أن يفهم إنْ أراد، وإلا فالقادم كفيل بتفهيمه ما لم يفهمه.
|