موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


ارتفاع حصيلة الشهداء فى غزة إلى 34596 - حادث مروع يقتل ويصيب 31 شخصاً في عمران - ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 34568 - غزة.. ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 90% - نائب رئيس المؤتمر يعزي القاضي شرف القليصي - في يوم عيدهم.. أوضاع صعبة يعيشها عمال اليمن - الاحتلال يحول مدارس غزة إلى قواعد عسكرية - هل تحوَّلت بلادنا إلى سوق مفتوحة للمبيدات الفتاكة؟! - معدلات إصابة اليمنيين بالسرطان في ارتفاع مُخيف !! - تحوَّلت من ظاهرة إلى مهنة.. "التسوُّل" آفة اجتماعية خطيرة تُقلِقُ المجتمع -
مقالات
الخميس, 17-يوليو-2008
الميثاق نت -                               أ.د. سيف العسلي -



لولا فتنة البطنين لكان المذهب الزيدي من أفضل وأرقى المذاهب والفرق الإسلامية فتجويزه لإمامة المفضول مع وجود الفاضل قد مكنه من تجاوز أهم عقبات الشورى والديمقراطية ولذلك فهو بحق من أكثر المذاهب الإسلامية قبولاً للشورى والديمقراطية، فبفضل هذا المبدأ فإنه كان يمكن الفصل بين الدعوة والدولة في الاسلام لولا إدخال البعض عليه بدعة أحقية البطنين بالحكم.
فالأفضلية مهمة فيما يخص الدعوة ولكنها ليست كذلك فيما يخص الدولة، فنظراً لان الدعوة تعتمد على الإقناع فإن الأفضلية ضرورية لها وكذلك نظراً لأنها لا تتضرر بالتعدد فإنه لا يكون فضل شخص على حساب فضل شخص آخر، وبالتالي فإن تعدد وجهات الناس مفيد في مجال الدعوة وذلك بخلاف تعدد الدولة فلا يمكن في المجتمع الواحد ان توجد اكثر من دولة لكن يمكن ان تتعايش فيه أكثر من دعوة.
فمن الواضح انه ينتج عن تعدد الدولة فتنة لأن ذلك يحتم الاقتتال بين انصارها ولا شك انه قد ترتب على جعل الافضلية شرطاً من شروط الدولة ان تصارع كل من يعتبر نفسه أفضل من الآخرين أو من يعتبره أنصاره أفضل من الآخرين على منصب الخليفة أو الإمامة الذي لا يقبل التعدد، وكذلك فقد ترتب على اللجوء الى معيار الافضلية في تولي المناصب العامة تغيب الأمة عن المشاركة في ذلك، فإذا ما ادعى شخص ما بأنه الافضل وصدق دعواه هذه عدد قليل من الناس فإنه سيكون من الصعب إقناعهم بأفضلية غيرهم، وفي هذه الحالة فإن الفيصل بينهم هو السيف.
ومنعاً لذلك فقد كان من الضروري التخلي عن معيار الافضلية الذي تتضمنه فكرة أحقية البطنين في الحكم الى معيار آخر أكثر فائدة الا وهو رضا الامة أو أغلبيتها الذي يتضمنه مبدأ جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
فرضا الأمة «البيعة» أو أغلبيتها لا يمكن ان يتعدد فإذا ناله شخص ما فإن ذلك يعني عدم حصول الآخرين عليه، انه يمكن التحقق من حصوله لشخص ما من عدمه في حين أنه لا يمكن التحقق من أفضلية شخص ما على غيره.
ولذلك فإنه لو لا فتنة البطنين لأمكن القول بأن المذهب الزيدي أرقى من كل المذاهب الأخرى سواء كانت شيعية أو سنية إذ تقوم نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية الأمامية على افتراض العصمة للأئمة وبالتالي فإنها تقوم على مبدأ الأفضلية ولذلك فإن هناك تشابهاً بينها وبين متعصبي الزيدية، قد اضطر فقهاء هذا المذهب الى حصر الأئمة في اثني عشر إماماً معصوماً وفي هذه الحالة فإنه لا قيمة من الناحية الفعلية النظرية لأنه لا وجود في الوقت الحاضر لأي إمام معصوم يقود الامة بل أنه من الناحية الفعلية لم يتول منصب الإمامة فعلياً من هؤلاء الاثني عشر إماماً سوى الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ولا حد يدعى ان يتلقى التوجهات من الامام الثاني عشر، ومن الناحية النظرية فإن نائب الإمام في المذهب الشيعي يمكن ان يكون من غير المنتمين للبطنين أما الآثار المترتبة على فتنة البطنين فلا زالت قائمة حتى اليوم.
