سالم باجميل -
عمرو إنسان عملي وواقعي حسن العشرة يتفاعل مع أحداث ومشاكل الانسان والعالم عبر المكان والزمان.. ليشعر الناس القريبون منه بدفقات من السعادة بمخاطبته وتبادل اطراف الحديث حول الكبير والصغير من أمور الدنيا والدين.
أما زيد فإنه انسان معقد ويرغب في الاثارة والضجيج الفارغ.. ومن يقدر له الاقتراب من عالمه الذاتي المسكون بهواجس الظنون.. يشقى ويتعب ولا يجد تفسيراً شبه معقول لخصوماته وعداواته.. كأنما قدره قد أجبره على التغلب على آلامها وأوجاعها.
ما بين عمرو وزيد يجد المرء “حسن” فيه مسحة من الطيبة والصوفية ولا يخلو من اللؤم الدفين بحكم ما قاساه من الخيبات والعذابات في الحياة.. لديه كلف بالمعارف وشغف بالفلسفة والسياسة على طريقته المعروفة كثيراً عند معاريفه التي خلاصتها: “انظر حواليك وقل ما لديك”.
من أقوال حسن المأثورة أو المتداولة: “الناس محكومة بالاختلاف والائتلاف”.. عبر التاريخ وقد جاء في الأثر : “الخلاف لا يفسد للود قضية” بين عقلاء الناس.. هكذا هو يقول ما يتراءى له أنه صواب بأقل ما يمكن من التردد والحرج أو التفكير في الخطأ والصواب.
سمعته ذات يوم يقول لجماعة من عمال البناء المهدودين جراء ما يبذلونه من جهود في أعمالهم الشاقة والمضنية عن أهل الاحزاب والتنظيمات السياسية: “يدري المرء عنهم من حيث لا يود أن يدري.. ومن يشك في مضمون كلامي هذا ما عليه، إلاّ أن ينظر في صحائف أخبارهم”.
ثم قال أحد الغرباء أهل الأحزاب والتنظيمات مثل الحدأ يخطفون ارزاقهم من بين أيدي العامةمن الناس.. يختلفون فيما بينهم على كل شيء.. ويتفقون على خداع وغش البسطاء من أبناء الشعب وشعارهم: “ما على الأعرج حرج”.
ذهب الرجال المتميزون الذين يختلفون على ما ينفع والأخذ بالأفضل من الوسائل للوصول إليه.. وجاء من بعدهم هؤلاء الغبر الدبر.. الذين يتضاحكون ويتلاطفون لاغواء بعضهم البعض كأنما هم شياطين الأنس.
قال طسيس شغلونا الديمقراطيون العلمانيون عن ديننا بصفيرهم ونقيرهم هذه الأيام حول الذي يسوى والذي ليس يسوى من أمور الناس والحياة وفي ديننا الاسلامي يجد الحل الناجع لمشاكل البلاد والعباد في كل العصور.
ثم اجابة غريب: الديمقراطية ليست انتخابات وصفقات والعلمانية ليست كفر وانحلال وخلاعه.. كما تعلم يا طسيس!!
طيب قل للناس ما هي الديمقراطية؟! وما هي العلمانية؟! إن كنت عالم يا غريب!!
الديمقراطية منهج حياة.. وأسلوب في النظر والعمل.. والعلمانية: بناء وتنظيم المجتمع بالاعتماد على عقل الانسان.. وحياد الدولة تجاه الاديان والعقائد.
أنت كافر ومارق يا غريب ومالك عندي شيء.. وهذا فراق بيني وبينك.
انتظر يا طسيس عادني أريد أن أزيدك من الشعر بيت ألا وهو أن العلمانية: مفهوم فكري وسياسي يقوم على عدة اجتهادات اهمها نقد فكرة: “الاسلام دين ودولة”.
ها أنت تعترف بالكفر الصريح يا غريب.. وقد أقمت على نفسك الحجة بنفسك.
أنت انسان تفتش عن الاتهامات الجاهزة كعادة الكثير من امثالك الذي يحملون كلمات الرحمن ما لا تحتمل ليظلموا من يختلفون معهم في الرأي والتعبير ولا أظن أن هذا الزمان.. زمان أحد منكم يا طسيس!!
قال آخر من يتفهم التعبير السليم عن قيم ومبادئ الديمقراطية والعلمانية في مجتمعه يفلح.. وما دام تحويل المجتمع هو الأهم.
دعني أقول لك يا فيلسوف الغفلة أن تطبيق الديمقراطية والعلمانية يحتاج بيئات فكرية واجتماعية ملائمة.
بيئات فكرية واجتماعية يسودها اعلاء كلمة العقل وحريات التعبير والفكر لانجاز مرامي الانسانية النبيلة المتمثلة في الحق والعدل وتقديم مصالح الأمة على مصالح الأفراد.
من أنت يا هذا صرخ طسيس وغريب في وقت واحد.
أنا أحد ابناء الشعب الذين يرون أن الضعف المنظور في بنى مؤسسات المجتمع قد جعل الأحزاب والتنظيمات أحزمةنقل المتاعب والمشاكل في المجتمع على اختلاف مشاربها الفكرية ومواردها السياسية.. وهي مسئولة مسئولية كاملة عن التهديدات الأمنية الجارية في الوطن بفعل ممارسات عناصر الارهاب والتخريب الطائفي والانفصالي.
بين لنا كيف تسنى لك هذا الاكتشاف يا ترى؟! قال أحد الحاضرين:
لا اكتشاف ولا يحزنون يا صاحبي المسألة بكاملها تكمن في أن ضعف بنى مؤسسات المجتمع المشفوع بالغياب المنظور في الحياة لدور النخب الثقافية السياسية أثر في تجليات ازمة الديمقراطية والانتخابات ولا عزاء للأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا اذا لم تفهم هذه المسألة وتضع لها حسابات في الحاضر والمستقبل.