علي عمر الصيعري - كان الزميل «س» رئيس تحرير صحيفة أسبوعية مستقلة، بدأ يستعد لكتابة مقاله الأسبوعي أو كلمة «المحرر السياسي» منذ ساعة مبكرة من ليلة الإصدار.. استعرض ما قُدِّم له من خلاصة أخبار الصحف وأهم مقالاتها، كما تصفح عناوين المواقع الالكترونية، ثم أجرى اتصالاً أو اتصالين بصديقين يتوخى فيهما مقدرات التتبع والتحليل السياسي، وبعدها مرّ مروراً سريعاً على البروفات الأخيرة، وسجل في مفكرته رؤوس أقلام لأهم حدث في الأسبوع وتداعياته، وانتظر آخر خبر يرده حوله إلى حين أزف موعد كتابة مقاله واللمسات الأخيرة على صياغة خبر ذلك الحدث.
وفي الجانب الآخر من ذات المدينة وصل الزميل «ص» رئيس تحرير صحيفة أسبوعية تصدر في ذات يوم إصدار صحيفة زميله «س».. وصل متأخراً إلى مكتبه كعادته لانشغالاته بأموره الخاصة، في ذات ليلة الإصدار، ومر مروراً سريعاً على الأخبار، ثم فأجأه الوقت لكتابة مقاله أو «كلمة المحرر» أو صياغة خبر الأسبوع الرئيس ومانشيتاته على غير قاعدة معلوماتية خبرية موثوقة، ومن دون تفكير متعمق أو على الأقل الاستعانة ببعض أصدقائه.
صُدرت الصحيفتان في صباح اليوم التالي وهما تتناولان ذات الحدث الأسبوعي الرئيس، وإن كانت التناولة تختلفا في الصياغة، وهذا شيء طبيعي نتاج المقدرة الأسلوبية لرئيسي تحرير هاتين الصحيفتين، إلا أن صحيفة الزميل «س» تناولت الحدث بعمق وموضوعية ومن كافة جوانبه، كما جاءت صياغته جادة وعلى مستوى المهنية.
أما صحيفة الزميل «ص» فيا للهول.. لقد قلبت الحدث رأساً على عقب وجاءت صياغته الخبرية مغايرة لمضمون وهدف الحدث الأسبوعي، كما جاء مقاله أو «كلمة المحرر» على طريقة «جاء يكحلها عور عينها» فأين تكمن أسباب توفيق الزميل «س» وإخفاق الزميل «ص»؟!.
في تقديري إن السبب الأساس الذي أحدث الفارق بين توفيق هذه الصحيفة وإخفاق الأخرى، يكمن في أن الأول «س» يحترم مهنته الصحفية، ويحرص على التواجد مبكراً في مكتبه لاسيما ليلة الإصدار، كما يلم إلماماً كافياً بمتلازمة الأخبار التي لامست حدث الأسبوع، بل يقرأ معظم ما أُعدّ للنشر من مقالات وتقارير إخبارية وتحليلات، والسبب الثاني أن هذا الزميل يقرأ ويطلع قدر الإمكان على ما يتوافر له من كتب ومجلات وملخصات إلى جانب استئناسه بآراء وتحليلات زملائه، ثم يضيف إلى كتاباته وصياغته الخبرية للحدث الرئيس ومانشيته شيئاً معقولاً من التوقعات الافتراضية.
أما الزميل «ص» فهو إلى جانب تقصيراته وانشغالاته بأمور وصفقات أخرى لا يتورع عند محاصرة الوقت له من اعتماد أسلوب «التفكير بصوت افتراضي» وهذا قمة الدراما ثنائية الجانب التي تؤدي به إلى الوقوع في مغبة تزييف الحدث وقلب الوقائع والتشويش على قراء صحيفته والرأي العام، إن لم نقل الوقوع في مغبة محظورات النشر، وكل هذا بسبب تقاعسه واستمرائه لهذا الأسلوب، وهو يكتب عن أي حدث أسبوعي مهم وخطير.
إن التفكير بصوت افتراضي سلاح ذو حدين إذا أحسن استخدامه بمعقولية ومنطق سليم على قاعدة «السيناريو» المفترض بذكاء وفراسة مهنية، عزز من دفاعية ومكانة هذه الصحيفة أو تلك.
أما إذا أفرط في استخدامه من قبل رئيس التحرير أو من ينوبه واعتمد عليه في كل ما يصاغ من خبر أو يدبج من مانشيت أو يكتب من مقال وتحليل، فإنه يفقد صحيفته خصوصيتها ومصداقيتها بين القراء والشارع السياسي، إن لم نقل يفتح أمامها بوابة نيابة الصحافة والإعلام.
مع التذكير بأن دراما «التفكير بصوت افتراضي» لا يقتصر على بعض زملاء المهنة وحدهم بل يبتلي به بعض قادة الأحزاب المعارضة، وهذه التراجيديا التي لايزال يعانيها وطن بكامله، لأنها في الأساس تتنكر للمفهوم السوسيولوجي المسمى بـ «التصورات الجمعية» وهو مفهوم قال به عالم الاجتماع الأمريكي «وركهايم» ويدل على المشاعر والأفكار المشتركة بين أعضاء الجماعة ويشكل عوامل تضامن المجتمع.
عن صحيفة الجمهورية |