ولذلك فإنه يمكن القول بأن هذا المذهب لا يؤمن بالشورى ولا بالديمقراطية ففي حال الإمام المعصوم لا مجال البتة لأي نوع من الشورى أو الديمقراطية ولا وجود للشورى أو الديمقراطية الكاملة حتى في ظل نظرية ولاية الفقيه، فإن نائب الإمام «الفقيه» هو شبه معصوم وبالتالي فهو مستقل عن الامة بل انه في الحقيقة وصي عليها، فالكلمة الفصل في هذا النظام هي للولي الفقيه وعلى الأمة أن تختار ما يختاره نائب الإمام وليس العكس.
وتقوم نظرية الخلافة عند السنة على أساس الأفضلية أيضاً فقد تم الربط بين شرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على أفضليتهم ولذلك فقد كانت فترة حكم هؤلاء عند السنة فترة الخلافة الراشدة لأنه تولى فيها الخلافة الأفضل فالافضل ان غالبية السنة لا تعتبر الحكم الاسلامي الذي تلا الخلافة الراشدة كذلك باستثناء فترة حكم عمر بن عبدالعزيز لان من تولى الحكم فيها لم يكن وفقاً لمبدأ الافضلية ولكنهم مع ذلك يعترفون بشرعية حكمهم وفقاً لمبدأ الغلبة ولذلك فلم تتطور نظرية الخلافة لدى السنة لأن الغلبة أمر غير مرغوب والافضلية أمر غير قابل للتحقق.
ولم تستطع حتى الحركات الاسلامية السنية الحديثة تجاوز ذلك أي: تجاوز مبدأ الأفضلية أومبدأ الغلبة الى مبدأ الشورى الحقيقية وإلى الديمقراطية.
فأدبياتها تؤصل للحكم على أساس مبدأ الافضلية.. فالأحق بالحكم من وجهة نظرها هم الاتقياء الصالحون المؤمنون الساجدون الراكعون الصابرون ، لكنها في الواقع تمارس مبدأ الغلبة..إنها لا تعتمد على الانتخابات لملء المناصب الشاغرة في تنظيماتها.. وبدلاً من ذلك فإنها تتبع اسلوب التعيين الذي هو انعكاس حقيقي لمبدأ الاغلبية ، فهؤلاء المعينون هم الذين يعينون من عينهم أو من سيعينهم فقط القلة النخبوية هي التي تتحكم بالحركات أو التنظيمات الاسلامية وما عداهم فما عليهم إلا السمع والطاعة لمن غلب ، ولاشك أن تأصيلاً كهذا وممارسة كهذه لا تنسجم مع الممارسات الشوروية والديمقراطية الحقيقية التي تتطلب الرجوع الى المنتمين لهذه الحركات والتنظيمات لاختيار قادتهم أو لعزلهم.
وعلى الرغم من أن المذهب الاباضي قد أقر بأهلية كل فرد من أفراد الأمة يصلح لتولي منصب الخليفة أو الإمام إذا ما تمت مبايعته إلا أنه قد قيد ذلك باختيار أهل الحل والعقد الذين هم في نظرهم ليسوا كل أفراد الأمة، فقد تم في الواقع تقيد ذلك من خلال حصر أهل الحل والعقد في بعض العلماء، ونتيجة لذلك فإن الشورى لم تطبق كما يجب في المناطق التي خضعت لهذا المذهب، فقد ظل مبدأ الغلبة يلعب الدور الأساسي في عملية اختيار الخليفة أو الإمام، والدليل على ذلك هو شيوع الحكم الوراثي فيها.
وهكذا يتضح ان المذهب الزيدي كان مؤهلاً لتطبيق الشورى في المجال السياسي لولا فتنة البطنين لكن لسوء الحظ فإن ذلك لم يحدث نتيجة للتأثير السلبي لفكرة أحقية البطنين في الحكم، ولا شك أن هذه الفكرة قد منعت من تحول هذا المذهب الى مذهب كبير فقد تقلصت واختفت العديد من مميزاته الكبيرة نتيجة فتنة البطنين.
