د/عادل الشجاع - لقد أذهلني الكتاب الصادر عن المجلس الأعلى لتخطيط التعليم حيث ذكر أن مجموع ما تحملته الدولة خلال عام 2007م 231.2 مليار ريال كنفقات للتعليم، هذا المبلغ كحد أدنى بدون ما تحملته الأسرة اليمنية من رسوم سواء في التعليم العام أو الجامعي، ويضاف إلى ذلك التعليم الموازي والتعليم الخاص.. نحن أمام أرقام مذهلة ومخرجات هزيلة.
إن الكتاب الذي بين أيدينا يركز على تحليل الإنفاق الحكومي من الموازنة العامة للدولة من ناحية، ومن الناتج الإجمالي المحلي وفي حقيقة الأمر فقد ذهب الكتاب إلى قياس حساب التكلفة ولم يشر إلى أهمية الناتج النهائي المتمثل في إعداد المواطن الذي يحقق الأمن الاجتماعي.
ومن خلال الإحصاءات المقدمة نجد أن مستوى التعليم ما زال دون المستوى فنسبة الأمية ما زالت تشكل 45.28% إضافة إلى النسبة المرتفعة من المتسربين في التعليم الأساسي والثانوي وهذا مؤشر على قصور المعدلات الكمية وعدم القدرة على استيعاب الأطفال والشباب الذين يتمتعون بحق التعليم، إضافة إلى هشاشة المناهج المقدمة فالطالب يدرس على سبيل المثال اللغة العربية بعدد تقريبي يصل إلى 3520 ساعة دراسية، لكنه يتخرج من الثانوية العامة وهو لا يستطيع التعبير عن نفسه بلغة سليمة، وبالمثل يدرس اللغة الإنجليزية بعدد تقريبي يصل إلى 1342 ساعة دراسية، ولا يستطيع الطالب أن يلتحق بالكليات التطبيقية التي تدرس باللغة الإنجليزية نتيجة لعدم الإلمام بهذه اللغة.
في هذا الكتاب مؤشرات تبين حجم التعليم وحجم الإنفاق وأعتقد أن ذلك يعود لسببين هما: ظاهرة العلاقة بين حجم الإنفاق ومستوى التقدم في إمكانية تأهيل الثروة البشرية من خلال ما تحمله من مؤهلات تمكنها من مواجهة سوق العمل والقدرة على صناعة المستقبل أما السبب الثاني وهو ما أهمله الكتاب أو لم يستطيع رصده وهو حجم الإنفاق الذي تتحمله الأسرة اليمنية وما يشكل ذلك من إنفاق إضافي، كل ذلك لم يخفف من حدة القصور الكمي والكيفي في هذا القطاع الخطير والحيوي في نفس الوقت.
ومما لا شك فيه أن هناك قصوراً مشتركاً ربما لم يحاول هذا الكتاب الإشارة إليه وهو الطموحات الأسرية لتعليم أبنائها والتي تحولت إلى سباق في الحصول على الشهائد بطرق مختلفة أحسنها استخدام الغش بالقوة، كما يحصل في كثير من المراكز الامتحانية وربما لم تسلم الجامعة من ذلك.
ما ورد في هذا الكتاب من معلومات توضح ما تتحمله الدولة من أعباء تجعلنا نتبين المفارقة بين الخطاب التربوي الذي يقدمه الوزراء المعنيون بالعملية التعليمية وبين الواقع المعطل للأهداف الكبرى التي يسعى إليها البرنامج الانتخابي لرئىس الجمهورية والذي اعتبر التعليم جبهة من جبهات الأمن القومي وقاطرة للتنمية الذاتية وتنمية القدرات الاجتماعية والقدرة على مواجهة التحديات والانخراط في العولمة، خاصة وأن عصر التكنولوجيا يتطور بشكل سريع ويقلص الفجوة المعرفية ويلغي الاقتصادات الضيقة لحساب السوق المفتوحة.
بكلام أوضح أقول لقد كشف هذا الكتاب عن الهوة التي تتسع كل يوم بين طموحاتنا وحقيقة الواقع التعليمي في بلادنا وكذلك الخلل في السياسات التعليمية وغياب الأولويات وتجنب الإهدار المالي والبشري.
لقد تناول هذا الكتاب حجم وهيكل الإنفاق الحكومي بمراحله وأنواعه المختلفة خلال الفترة من 2003 حتى 2007م الأحجام التقديرية للإنفاق الحكومي على التعليم الأساسي والثانوي والجامعي ولم يشر إلى التعليم الأهلي والخاص والكتب والملازم التعليمية وتكلفة الملابس والغذاء والمواصلات، ولم يشر كذلك إلى حجم الإنفاق على الدورات التدريبية المتخصصة والبرامج التأهيلية، وهذا يعني أن التعليم في بلادنا يستهلك مبالغ طائلة أكثر بكثير من تلك التي ترصدها الدولة.
ولا أغالي إذا قلت إن هذا الكتاب يدق ناقوس الخطر قبل أن تستيقظ الدولة والمجتمع اليمني كله على حجم كارثة ربما بدأت مؤشراتها تتضح من خلال السوق السوداء التعليمية والتي بدأت تطل برأسها بصورة وحشية وقاسية ربما بدأت كثير من القيم تنهار وغابت القدوة ومنظومة التربية كلها لتفسح المجال أمام فوضى شاملة تجسدها الأنساق التعليمية المختلفة سواء من خلال المدارس الخاصة أو الجامعات المغلقة التي تهدد الهوية والوحدة الوطنية وتشد الناس نحو الماضي ومعاداة المجتمع.
ومن يمد عينه نحو الحدود سيجد مشاهد حزينة وبائسة حيث حالات الهروب شبه الجماعي من المدارس والجامعات نحو المجهول وعبودية الكفيل.
إن ما يحسب لهذا الكتاب هو لفت الانتباه لحجم الإنفاق الحقيقي على التعليم، وطبيعة الأزمة، وكيف يمكن الخروج منها.
وخلاصة القول إننا بحاجة إلى التعرف على حجم السوق التعليمية، والأطراف الفاعلة فيها والأطراف المستفيدة من استمرار هذه الفوضى، وعلاقة هؤلاء بدوائر صنع السياسات الفوضوية.
إن هذا الكتاب لا يتوقف أمام الجوانب المالية كما قد يبدو للبعض، بقدر ما يحاول لفت انتباهنا إلى طبيعة الخريطة الاجتماعية والقوى المتحكمة في ذلك ومصير ومستقبل البلد علّنا نستطيع أن نرسم سياسات جديدة وبديلة لكل هذا العبث والذي يمكن أن يوصلنا إلى حد الكارثة.
عن صحيفةالثورة
|