عبدالسلام الدباء* - مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تتجدد مشاعر الفرح والأمل في قلوب اليمنيين، كما تتجدد معها أيضاً الهموم والضغوط التي تلقي بثقلها على كاهل المواطن في ظل وضع اقتصادي متدهور وظروف معيشية خانقة تمر بها البلاد منذ سنوات.. وبين فرحة العيد المنتظَرة ومتطلبات الواقع الصعب، يقف المواطن اليمني في مفترق طرق، يحاول جاهداً أن يحتفظ ببصيصٍ من البهجة في وجه الإحباط اليومي..
عيد الأضحى، بقدر ما يحمله من أجواء روحانية عظيمة مرتبطة بالتضحية والتقرُّب إلى الله، إلا أنه يرتبط أيضاً بمجموعة من المستلزمات التي أصبحت تشكّل عبئاً كبيراً على غالبية الأسر.. تبدأ هذه المستلزمات من الأضحية، التي أصبحت أسعارها في متناول القلة فقط، مروراً بشراء الملابس الجديدة للأطفال، وتوفير الحلويات والمكسرات، وصولاً إلى تجهيز ما يُعرَف بـ"العيدية" التي تُعطى للأقارب والأرحام، لا سيما الأطفال الذين ينتظرونها بلهفة..
في الواقع، إن هذه المتطلبات باتت تفرض نفسها على كل رب أسرة، حتى وإنْ كان دخله لا يكفي لتأمين أبسط الاحتياجات اليومية.. ومع ارتفاع أسعار اللحوم بشكل غير مسبوق، وازدياد تكاليف المعيشة، يجد المواطن نفسه في دوامة لا تنتهي، بين الرغبة في إحياء مظاهر العيد وإدخال السرور على أهله، وبين قدرته المحدودة على تلبية تلك الرغبات..
الأسواق تكتظ بالمتسوّقين، نعم، ولكن الغالبية يتجولون بنظرات مثقلة، يبحثون عن الأرخص، أو يكتفون بالمشاهدة دون قدرة حقيقية على الشراء.. كثير من الأطفال قد لا يحصلون هذا العام على ملابس جديدة، ولا على ألعاب العيد، ولكن الأهل يصرون رغم كل شيء على رسم ابتسامة على وجوههم، ولو كانت مستعارة من ذاكرة فرح قديم..
في خِضَم هذه الظروف، تتعاظم الحاجة إلى التراحم والتكافل بين الناس.. فالعيد لا يكون عيداً حقيقياً إن لم يشعر الجميع بفرحته، وإن لم تمتد يد العون من القادرين إلى المحتاجين، في صورة من صور التضامن الإنساني الذي يجب أن يتجلى بأبهى صوره في مثل هذه المناسبات الدينية العظيمة..
كما أن العيد ينبغي أن يكون أيضاً فرصة للتقارب والتفاهم بين الأطراف المتنازعة في اليمن.. ففي مثل هذه الأيام المباركة، التي تُعلي من قِيَم السلام والتسامح، لا بد أن تُدرِك جميع القوى السياسية والاجتماعية أن الوطن بحاجة إلى مصالحة حقيقية تفتح أبواب الأمل، وتعيد الاقتصاد إلى مساره الصحيح، وتُخفف عن كاهل المواطن البسيط أعباء لا قِبَلَ له بها..
وفي نهاية المطاف، وبين كل هذه التحدّيات، يبقى لسان حال المواطن اليمني يقول: "بأي حالٍ عُدتَ يا عيد؟".. سؤال تختلط فيه نبرة الحنين بمرارة الواقع، ولكنه لا يلغي حقيقة أن الناس ما زالوا يُقبلون على العيد، مهما كانت إمكانياتهم محدودة، ومهما غابت عنهم كثير من مظاهره المعتادة..
وفي هذا السياق، لا يمكن نسيان المثل اليمني الشهير: "العيد.. عيد العافية"، ذلك المثل الذي يُلخّص فلسفة العيد في أعماق الوجدان الشعبي، والذي يؤكد أن الصحة والعافية هما أغلى ما يملكه الإنسان.. فحتى وإنْ توافرت كل مستلزمات العيد من مأكل وملبس وزينة، فإن غياب العافية يجعل كل ذلك بلا قيمة..
عيد مبارك مُقدَّماً.. وكل عام واليمن وأهله بخير وسلام.
*مستشار وزارة الشباب والرياضة
|