وعلى الرغم من ان هذه الفكرة لم تكن أصيلة في المذهب الزيدي فقد نجح القلة من المنتمين له في إدخالها إليه مع أنها بدعة وتم استخدامها كوسيلة لاختطافه ومن العجيب في الأمر أن جهود الغالبية العظمى من علماء هذا المذهب لم تنجح في تحريره من ذلك حتى اليوم والأكثر استغراباً في الامر ان غالبية ذريتي الحسن والحسين ابني علي -عليهم السلام- كانوا من اكثر المتضررين منها، ولذلك فان الوقت قد حان للقضاء على هذه الفتنة للاسباب التالية:
أولاً: أنها بدعة فلا وجود لأي دليل عليها لا نقلي ولاعقلي، لا خفي ولا جلي، فلم يشر القرآن اليها لا من قريب ولا من بعيد ولم يرد لها ذكر في الصدر الأول من التاريخ الإسلامي، فقد انحصر الخلاف بين المسلمين (سنة وشيعة) في بداية الأمر حول أحقية علي بن أبي طالب في الإمامة وأحقية كل من أبي بكر وعمر وعثمان بها، ولذلك فلم يتم التعرض لأحقية ذرية علي -رضي الله عنه- في ذلك على الإطلاق، ومن الواضح انه لايوجد نص صريح على كون النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى لأي من ذرية علي -رضي الله- عنه فيها.
لم تشر الى ذلك حتى الأحاديث المروية عند الشيعة، فبغض النظر عن صحة حديث غدير خم من عدمها فان ذلك الحديث لم يشر الى أحقية ذرية علي كرم الله وجه في أية ولاية لا من قريب ولا بعيد، بل انه لم يثبت عن علي رضي الله عنه مايشير الى انه تحدث عن أحقية ذريته في الحكم، ولذلك فانه لم يعين ولده الحسن رضي الله عنه إماماً بعده ولم يوصِ له بذلك، وهذا هو مافعله الإمام الحسن رضي الله عنه مع أولاده ومع أخيه الحسين، وقد حذا الإمام الحسين حذو أبيه وأخيه فلم يثبت عنه انه عين احداً بعده أو أوصى بها لأحد، ولايشكك في ذلك اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان من نجا من القتل من أولاد الحسين كان هو زين العابدين علي بن الحسين والذي كان لايزال غلاماً عند استشهاد أبيه لايصلح للإمامة.
فلم ينقل بالإضافة الى ذلك أي احتجاج بهذا الحق من قبل كل من خرج على الدولة الأموية والعباسية ممن ينتمون الى البطنين، فقد أوضحوا بمالايدع مجالاً لأي شك بأن دافعهم الوحيد هو ازالة الظلم، ولاشك انه يحق لهم كأي فرد من أفراد الأمة مقاومة الظلم دون الحاجة الى أي دليل خاص بهم والأكثر أهمية من ذلك أن الإمام زيد بن علي رضي الله عنه مؤسس المذهب الزيدي لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى أحقية البطنين بالإمامة.
إذن فلا وجود لأي اساس ديني لهذه الفكرة، ولذلك فان محاولة البعض فرضها على الناس فرضاً وبالقوة هو من اشد انواع الفتن، فأي ادعاء سياسي لايبرر قتل النفس التي حرمها الله لانه لا يجوز قتل الناس وإراقة الدماء من أجل الحصول على مكاسب سياسية.
ثانياً: تناقض هذه الفكرة الصريح والواضح مع مبدأ إجازة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، اذ ان هناك شبه اجماع بين علماء الزيدية المتقدمين والمتأخرين على هذا المبدأ، في حين ان المدافعين على فكرة أحقية البطنين بالإمامة هم القلة القليلة، ولذلك فقد وجد مبدأ اجازة ولاية المفضول مع وجود الفاضل ليدل على عدم صحة أحقية البطنين بها وعلى تمتع كل المسلمين بحق تولي الخلافة حتى وان تفاوتوا في الفضل.. فالاستشهاد بأدلة افضلية آل البيت عموماً وأولاد الإمامين خصوصاً لايعطيهم حق احتكار الامامة ولايمنع غيرهم من توليها اذا ماتمت البيعة لأي منهم، فهو أولى بها سواء كان من البطنين أو من غيرهم، فهذه الأفضلية تنحصر في الأجر في الاخرة وليس في الدنيا، فصحة البيعة في الدنيا هي مصدر شرعية الإمامة وليس صحة النسب.
ثالثاً: إن حصر الإمامة على البطنين عنصرية لاتنسجم مع قواعد وأصول ومقاصد الاسلام، اذ يقول الله تعالى في سورة الحجرات « يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيراً منهن ولاتلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون # يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولايغتب بعضكم بعضاً أيحب احدكم ان يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم # يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير ( الحجرات: 11-13).
فأي شيء أكثر سخرية من تميز البطنين بالإمامة عمن دونهم من المسلمين وأي لمز اشد من التفرقة بين الناس في الحقوق على أساس العرق وأي تنابز اشد من إطلاق اختصاص البعض بلقب (سيد) والبعض الآخر بلقب (رعوي) وأي ظن أسوأ من الشك في دين أي مسلم لأنه فقط لاينتمي الى البطنين وأي تجسس أبشع من البحث عن نسب اي انسان لاحتقاره وأية غيبة أنتن من اتهام الموتى بأقبح التهم والصفات بهم فقط من اجل تعظيم من ينتسب الى البطنين، فلا يوجد أي مبرر للافتخار بالأنساب لأن الناس كلهم لآدم وآدم من تراب.
فالتفاضل بالتقوى مشروع ومطلوب لأنه يعكس فعلاً تفاضلاً موجوداً على أرض الواقع وثانياً لانه دافع للسعي الى مدارج الكمال البشري، انه يعني الحكم على أي انسان وفقاً لتصرفاته وممارساته التي يختارها بمحض ارادته، اما التفاضل بحسب النسب فانه يعني الحكم على الناس فيما ليس لهم فيه اختيار، فلم يختر احد منا أمه ولا أباه ولا سلالته وبالتالي فانه من الظلم معاقبته على ذلك وكذلك فانه من غير العدل مجازاته على ذلك، لكن كل انسان يختار تصرفاته وممارساته فإن كانت خيرا فانه يستحق الثناء عليها وان كانت شراً فانه يستحق الذم بسببها.
رابعاً: لا عصمة لأية امة ولا لأية أسرة.. لم يخلق الله امة من الأمم ولا أسرة من الأسر كاملة منزهة عن اي أخطاء او تقصير، ولذلك يقول الله تعالى في سورة البقرة « واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين (124)»، ولذلك فانه لايمكن تزكية اسرة بكاملها حتى ولو كانت أسرتي الحسن والحسين عليهما السلام.
فأية امة أو أية اسرة تضم الصالحين وغيرهم ولاشك ان ذلك ينطبق على البطنين وعلى غيرهم، اذ يقول الله تعالى في سورة البقرة « وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كانو هوداً او نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (112) وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لايعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (113).
فالتاريخ لايشير لا من قريب ولا من بعيد بان المنتسبين الى البطنين كانوا أكثر تقوى من غيرهم، أي أنهم لايتميزون في المتوسط بالتقوى عمن ينتمي الى غيرهم من الأسر، ومن يشكك في ذلك فعليه ان يثبت العكس، إذ انه في الوقت الحاضر يمكن ان يستخدم لإثبات ذلك كل الطرق الإحصائية المتطورة وأجهزة الحاسوب المتطورة.
فالنتائج العملية المستخلصة من التقدم العلمي في مجال الحمض النووي والخارطة الجينية تؤكد تساوي الأمم والأسر في الذكاء وغيرها من الخصائص وبالتالي فانه لايوجد اي دليل على تميز مجموعة من البشر عن المجموعات الأخرى، وقد أثبت الله تعالى في القرآن هذه الحقيقة اذ يقول الله تعالى في سورة المائدة: «وقالت اليهود والنصارى نحن ابناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض ومابينهما واليه المصير (18) فالمنتمون للبطنين هم بشر ممن خلق الله فيهم التقي وفيهم الفاسق وفيهم الذكي والمتوسط والبليد.
فإذا كان الأمر على هذا النحو فإن أحقية البطنين بالإمامة هي بدعة وفتنة، ولذلك فانه يجب إحلال مبدأ جواز إمامة الفاضل مع وجود المفضول محل فكرة أحقية البطنين، انه مبدأ عام ينسجم مع تساوي الناس في الأمة بكاملها، انه يتيح التراضي على ولي الأمر وعلى تطوير شروط بيعته وفقاً لمعايير يمكن للجميع التأكد منها ويمكن للجميع مراقبتها ويمكن للجميع الرجوع عن البيعة اذا لم يتم الوفاء بها.
خامساً: ان هذه الفكرة تتناقض مع مبدأ جواز الخروج على الظالم، فاذا كان الأئمة من البطنين على درجة من الصلاح تمنعهم من الظلم فانه لايجوز في هذه الحالة الخروج عليهم، اما اذا كانوا مثلهم مثل غيرهم يمكن ان يكونوا عادلين ويمكن ان يكونوا ظالمين فان جواز الخروج عليهم يكون له مايبرره، لكن في هذه الحالة فان حصر الإمامة بينهم لافائدة منه ولامبرر له لأنه يعني ان الدين يبرر الظلم وذلك محال.
تشير التجارب في هذا المجال إلى ان الأئمة المنتمين للبطنين كان من بينهم الأئمة العادلون والأئمة الظالمون، ولذلك فلا فائدة من حصر أحقية الإمامة فيهم.
ولاشك ان ذلك يشكك بحديث الثقلين وخصوصاً في فهم من فهمه على انه دليل على أحقيتهم بالإمامة، فإلى جانب ان الشك بهذا الحديث ينبع من تعدد الصيغ المتناقضة التي روي بها، فبعض هذه الروايات تثبت أهل البيت والبعض الآخر يذكر بدلاً عن ذلك عترة النبي والبعض الآخر يورد سنة الرسول بدلاً عن ذلك واخرى تستبدل ذلك بسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فان الشك ينبع من حقيقة أن آل البيت ليسوا معصومين، ولايعقل ان يساوي الله تعالى بين من ليسوا بمعصومين وبين القرآن المعصوم والذي حفظه الله من التحريف والتغيير والتبديل.
ان إقرار علماء المذهب الزيدي بجواز الخروج على الأمة الظالمين من البطنين هو إقرار بعدم عصمتهم، وبما انه لايمكن التعرف مسبقاً على الظالمين منهم من غير الظالمين فان اشتراط الانتماء للبطنين لمن يتولى الإمامة لا فائدة منه على الإطلاق، ولذلك فانه لابد من تطوير معايير أخرى تقلل الظلم الى أقل قدر ممكن، وبما ان الله تعالى لم يضع هذه المعايير فان مسؤولية وضعها تقع على الأمة كلها، ففي حال تحقق الظلم فان اثر ذلك سيقع على الأمة بكاملها وليس فقط على جزء منها، واذا كانت الأمة كلها مسؤولة عن ذلك فان افراد الأمة كلهم مؤهلون لأن يكونوا أئمة اذا انطبقت عليهم هذه المعايير.
إن تكليف جزء من الأمة في ذلك يعني إهمال الجزء الآخر مما قد يعرضه للعديد من الممارسات الظالمة، ولاشك ان ذلك يتناقض مع عدل الله المطلق، اذ يقول الله تعالى في سورة البقرة «واتقوا يوماً لاتجزي نفس عن نفس شيئاً ولايقبل منها عدل ولاتنفعها شفاعة ولاهم ينصرون (123)» ويقول الله تعالى في سورة آل عمران «تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين(108)».
سادساً: ان أحقية البطنين بالإمامة غير قابل للتطبيق في العصر الحديث، اذ انه لايمكن الجزم بيقين كامل بأن كل من يدعي انه ينتسب الى البطنين هو في الحقيقة كذلك، فقد انتسبت العديد من الأسر العادية اليهم اما بسبب المصاهرة واما بسبب الاستفادة من المزايا التي كان يتمتع بها المنتمون للبطنين، ولذلك فإنه لايمكن التفرقة بين الادعاءات الصادقة والادعاءات الكاذبة.
سابعاً: لقد ثبت بالدليل القاطع ان محاولة تطبيق هذه الفكرة في اليمن قد سببت تخلف اليمن وعدم استقراره، فعلى الرغم من ان حكم الأئمة المنتمين للبطنين قد استمر حوالي الف عام لفترات متقطعة اي من أواخر القرن الثالث عشر الهجري الى اواخر القرن الرابع عشر الهجري فان اليمن لم يشهد استقراراً قط، ولاشك ان ذلك يدل على عدم وجود أية فائدة منه ولذلك فان غالبية اليمنيين لم يقبلوا به.
والأكثر اهمية من ذلك ان استقرار اليمن في ظل تولي من لاينتمون الى البطنين الإمامة كان اكبر وأفضل، ولذلك فان ادعاء تحقق العدل والرخاء والاستقرار في حال تولي الإمامة من ينتمي إلى البطنين أمر لايمكن تصديقه، فهاهم قد تولوها في اليمن ولفترات عديدة لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق البتة في الماضي، بل على العكس من ذلك فقد رافق تولي هؤلاء الأئمة العنف وإسالة الدماء، ولايمكن ان يتغير الأمر في المستقبل في حال نجاحهم في ذلك.
فلم ينجح مؤسس الدولة الهادوية في اليمن ان يحقق ذلك ومن ثم فقد مات وهو يخوض المعارك لتثبيت حكمه، ان ذلك يعني ان هذا الحكم قد فرض على اليمنيين فرضاً ولم يقبلوا به طوعاً أي ان غالبية اليمنيين لم تقتنع بفكرة أحقية البطنين في الحكم، وقد استمر الصراع المسلح على الحكم بعد وفاته بين أبنائه وأتباعهم من جهة وبين المعارضين لحكمهم من أبناء اليمن من جهة اخرى، وقد توسع هذا الصراع فيما بعد ليشمل الصراع بين أبنائه وأحفاده الأمر الذي ترتب عليه سقوط حكمهم.
لكن بعض المنتمين للبطنين لم يعتبروا من ذلك فأصروا على الوصول الى السلطة متمسكين بهذا الحق ومستخدمين نفس الوعود اي إزالة الظلم وتحقيق العدل، لكنهم لم يفعلوا، والدليل على ذلك ان غيرهم من المنتمين للبطنين قد خرجوا عليهم وادعوا هذا الحق لأنفسهم، وهكذا فان هذا الادعاء لم يعد مقتصراً على المنتمين للإمام الهادي بل نافستهم عليه فروع أخرى من ابناء البطنين ولعل من ابرز هؤلاء الإمام العياني وأولاده وأحفاده، وعلى الرغم من الدعم الذي تلقاه هذا الإمام من اتباعه في وسط آسيا فانه لم ينجح في تثبيت حكمه في اليمن، ولأنه فشل في تحقيق وعوده فقد واجه نفس المقاومة التي واجهها سلفه الإمام الهادي وأبناؤه.
ولذلك فقد شهد اليمن خلال حكمه وأبنائه وأحفاده صراعات كبيرة انتهت بسقوط هذه الدولة.
ويتكرر نفس الخطأ ونفس الادعاء ونفس الوعود من أحفاد الإمام الهادي الذين حاولوا اعادة إمامتهم فيما بعد، لكنهم فشلوا كما فشل من سبقهم فووجهوا بمقاومة اليمنيين، وفي نهاية المطاف فقد سقطت دولتهم.
وبعد سقوط الدولة الصليحية فقد أعاد احفاد الإمام المهدي والعياني وغيرهم ممن ينتسبون الى البطنين محاولاتهم لاعادة حكم الإمامة من جديد، وعلى الرغم من نجاح الأئمة من ابناء الحمزات في فرض سيطرتهم على بعض أجزاء اليمن من خلال ممارسة القتل والعقاب الجماعي الا ان ذلك لم يستمر طويلاً، فلم يقبل اليمنيون ادعاءاتهم فحاربوهم وهزموهم.
وبعد سقوط الدولة الرسولية استطاع بعض المنتمين للإمام الهادي اعادة الحكم الإمامي، لكن ذلك النجاح لم يكن بسبب اقتناع اليمنيين بوعوده ولكنه كان بسبب الاستخدام المفرط للقوة والقهر، ونتيجة لذلك فقد استمرت انتفاضة اليمنيين وبعض الأسر المنتمية للبطنين ضد هؤلاء الحكام.
وفي كل مرة كان يغادر فيها الأتراك اليمن كانت بعض الأسر المنتمية للبطنين تتسابق الى الوصول الى السلطة، لكن محاولاتها هذه كانت تتسبب في حدوث صراعات بين هذه الأسرة وبعضها البعض وبينها وبين بقية اليمنيين، وقد استمرت هذه الصراعات الى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م.
وكذلك يتضح ان حكم الأئمة في اليمن لم يؤدِ الى استقرار اليمن وتطوره الا في القليل النادر والقليل لاحكم له، ولاشك ان ذلك دليل قوي على ان فكرة أحقية البطنين في الحكم لم تكن مفيدة لليمن بل كانت مضرة له.
ثامناً: لافائدة من محاولة إعادة هذه التجارب من جديد، فإذا كان لم يترتب على محاولة إقامة النظام السياسي على أساس فكرة أحقية البطنين بالإمامة خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن أية ممارسة لعدل بل على العكس من ذلك فقد ترتب عليه ظلم واضح لكل من المنتمين للبطنين ولغيرهم فإنه من غير المتوقع أن يتغير الوضع في حال إعادة هذه التجارب في المستقبل.
فقد اثبتت التجارب البشرية المتعددة والمتواترة ان التمييز العنصري والسلالي لا أساس له وأنه عمل مشين وضد تطور الحضارة الإنسانية، وقد ترتب على ذلك تطور مهول في مفهوم المساواة بين الناس جميعاً في الحقوق الاساسية للانسان سواء كانت حقوقاً سياسية أو إنسانية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها من الحقوق.
والأكثر أهمية من ذلك فقد أصبح حماية هذه الحقوق وتمكين الناس منها إلزامياً على كل الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية الأخرى، ولذلك فإن العالم لايمكن أن يعترف بأي حكم يقوم على أساس التمييز، وماجنوب افريقيا إلا دليل حي على ذلك.
ولذلك فإن من ينتمون للبطنين سيكونون أكثر المتضررين من إيقاظ فتنة كهذه، فهم ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها وبالتالي فإنهم سيتعرضون للإيذاء المادي والمعنوي لأي تعاطف حقيقي أو متوهم قد يبدونه أو يتهمون في إبدائه تجاه من يسعى إلى فرض هذه الفكرة غير المقبولة.
فلا مبرر لإيقاظ هذه الفتنة من جديد فإن لهم نفس الحقوق التي للآخرين وبالتالي فإنهم لايحتاجون للسعي للحصول على حقوق تفوق حقوق الآخرين، فلا شك أن ذلك سيعرضهم للأذى والاستهجان.
فاليمن دولة ديمقراطية، إذ أن دستورها يحرم التمييز ضد أي مواطن من مواطنيه، وذلك فإنه يسمح بحرية التنظيم والتعبير والمشاركة في الانتخابات ترشحاً وإنتخاباً، وقد وافق اليمن على كل المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
لذلك فإنه يجب على كل اليمنيين وفي مقدمتهم المنتمون للمذهب الزيدي وخاصة المنتمين للبطنين الوقوف أمام من يحاول إيقاظ فتنة البطنين سواء كان من الحوثيين او غيرهم، فذلك يعد واجباً دينياً ووطنياً وأخلاقياً.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*

"الكوتشينا".. على الطريقة الإيرانية..!!
د. عبدالوهاب الروحاني

أبوراس.. موقف مشرّف مع القضية الفلسطينية
سعيد مسعود عوض الجريري*

" غَزَّة ".. كاشفة
أحمد الزبيري

حتى لا يصبح بلد الحكمة منسياً وفاشلاً.. “دعوة للحوار والسلام”
عبدالله الصعفاني

حب الوطن أغلى من المال
عبد السلام الدباء

ماذا تفعل البحرية الهندية في البحر الأحمر؟
منذر سليمان

دولة العدل والمساواة
علي القحوم

عنتر أبو "الجَلَن" !!
عبدالرحمن بجاش

اليمن على مدار السرطان!!
علي أحمد مثنى

إمبراطورية المصادفة والإدمان الإمبريالي
مازن النجار*

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)